د .محمد عياش الكبيسي
لم تبدأ القصة بقرار غزو العراق في 2003 الذي يتحدث عنه تقرير تشيلكوت، الذي اضطر معه بلير للاعتذار.
لقد كان المبرر الأساس لهذا العدوان التخوف من وجود أسلحة دمار شامل! ويستند هذا التخوف إلى معلومات كان يقدمها عميل المخابرات الدولية أحمد الجلبي، التي أثبت الواقع كذبها، وإلى تصريح سابق لصدام حسين هدّد فيه إسرائيل بالسلاح المزدوج، الذي تبيّن فيما بعد أنه جزء من الحرب النفسية والدعائية ضد إيران على قاعدة (إياك أعني واسمعي يا جارة).
تشكلت بناء على هذه المخاوف لجان التفتيش الدولية، التي جاست خلال الديار ووصلت إلى قصور صدام نفسها ولم تجد شيئا، لكن بوش الصغير وبلير قادا حملة لتشكيل تحالف عسكري لغزو العراق دون أي غطاء شرعي لا من الأمم المتحدة ولا من غيرها، ومع هذا وقفت الأمم المتحدة موقف المتفرج.
يقينا أن العراق لم يكن يشكل بعد انهيار جيشه في 1991، وانهيار اقتصاده بسبب الحصار أي خطر، وإذا كانت المشكلة متعلقة بصدام أو البعث، فقد كان من الممكن بسهولة وبأقل تكلفة التخلص من هذه المشكلة في 1991 دون الحاجة إلى إعادة الحرب مرة ثانية!
كان من المتوقع لدى أكثر المراقبين بعد سقوط بغداد أن يعمل الغرب على بناء نموذج غربي في العراق، ومن العراقيين من كان يمنّي نفسه بأن يستعيد العراق عافيته ولو تحت نظام علماني ليبرالي، وكان الإسلاميون والقوميون يتخوفون من ذلك! ولم يكن يدور بخلد أحد أن الغرب سيعمل على تجميع العمائم السود وإحياء نظام المرجعيات وفتح الباب لتأسيس المليشيات والعمل على حشر وحوش البرّية من كل واد وكهف، لتكون الصورة النهائية أشبه بكابوس الرعب والعودة إلى ما قبل العصور الحجرية؛ وجوه كالحة، وشعور متناثرة، وحرق للأجساد، وتمثيل بالجثث، وتدمير للعقول والأصول والأخلاق والأعراف، شيء غير مفهوم ولا يكاد يصدّق.
هل كانت هذه كلها مجرد أخطاء بسبب نقص في المعلومات أو سوء تقدير للمواقف؟ ربما يحلو للذين يشكون من حساسية مفرطة تجاه (عقدة المؤامرة) أن يفسّروا الأمور بذلك، لكن استمرار هذه الأخطاء وتراكمها لما يزيد عن ربع قرن يطيح كليا بهذه النظرية نظرية الصدفة والأخطاء غير المقصودة.
لقد كان بإمكان الغرب أن يوقفوا هذا المسلسل في أي فصل من فصوله، لكنهم على العكس تماما، فهم الذين نظرّوا للفوضى الخلاقة، وتباهوا بنجاحهم في تجميع الإرهابيين في العراق، وهم الذين منعوا القائمة العراقية من استحقاقها الانتخابي، وانحازوا للمالكي وسلموه الحكم دون وجه حق، وهم الذين رفضوا التعامل مع الحراك السلمي الذي استمر أكثر من سنة، وماطلوا كثيرا في حماية المناطق المنكوبة بداعش وماعش، ونقضوا التزاماتهم تجاه أهل الفلوجة بمنع المليشيات من دخولها.
كل الجرائم البشعة التي ترتكب يوميا من 2003 إلى اليوم تتجه نحو المجهول دون تحقيق أو محاكمة، كل المليارات المسروقة والمفقودة تتجه للمجهول كذلك، المؤسسات العلمية والخدمية والصحية كلها في تراجع وانهيار، لا نظام ولا قانون ولا حقوق ولا حياة.
اعتذار بلير أين نضعه في هذا المسلسل؟ المطلوب من بلير وشركائه أن يكشفوا لشعوبهم وللعالم حقيقة هذا المسلسل ومن يقف وراءه.
1144 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع