ملحمة حب سومرية ((حين يمتزج حب الأنسان مع حب الوطن تكون الملحمة))

                                            

                     بقلم/ حامد خيري الحيدر

  

ملحمة حب سومرية
((حين يمتزج حب الأنسان مع حب الوطن تكون الملحمة))
قصة من خيال بلاد ما بين النهرين القديمة
أصوات ضربات المعاول تتعالى، مصحوبة بصيحات وهتافات الثائرين.. غبار كثيف يملئ المكان بعد انهيار أجزاء كبيرة من جدران السجن الأسود الكريه، الذي كان على مدى الدهر رمزاً قبيحاً للظلم وحكم الطغاة.. الثائرون يواصلون تكسير بوابات الزنازين الثقيلة كي يحرروا ما بداخلها من سجناء، الذين بدوا كالأشباح لدى خروجهم من تلك الجحور.. أعمدة دخان تتصاعد هنا وهناك مخلفة كتلاً شوهاء متفحمة من الخشب لم يعد لها أية معالم أو شكل، كانت في الأمس القريب مناضد ومعدات مُعّدة لتعذيب أولئك المُبتلين بعشق الحرية.. روائح ما خلفته النيران تخنق أنفاس الراكضين في كل اتجاه، مُتعثرين مُتخبطين ببعضهم البعض، بعد أن حَجب الغبار عنهم الرؤيا، حتى بدو كأنهم مجرد ضلال سابحة على فوهة بركان ثائر لم  يخمد سوى منذ فترة وجيزة.. يصرخون بعلو أصواتهم بأسماء من أبتلعتهم تلك الحفر الرهيبة لسنين طويلة ضاعت من حساب الزمن، علهّم يجدوهم..... اخيراً أنتصر الشعب، انتصرت ثورة الجياع بعد طول صبر والم، ليطيح صمود الكادحين والمستضعفين بسلطة من جعل الوطن قبراً كبيراً لأبنائه..... بين هذه الفوضى العارمة أخذت تركض كالمجنونة  كحال الباقين تنظر في وجوه الجميع مُطلقة صيحات مبحوحة (سيمودار)، (سيمودار).. (أنجديني يا سومر. هل ما زال على قيد الحياة؟ ام تراه قضى تحد مخالب المجرمين، ليلقى في النهر كباقي المناضلين؟).. سنون، شهور، أيام ثِقال لم تعد تذكر عددها مرت، منذ ان غيبته هذه الدهاليز المعتمة اللعينة، لتسرق فرحتها وزهرة دنياها، تاركة إياها وحيدة هائمة في دروب النضال الذي ورثته عن غياب حبيبها....  دهر رغم قسوة أيامه لم يلين صبرها أو يموت أملها بلقياه ثانية....... طيف مهلهل الثياب بمشية عرجاء يتقدم نحوها، أخذت صورته تتوضح شيئاً فشيئاً.. كان يتوكأ على عصى مِعوَجّة أتخذ منها عكازاً يسند به خطوات ساقه التي هشمتها أدوات العذاب.... بهدوء ممزوج بصدمة اللقاء وذهول من رؤية تلك الهيئة، تلقته بشهقة وفاه مرتجف (أنت؟).... (انتصرنا  يا (ميداشا)، انتصرنا).. عبارة واحدة قالها بصوت خافت مصحوبة ببسمة متعبة ليفيقها من صدمتها ثم صمت.... ظل كل منها مُحدقاً بالآخر بعد أن أفقدتهما المفاجأة القدرة قول أي شيء، دقائق بطيئة تمّر، نسيا خلالها رغم الصخب والضجيج أين هم وفي أي يوم من ايام هذا الزمن، اكتفيا فقط  بالنظر بما أحدثته الأيام فيهما... تغير فيه كل شيء سوى قامته المديدة التي كانت ترى فيها شموخ النخيل.. ذوت عضلات ساعديه الممتلئتين، وتركت الأصفاد وزرد السلال ندوباً غائرة فيهما.. شعره الفاحم غدا ناصعاً مثل قلوب الكادحين.. عمر من الفراق والآلام والآهات،  لم يبقي له النضال بعد أن سلبه الشباب وزهو الحياة سوى ابتسامته الحالمة بمستقبل أخضر جميل، ويوم فرح لابد أن يراه الشعب.. نفس الابتسامة المليئة بالشوق والنظرة الواثقة حين كان يلتقيها في كل حين، مردداً لها جملته الأثيرة التي طبعت في ذاكرتها على مدى السنين (أن الحياة خلقت للشعوب، وهي حتماً التي ستنتصر في النهاية)... كان أيمانه بأبناء وطنه لم يتزحزح يوماً، وثقته بانتصار الحقيقة وسطوع شمسها راسخ وأن طال الزمن...... أمعنت النظر بملامح وجهه الذي حفرت فيه الأيام وظلمة السجن تجاعيد عميقة رسمت خارطة آلامه، وتركت مخالب السفاحين عليه جروحاً وقروحاً غائرة كتبت أسطورة صموده.. غدا مُبيضاً كوجوه الموتى لنسيانه ضياء الشمس.... أعادت نظرته اليها صورة عينيه الحادتين حين التقته أول مرة في ورشة حدادته الصغيرة في طارف المدينة كي تُصلح منجلها.. ذلك الشاب الوسيم بصدره الأسمر العريض العاري وقد غدا شديد الحمرة لقربه من كورة النار، بابتسامته الطفولية الجميلة الممتلئة وداعة ومرح لا تتناسب مع قوة جسده، وساعده المفتول حين يطرق بمطرقته الثقيلة الواح البرونز السميكة بشدة دون توقف، جاعلاً المعدن الأحمر اللاهب، يتحول مُرغماً كما يشاء ذلك الساعد، معلناً استسلامه وخضوعه له.. رأت بضربات مطرقته القوية صورة البطل (كًلكًامش) وهو يصرع رمز الظلام العفريت (خمبابا)، معلناً انتصار الأنسان على قوى الشر الكارهة للنور.... كان بعين ينظر لتتابع ضربات مطرقته وبالأخرى يختلس النظر اليها، حتى التقت سهام العيون، لتمزق نسمات الحب حاجز الصمت بينهما.. حاول حينها واهماً اخفاء نظرته الخجولة، لكن ابتسامته العريضة فضحته كأي تلميذ ساذج في ميدان العشق لا زال غير خابر بدهاليزه وخباياه....... مَد يده الى شعرها الناعم الجميل الذي ظل سواده عصياً على آهات الزمن، كأنه يعلن الحداد على فراق (سيمودار)، باستثناء بضع خصيلات تمردت على قانون الصبر بعد أن تسللت اليها بعض الهموم والأوصاب المحتبسة في قلبها.. استقبلت راحته الحانية الدافئة التي بدت لها رغم خشونتها كأنها وسادة ناعمة معمولة من زغب الحمام تشوقت لملامستها منذ دهور.. (ما أجمل هامتك العالية يا (ميداشا)، ما رأيتها محنية  يوماً، حتى وهي تحصد السنابل).. عادت له صورتها الجميلة تلكم الأيام حين أختطف حب هذه الفلاحة الأبية قلبه، ليجعله يقطع الطريق الطويل حتى حقول السنابل كي يختلس النظر اليها أوقات الحصاد، كانت بإحدى يديها الغضتين القويتين تحصد السنابل بمنجلها الحاد اللامع بوهج الشمس، وبظهر الأخرى تمسح جبهتها العريضة المتصببة عرقاً، ليتملكه جمالها الفاتن وهي تحتضن باقات السنابل بحنو كأنها تحتضن نفحة الحياة، بعد أن أمتزج عرقها مع حباتها الذهبية..  كانت سيول العرق الغزيرة تنساب من جبهتها برشاقة وتمايل نحو ثنايا جسدها، فبدت كأنها سواقي ماء زلال  تسقي أرض عطشى.. أنقع العرق ذلك الجسد المغزلي الساحر حتى التصقت الملابس عليه، فبدت (ميداشا) له كأنها حورية وهبتها مويجات الفرات، يسكر سحرها ويأسر قلب كل من تقع عيناه على لوحة  الجمال هذه.... كان صوتها الجنوبي الرخيم يصدح حنيناً وهي تشدو بالأهازيج العذبة مع رفيقاتها الفلاحات خلال الحصاد بتناغم جميل أخّاذ مع حركة اياديهن المعفرة بالتراب، وأجسادهن السابحة بعرق العمل.. أسكرته أهازيجها الفياضة بحب بالأرض وخير عطائها وطيبة أهلها كنسائم شمالية عذبة تتلاعب بسعيفات النخيل، لتجعل منه مجرد عصفور رقيق تائه، بعد أن جرده ذلك الجمال والحنين وتلك الرقة الملونة بإباء الكدح مقاومته لغواية قلبه........ خلال ملتقيات عشقهما عند مكانهما الأثير بقرب مرسى الزوارق، كان يكفيها نظرات عينيه المتشوقتين المليئتين بالتعابير، بعد أن ظل لسانه ثقيلاً مُتلعثماً بعبارات وكلمات الحب، غير مُجيد لصوغهما.. لكنه حين يتكلم عن الوطن تجده قد أصبح أنساناً آخر، فيغدوا أشد فصاحة من كبار الكتبة، يصعب لمن يصغي اليه التصديق أن هذه الكلمات يتفوه بها حدّاد بسيط كل ما يمتلكه من متاع هذه الدنيا ساعد قوي ومطرقة  وقلب كبير يسع جميع الناس، وأحلام جميلة طرزت مخيلته.. كانت أمنياته أن سألته عنها يكون أولها وأخرها لسومر، أرض كريمة وشعب فرح لا يعرف معنى الأحزان، يحتضن طفولة جميلة مُبتهجة.. لم يعرف معناً للسعادة والحب إلا أذا ارتبطا بملهمته (لكًش)، كان تعلقه بمدينته عصي عن الوصف، كتعلق الطفل بأمه، (كيف تكتمل سعادتنا دون مدينتنا وأهلها الطيبين).. رغم جمال اللوحة التي رسمت حبهما، أحس قلبها بهّم بثقل الجبال يعتصر صدره، وسر غامض مدفون عميقاً داخله، قرأته من خطوط الحزن التي ارتسمت على مُحياه، مختطفةً ابتسامته الجميلة الخجولة، التي يبخل بها على الناس كي يمنحها لها.. حتى تجرأت يوماً على البوح بما تشعر به، لتعرف آنذاك حقيقة الدرب الذي يسير فيه والأفق الذي يسعى ورائه.. (أنها (لكًش) أيها الحبيبة.. حتى متى تظل تنوح وتبكي فجيعة أبنائها؟؟ أيظل الفقراء يزدادون بؤساً، وخير بلادهم يُسلب من بين أيديهم؟؟ أيبقى الطغاة يسرقون آمالنا ومستقبل أبنائنا؟؟ حتى متى يبقى الكهنة يخدعون بسطاء الناس باسم الآلهة، كي يستولوا على ناتج كدّهم وحاصل تعبهم؟؟ أتبقى كروش ملاك الأراضي تنتفخ بينما الفلاحين المُتعبين وجوههم صفر وأجسادهم كعيدان القصب؟؟ يجب تعود بلادنا لأبنائها الطيبين)..... مع تتابع الأيام تناقلت الأحاديث بين جموع الكادحين ما يفعله، وهو يقود الناس بين أزقة المدينة وأحيائها المُعدمة المتهاوية، يهتفون بأصوات عالية، مطالبين الطغاة بحق الشعب من خيرات بلدهم... وأذ مرت يوماً بورشته لتسرق منه بسمة عشق أو نظرة حب، تجدها قد اكتظت برجال ذوي سواعد سُمر كساعده، لهم جباه عالية وكبرياء غريب لم ترى مثله قبلاً، رغم فقر حالهم الواضح على هيئاتهم... ليلتقط سمعها بعض من كلماتهم وعبارات حديثهم... (سيكون التجمع اليوم عند سوق النساجين).. (علينا أن نلتقي قدر ما نستطيع من الناس).. غدى محل عمله مثابة لتجمع الثائرين ومنطلقاً لخطط نضالهم..... رياح الحرية أخذت تعصف بالوطن، قلوب الشعب بدأت تغلي.. توسعت دائرة الرافضين لحكم الطغاة، الحالمين بغدٍ جديد خالٍ من الاستبداد والقهر، لتضّم جموع الفلاحين المقهورين والعاملين بالمشاغل وكتبة المعابد.... مقابل ذلك لم يكن الطغاة غافلين وقد أخذ حراك الناس يؤرق نومهم ويقلق خدر نعيمهم، ليكون رد فعلهم سريعاً وعنيفاً كهجوم الذئاب.. تكالبت قوى الحقد من كل حدٍ وصوب لخنق بواكير الثورة في مهدها.. التقت تناقضات جميع الكارهين لعلو صوت الجماهير، المهددة مصالحهم بالضياع.. أقزام، فاسدون، مرابون، أشباه بشر، وكل من نبذته عذرية الدنيا ونقاء طهارتها.. كهنة مُتملقون يفتون من باحات معابد النحس بحرمة أمنيات الناس، وخطيئة كل رافض لطاعة الطغاة، مهددين بغضب الآلهة عن كل من لا يقنع بسلاسل قدره.. التجار بين ليلة وضحاها أصبحوا أسخياء، يغدقون كل ما لديهم لتشويه حقيقة ما ذاهب اليه الشعب......  أخذ نشاط الجنود والمرتزقة والجواسيس المأجورين يزداد يوماً بعد يوم، شيقلات الفضة والذهب وأكياس الحبوب منحت دون حساب لكل من يقتل ثائراً أو يشي بمكان آخر، ذئاب الطغاة هائجة مسعورة باتت تمزق كل يقف في طريقها.. غدا المناضلون يقتلون بالعشرات، ويغّيب آخرين دون أن يعثر لهم على أثر، ألا من تُرى جثته ملقاة في النهر، والسجون التي تضاعف عددها، بدت متخمة واختنقت زنازينها بالثائرين وكل من يشك بولائه للطغمة الحاكمة... أصبح الطامحون للحرية بعد أنتشار عبير ثورتهم مشتتون مطاردون في كل مكان.. (لكًش) ساحة مُرعبة للبطش والقتل والاختطاف، لم يعرف ليلها من نهارها، ليكون القمع والموت والخوف عناوين الصفحة القبيحة التي شرّعها الطغاة..... رغم صعوبتها تواصلت دون انقطاع لقاءاتهما الجديدة المليئة بالقلق والترقب، محتضنة اياها حقول السنابل.. أصبحت ليلاً وبأوقاتٍ متباعدة، يأتي كالشبح متخفياً مُتعجلاً ثم يتركها لخوفها عائداً من حيث جاء.. غدت ديمومة حبهم وجهاً آخر لنضالهم الساعي لانتصار الحياة.. (محال أن يخاف قلبي هؤلاء الطغاة، هم ليسوا سوى خيالات شاذة باهتة عند سفوح الحياة، سيأتي يوم وتلفظهم عن مسرحها الأخضر الجميل)، هكذا كان يطمئنها حين تتسلل غمامة الخوف الذي لم تعرف حياته شكلها الى قلبها الصغير العطوف.... (الحقول هي من ستحمي الثائرين) بهذه الكلمات بددت حيرته عن المكان الذي سيلتقي برفاقه بعد استحالة ذلك داخل المدينة.. لتغدو تلك الأرض المعطاء فيما بعد ملاذاً آمناً للثائرين وميداناً لتجمع الساعين من أجل الحرية، ومستودعاً لأسلحة الثورة....... يوماً بعد يوم ودون أن تدري تلقفتها دروب الشقاء، ولفتّها بلا شعور دوامة آمال الانعتاق.. أنه الوطن، الأرض والناس الطيبين، هو الحب الذي عمّد روحها النقية، وجعلها تلقي بصرها  بعيداً نحو يوم مشرق جديد.... انتظرته أحد الأيام دون أن يأتي... زاد قلقها.. قلبها تقاذفته أمواج ظنون سوداء.... أحد رفاق الدرب يأتي لها بخبر اختطافه من قبل  الذئاب.. لا أحد يعرف الى أين اقتيد أو في أي معتقل أخفي، هل قُتل أم لازال على قيد الحياة؟؟ لا يعلم بذلك سوى القدر.. آخر كلمات سمعوها عنه، ما أبلغ رفاقه بوجوب ديمومة النضال وبقاء تجمعهم بين الحقول... غمامة سوداء خنقت قلبها رغم أدراكها أن (سيمودار) منذ أن سار بذلك الدرب كان يعلم قسوته ووحشته وخاتمته الأكيدة، الموت أو نيل الحرية... هل تجبن وترحل بعيداً عن مدينتها؟ هل تنتحر أرادتها أو تضعف أذا مات من كشف لها أحجية الحقيقة؟ هل تعلن سليلة النهرين الباسلة، نبتة أرض سومر الطيبة خنوعها للطغاة، لو سافر الى المجد أولئك الثائرين الأبطال الساعين وراء سعادة بلادهم؟ كان الصراع قاسياً داخلها أرهق بهدوء شبابها وأذاب بصمت جمالها الذي نسيت جاذبيته منذ أن سافرت بعيداً بطريق الحرية.. (محال أن تموتي يا (لكًش) حتى وأن قضي من أجلك جميع أبنائك.... سيستمر النضال حتى ينال الشعب سعادته أو يكون الخلود)...... داخل زنزانته الظلماء في سجن الطغاة الرهيب كانت (ميداشا) هي سلوى سهاده رغم آلام جسده المباح يومياً للسياط.. كان طيفها الزائر هو بلسمه المخفف لعذاباته، مانحاً إياه صبراً فوق صبره وثباتاً على ثباته.... تمضي سنين الغياب العجاف، لكن صورته ما هجرت فكرها.. كانت تمّر بذلك السجن كل يوم بعد أن تأكدت من حشره الى جانب العشرات من الثوار في أقبيته السوداء المخيفة، لتضع أذنها ويديها المرتجفتين المتعبتين على جدرانه، عّلها تسمع صوته أو بعضاً من آهات آلامه وأنين أوجاعه، ليرتجف قلبها مُزيداً خفقاته عّله يبث الحياة في جسده المنهك، فيديم صموده وبقائه في ساحة الوجود، عسى أن تشعر راحتيها حين تلامسان ذلك الجدار الأدهم بدفأ راحتيه من جانبه الآخر.. كانت واثقة بأنه لا زال حياً، قلبها الخفاق بمحبته يبلغها دوماً بذلك، حينها أحست فعلاً بحرارة أنفاسه، وبضع كلمات خافتة تخيل لها سماعها، يرددها صوته البعيد (أنا هنا يا (ميداشا)، لا زلت حياً أنتظر انتصار الشعب)... لتتحقق مع الأيام نبوءة أولئك العاشقين لوطنهم المتيقنين بعظمة شعبهم، فكان الانتصار........... بغمضة عين مَرقَ شهاب الذكريات البعيدة في مخيلة كل منهما، بعذوبتها وعذاباتها، ليعيد انتصار الثورة برعم الشباب الأبدي الذي أختطف منهما طيلة سنين الفراق.. بلحظات تفتحت من جديد أزاهير الحب الفواحة بعبير الوفاء، ونُسيت عجاف السنين الماضية، والتأمت جروحها النازفة، ليبدئا من جديد مسيرة حياتهما القادمة... رمى بشّدة عكازه المشوه بعيداً لينسى كل ما تبقى من آثار تلك الأيام السود، واضعاً ذراعه على كتفها ليتكئ عليه.. سارا معاً بثبات وثقة رغم بطيء خطواتهما خارجين من ظلمة هذا المكان الموحش الكريه نحو المدينة، الى يومهم الجديد، مرافقين جموع الناس التي اكتظت بهم الشوارع، تعلو وجوه الجميع  أفراح انتصار ثورتهم، يتفاخرون بتهشيم تماثيل الطغاة، ساحقين مُخلفاتهم بالنِعال.. تلفتا باسمين يميناً ويساراً ليُشبعا نظريهما بمهرجان الفرح الذي انتزعته أرادة الشعب انتزاعاً بعد دهر من الصمود والألم والتضحيات.... نظر كل منها للآخر، لتزداد ابتسامتيهما أتساعاً، ثم واصلا سيرهما فرحين حتى ذابا وسط زحمة الجماهير.
 *******
*الحكاية مُستوحاة من أحدى صفحات البطولة لثورة مدينة (لكًش) السومرية عام 2400ق.م، التي تعتبر أول شعبية عرفها التاريخ.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1677 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع