عدنان حسين
إذن كانت هناك عمليات اعتقال تجري على نحو عشوائي ومنظم، غير قانوني.. وكانت هناك اعتقالات تشمل أبرياء هم في الغالب أقارب لمطلوبين.. وكانت هناك أيضاً انتهاكات سافرة لحقوق الانسان تمارس في المعتقلات في حق المعتقلين، نساء ورجالاً، لا يُستبعد أن تكون بينها عمليات اغتصاب.. وكانت هناك كذلك معتقلات سرية يؤخذ إليها هؤلاء المعتقلون، فتنقطع تماماً أخبار بعضهم عن أهلهم ومعارفهم.
هذا كله كان معروفاً لنا ولغيرنا، بيد أن السلطات الحكومية، وبخاصة قيادة عمليات بغداد ووزارة الداخلية والقيادة العامة للقوات المسلحة، كانت تنفيه نفياً باتاً ومطلقاً، وتشكك علناً في من ينشر هذه المعلومات ويتداولها، مع أن نشرها حق كفله الدستور الذي كفل الحريات العامة والخاصة والحقوق وأولها حقوق الإنسان. حتى السلطة القضائية اختارت أن تلعب دور شاهد الزور والشيطان الأخرس، بتأكيدها المرة تلو الأخرى بأن ما من اعتقالات تجري في بلادنا من دون مذكرات قضائية!
من أين لنا الآن هذا اليقين بوجود الاعتقالات غير القانونية والانتهاكات السافرة للحقوق الإنسانية للمعتقلين التي كانت تنفيها السلطات؟
الأمر لا يحتاج الى قوة حيلة وشدة دهاء وفرط ذكاء، فاللجنة الوزارية التي شكلتها الحكومة أخيراً، بعد تظاهرات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وسواها، لمراجعة ملف الاعتقالات، أعلنت بنفسها في الأيام القلائل المنصرمة عن إطلاق سراح مئات المعتقلين سيتبعها مئات أخرى. بل إن رئيس اللجنة، وهو نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، اعترف علناً بوجود معتقلين ومعتقلات أبرياء واعتذر إليهم رسمياً باسم الحكومة. فهل من دليل قاطع أقوى وأرصن من هذا على الاعتقالات غير القانونية والممارسات غير الإنسانية الجارية في المعتقلات؟
في شباط وآذار ونيسان من العام 2011 ظلت القوات الأمنية تهاجم المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد وغيرها، وتلاحقهم وتعتقل بعضهم أمام الأنظار، وتنقلهم إلى معتقلات سرية وتعاملهم بوحشية، وتلفّق لهم الاتهامات وتُرغم بعضهم على التوقيع على تعهدات تحت التهديد بالموت، وغير ذلك من التصرفات المشيئة المسيئة إلى سمعة هذه القوات والحكومة والنظام الجديد، لكن السلطات الحكومية ظلت تنفي وتنفي حتى مع ظهور الضحايا على شاشات الفضائيات بعلامات التعذيب الواضحة على أجسادهم.
بعيداً عن التظاهرات والمتظاهرين المعتقلين، كنّا نعرف من أهالي الضحايا المختفين بوجود اعتقالات غير قانونية ومعاملة متوحشة في المعتقلات، وغير ذلك مما كانت قد برعت به أجهزة نظام صدام من قبل، ما جعلنا نحن معارضي ذلك النظام -وبيننا كبار المسؤولين في نظامنا الحالي، بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ونائب رئيس الجمهورية ودزينة من الوزراء وعشرات من النواب والمحافظين- نفرّ إلى خارج "جمهورية الرعب" الصدامية.
لماذا إذن يلومنا الذين في أيديهم السلطان والهيلمان إذ نقول لهم الحقيقة بأنهم يترسمون خطى صدام في القبض على السلطة والتمسك بها حتى الرمق الأخير؟ وما الذي يضمن لنا ألاّ يتكرر الأمر بعد اليوم؟
1131 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع