الدكتور/ سعد العبيدي
لقد أنتظرنا المطر منذ عقود شهدت فيها أجواء العراق والمنطقة جفافا غير مسبوقا، حتى جاء المطر واستبشر انسان هذا الوادي العطشان خيرا، بعد ان حلم طويلا بجرعة ماء دون منة الجيران الذين يسعون لاستبدال نفطه بالماء.
كان المطر القادم ليوم وليلة، قال عنه أهل الشأن قد هطل غزيرا، وقال عنه أهل المنطق انه أٌقل من حاجة العراق وانه أقل كذلك عن المالوف في غالبية دول العالم التي يستمر المطر في أجوائها أحيانا لعدة أيام، اذا ما خرج الابناء بعدها او أثنائها يجدون شوارعهم وكأنها قد غسلت توا. هكذا هو الحال في المجتمعات التي يفكر مسئوليها بابناء شعوبهم ويحسبوا كل الحسابات ولكل الاشياء صغيرها وكبيرها. لكننا في العراق العظيم، ولاننا عظماء نختلف عن كل الاقوام على الكرة الارضية، نعيش يومنا، لا علاقة لنا بالغد، نحل المشكلة التي تظهر، لا نتحسب لظهور أخرى. وفوق هذا وعندما نواجه مشكلة طارئة وهي كثيرة بطبيعة الحال، يخرج أحد مسئولينا مستعجلا، يؤكد انهم قد تحسبوا، واتخذوا الاجراءات اللازمة، كما حصل بعد المطرة التي أغرقت بغداد ومدن آخرى نهاية شهر كانون الاول، اذ خرج اكثر من مسئول في الامانة، أكد انهم قد استنفروا كوادرهم، وشغلوا كل محطاتهم، وفتحوا المجاري، وشكلوا لجان ميدانية، وزادوا على هذا أنهم يعملون أثناء العطل الرسمية ليجنبوا بغداد الغرق.
لقد غرقت بغداد فعلا، وكذب غالبية المسئولين في الامانة، لأنهم وبعد عشر سنين من التغيير لم يستطيعوا حل مشاكل ابسط من الغرق مثل المزابل المنتشرة عشوائيا في أحياء بغداد، والحفر المتعاقبة في شوارع بغداد، ولم يفتحوا الانسدادات المستعصية في مجاري بغداد. انهم يكذبون، ولم يستطيعوا القول اصلا ان المشكلة أكبر من قدراتهم على الحل، وان التخلص منها مشاكل باتت مستعصية، لا يمكنهم حلها الآن، ولا في المستقبل القريب.
ان الحل الممكن لهذه المشكلة البسيطة ولمشاكل أخرى اكثر تعقيدا، هو تشريع قانون للعيب وآخر للكذب، قد يسهم تشريعهما والالتزام بتطبيقاتهما في تغيير ثقافة الكذب التي رافقتنا من عدة قرون ومازالت كذلك حتى وقتنا الراهن. مع الايمان بان مثل هكذا حلول يغلفها التمني وينقصها الجانب العملي يصعب ايجادها في الاصل، لان المجتمع وبعض مسئوليه مازالوا يعتقدون أنهم لا يكذبون.
800 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع