زينب حفني*
على الرغم من الضجة التي أثارتها المسلسلات التركية منذ دخولها حلبة المنافسة على شاشات الفضائيات العربية، إلا أنني بصدق لم أتابع أيّاً منها رغم جماهيريتها الواسعة.
وهذا ليس تقليلاً من شأنها، ولكن لأنني بطبعي أميل إلى الأفلام والمسلسلات التي تحمل صبغة تاريخية، وهو ما دفعني إلى متابعة مسلسل (حريم السلطان) بين حين وآخر لطول أجزائه وعدد حلقاته.
مسلسل حريم السلطان حقق نسبة مشاهدة عالية مما أدّى إلى «دبلجته» للغات عدّة. ومن يُتابع حلقاته يُلاحظ كيف كان للنساء في «الحرملك» سطوة كبيرة، وكيف كنّ يحكنَ الدسائس ويطبخنَ المؤامرات من أجل أن تتقرّب إحداهن للسلطان وتحظى باهتمامه وحبّه.
رئيس الوزراء التركي (رجب طيّب أردوغان) اعترض على المسلسل بحجة أنه قام بتشويه صورة السلطان سليمان القانوني، الذي جلس على العرش مدة أربعين عاماً، ويُعتبر عصره من أزهى عصور الإمبراطورية الإسلامية. ولقّبه المؤرخون بالسلطان العادل القوي المحنّك حيث سنَّ قوانين قضائية مهمة في مجالات مختلفة، ظلّت تُطبّق لمدة طويلة بعد رحيله. كما توسعت في عهده الفتوحات العثمانية، وبسط العثمانيون سيطرتهم على كافة البلاد العربية بما فيها منطقة الخليج العربي.
أردوغان أوصل احتجاجه تحت قبّة البرلمان، ونجح بموافقة الأغلبية في تمرير قرار بوقف جزئه الرابع الذي لم يبدأ تسجيله بعد. والحقيقة أن أردوغان لم يكن قد سمع عن المسلسل قبل أن يلتقي بالرئيس المصري، الذي كان أول من لفت نظره لمسلسل حريم السلطان، قائلاً له بنبرة عتاب أن العمل فيه إساءة بالغة للعثمانيين وإلى تاريخ الخلافة الإسلامية، وأن من غير اللائق أن يُصوّر الفنانون الأتراك أجدادهم بهذه الطريقة السلبية، ويُظهرونهم كسلاطين يعيشون في قصور فارهة، ولا همّ لهم سوى الانغماس في ملذاتهم، وترك أنفسهم لعبة سهلة في أيدي جواريهم وأبنائهم.
عدد من الأقلام الصحفية أبدت امتعاضها من قرار البرلمان التركي، معتبرة إياه هزيمة ساحقة لحرية الفن والإبداع. وهناك من رأى بأن هذا التصرف يُضفي قدسية على الشخصيات التي كان لها بصمة بارزة في تاريخ الأمتين العربية والإسلامية.
ليس سرّاً أن «الإخوان المسلمين» يحلمون بعودة الخلافة الإسلامية، ويشعرون بحنين لتلك الفترة التي كان يحكم فيها العثمانيون بلادنا، بدليل أن جماعة «الإخوان المسلمين» تأسست بعد سقوط الخلافة العثمانية بسنوات قليلة على يد مرشدهم الأول (حسن البنا)!
لا أعرف لماذا يُصر البعض على إضفاء حالة من القدسية على رموزنا التاريخية؟! لقد كانت للدولة العثمانية أخطاء كثيرة، وإن كان يُحسب لها مواقفها الإيجابية تجاه القضية الفلسطينية، لكن هذا لا يُبرر القسوة التي كان ينتهجها العثمانيون في حكمهم للبلاد التي حكموها، وهو ما دفع العرب وقتها إلى وضع أيديهم في أيدي الأغراب للتخلّص من حكمهم القاسي الذي دام قروناً طويلة.
كل عصر له إيجابياته وسلبياته وسقطاته وإنجازاته، وقد كانت المرأة حاضرة في السياسة بكل زمان ومكان، فلماذا إنكار دور «الحرملك» أيامها في إدارة شؤون البلاد؟! ومن قرأ كتاب (سلطانات منسيات) للباحثة المغربية الأصل (فاطمة المرنيسي) سيرى تأثير المرأة في فرض سطوتها من وراء الأستار بكافة مراحل تاريخنا الإسلامي دون استثناء!
حجب الفن بحجج واهية يعدُّ جريمة كبرى! واغتيالاً متعمّداً بالطريق العام في حق حرية الفكر والإبداع! وتقديس الرموز التاريخية وأنها كانت مترفعة عن الأخطاء والنزوات، يُعتبر هذا الحجب غشاً وتدليساً في حق الأجيال الصاعدة، التي من حقّها أن تعرف سلبيات ماضيها كي تتجنب أهوال المستقبل. البشر يُخطئون ويُصيبون مهما عظمت منزلتهم، الملائكة مكانها فقط في السماء!
*كاتبة من السعودية
847 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع