هيفاء زنكنة
هل نبالغ حين ننظر إلى واقعنا، ونرى الخراب وكيف ينعكس على وجه المرأة العراقية، كمدا ورمادا، فلا نكاد نعرفها، فنحمل المحتل ومن حفزه، وسايره في تأسيس الطائفية والعرقية والفساد، مسؤولية كل ما يجري من شمال العراق إلى جنوبه، من شرقه إلى غربه؟ هل تتسع مساحة الورق لسرد جرائمهم؟ كيف جعلوا الحياة تابوتا تحمله المرأة المتسربلة بالسواد، على كتفيها؟
تتساءل الأم والزوجة الموعودة بديمقراطية « العراق الجديد»، عن كيفية تحمل عبء الحياة يوما آخر. عن الفقر واليتامى. عن العثور على جثث الضحايا ودفنهم في الكرادة، النموذج المصغر لتعايش البغداديين. عن مجالس العزاء وملابس العزاء التي باتت زيا موحدا لكل العراقيات. عن التيه بين مخيمات النازحين على خارطة لم تعد تتسع للمزيد، عن أطفال هيروشيما – الفلوجة، المشوهين باليورانيوم، والاجساد الذائبة بالنابالم، عن بغدادنا المجزأة بالجدران الكونكريتية ونقاط تفتيش برجال يمررون الإرهابيين لقاء حفنة دنانير. تقول: كيف سيكون صباحنا، نهارنا، والليل الذي سيحتضننا بساعاته المظلمة؟ كيف اصبح السواد/ الظلام جزءا من جلودنا وملامح وجوهنا؟.
«إنّ قوماً ظالمِينَ، معَمَّمينَ، يطارِدونَ بَياضَ بغدادَ « يقول سعدي يوسف. هل من يوم آخر؟ ماذا عن أحبابنا حين يغادرون البيت إلى المدرسة، إلى العمل، أو لمجرد التسوق أو التمشي كما يفعل بقية البشر.. هل سيعودون أم سيصبحون خبرا في اشرطة الاخبار العاجلة، يذكرون لمدة عشر الثانية ثم يتلاشون؟ اجهزة الإعلام العربية مكتظة وأجهزة الإعلام الغربية تتفرج عن مبعدة. ضحايا تفجير/ قصف آخر؟ قنبلة، انتحاري، سيارة مفخخة، لغم، برميل متفجر، أو لعلها مادة متفجرة غير معلومة، كما قيل لنا أخيرا؟
اذ يواصل أهل ضحايا الكرادة بحثهم عن اجساد أحبائهم المتفحمة، ورائحة الموت يستنشقها الاحياء فلا يعرفون إذا كانوا، هم أنفسهم، لايزالون على قيد الحياة، والنائحات المفترشات ارض الجحيم ينثرن الرماد على رؤوسهن، ويخرج المعزون بحزن جماعي وتضامن يليق بأهل العراق، مطالبين بالتحقيق في الجريمة، يعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي، بعد ان رشقه اهل الضحايا بالحجارة والقناني والنعال، عن ثلاثة ايام حداد، وتمديد عطلة العيد، وتأجيل فتح التحقيق إلى ما بعد عطلة العيد!
عن أي عيد يتحدث ساسة «العراق الجديد»؟ هل هناك بلد في العالم يتم فيه تأجيل التحقيق بجريمة، مهما كانت بسيطة، إلى ما بعد العطلة؟ فكيف بجريمة حصدت ارواح المئات من الشباب؟ إلا يؤشر فعل التأجيل والاستهانة بحياة الناس، إلى إرهاب الحكومة وميليشياتها أو فسادها وتسهيلها جرائم الإرهابيين ؟
هل سمع احدنا عن نتيجة اي تحقيق مستقل أجرته الحكومة منذ عام 2004 حتى اليوم؟ ماذا عن تقرير لجنة التحقيق الحكومية في اقتياد قوات الحشد الشعبي 643 شخصا من ناحية الصقلاوية، قرب الفلوجة، بعد فصلهم عن النساء، ولايزالون مفقودين ؟ ماذا عن ارتكاب قوات الحشد والجيش» إعدامات دون محاكمة وضرب للمحتجزين واختفاء قسري، وتشويه القوات الحكومية للجثث»؟ وكلها جرائم حرب، كما جاء، بتفاصيل موثقة مع شهود عيان ومسؤولين محليين وعمال أغاثة، في تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش «العراق: تكتُّم على سير التحقيقات في انتهاكات الفلوجة: انتهاكات جديدة تكّذب التوصيف الأمريكي بأنها «فظائع معزولة».
يكشف التقرير سيرورة تشكيل لجان التحقيق واعلان نتائجها الملفقة مما يؤكد سبب عدم ثقة المواطن العراقي بكل التحقيقات الحكومية الرامية، واقعا، إلى التستر على الجرائم، وحماية المسؤولين الحقيقيين، غالبا، عن طريق اتهام وادانة الابرياء.
ففي 4 تموز/يوليو، فتح رئيس الوزراء حيدر العبادي تحقيقا عن الانتهاكات تجاه اهل الفلوجة، بعد ان تعالت استنكارات المنظمات الحقوقية الدولية، ليعلن بعد ثلاثة أيام عن اعتقالات غير محددة و»إحالة المتهمين بارتكاب تجاوزات إلى القضاء لينالوا جزاءهم وفق القانون». الحقيقة هي ان أيا من المسؤولين العراقيين «لم يوفر اي معلومات عن التحقيقات المزعومة، بما في ذلك توقيف أي شخص واتهامه». وكانت المنظمة قد وجهت اسئلة مهمة إلى الحكومة حول لجنة التحقيق، لم يُجب عنها. هذه الاسئلة هي: من يُجري التحقيقات ومن عيّن المحقّقين؟ هل تشمل ولاية التحقيق مسؤولية القيادة عن الانتهاكات؟ هل يتبع التحقيق لمجلس القضاء الأعلى أم أنه هيئة خارج نطاق القضاء؟ هل يرتكز التحقيق على القانون الجنائي العسكري أو المدني العراقي، وهل يشمل انتهاكات قوانين الحرب والجرائم ضد الإنسانية؟ كم تحقيقا فُتح حتى الآن وما النتائج؟ هل كانت هناك اعتقالات؟ إن وُجدت، فما رُتب ووحدات المتهمين، وما التهم؟ هل ستُعلَن النتائج والتوصيات النهائية؟
ماذا بعد الكرادة ؟ كيف نضع حدا للمجازر المقبلة، خاصة بعد ان بشرنا المسؤولون الأمنيون أن «تحرير المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي لا يعني انتهاءه»؟ كم مرة تم الاعلان عن نهاية الإرهابيين الذين جلبهم الاحتلال، من القاعدة والزرقاوي والقاعدة الثانية او الدولة الإسلامية في العراق سابقا، وفي كل مرة تتعاظم التفجيرات ليقولوا انها نتيجة ضعف الإرهاب وتراجعه؟ أليس هذا أسلوب غسل اليدين من المسؤولية؟ مسؤولية نظام فاسد، حفر خندق الطائفية المقيتة، ولا يجد حرجا في حرق المواطنين كلهم، بلا تمييز، حماية لمصالحه.
لم تعد الطائفية لباسا يستر عورة النظام. يوم الجمعة الماضي، طالب المتظاهرون، بتحقيق دولي ونددوا بالطائفية، كان رد النظام اطلاق الرصاص الحي واستخدام الغاز المدمع. عشرات الآلاف وقعوا على عريضة تطالب بالتحقيق الدولي أيضا. التحقيق، سواء كان محليا أو دوليا، حل آني ضروري احتراما لقيمة الانسان، وتطمينا لنفوس أهالي الضحايا، وخلق الأمل بوجود حل عادل للجميع. يجب اجبار النظام على التحقيق في جميع الجرائم والانتهاكات، من قبل أي طرف خلال الصراع، من داعش والميليشيات والقوات الخاصة، بسرعة وشفافية وفعالية، وبشكل مستقل، لتتم محاكمة من تثبت مسؤوليتهم الجنائية، وصولا إلى أعلى المستويات المسؤولة.
1123 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع