كاظم فنجان الحمامي
في سابقة غير مألوفة عند جميع الأمم, ظهرت في الهند ميليشيات من النساء المضطهدات, تقودهن امرأة أسست ميليشياتها في مدينة (بونديلخاند) الفقيرة الواقعة شمالي مقاطعة (براديش) من المقاطعات الشمالية في الهند, وهي من الأقاليم الهندية الأكثر ازدحاما بالسكان, والأكثر اكتظاظا بالأحياء الفقيرة.
في هذا الجزء المجهول من القارة الآسيوية ظهرت هذه الميليشيات لتذود بالدفاع عن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة, فأطلقوا عليها ميليشيات (غولابي), ومفردة (غولابي) تعني (وردي) باللغة الهندية الرسمية, وتضم الآن نحو (10000) امرأة متزوجة, كلهن يرتدين الساري الوردي, ويحملن الهراوات الهندية (اللاثي Lathi), والتي نطلق عليها (الشوم), أو (الشومي) في أريافنا, وتعني العصا الغليظة المصنوعة من أغصان الأشجار, اما الساري فهو الزي الهندي الشائع في شبه القارة الهندية. .
ربما سارت هذه المرأة الحديدية على نهج نظيرتها الشابة الهندية السيدة (فولان ديفي Phoolan Devi), التي قادت أكبر عصابة للصوص, وفرضت سيطرتها على ثلاث ولايات هندية (هاريانا, يوبي, وبيهار), في حزام هندوسي تُعبد فيه قطعان البقر, يطلق عليه (Cow Belt), ثم توَّجتها الصحافة المحلية ملكة للصوص والحرامية بعد أن دوخت السلطات الهندية, استقامت فيما بعد وانضمت إلى حزب (جاناتا بارتي Janata Party), فترشحت في الانتخابات لتحجز لها مقعداً في البرلمان الهندي, لكنها لقت مصرعها بعيارات نارية أطلقها عليها مجهول من مسدسه في الخامس والعشرين من تموز (يوليو) 2001. .
لا توجد في الهند كلها ميليشيات مسلحة على غرار المليشيات الطائفية أو العرقية أو الأيديولوجية المنتشرة حول العالم, فالولايات الهندية على اختلاف طوائفها وقومياتها ولهجاتها تمثل أكبر المجتمعات الديمقراطية في العالم, وفيها نحو (714) مليون ناخب, أي أكثر من سكان أوربا, والنظام السياسي فيها مشرَّع, ويجمع تيارات سياسية متباينة, من اليمين المتشدد إلى اليسار المتطرف, والأحزاب فيها كثيرة ومتشعبة الأهداف, لكن قضائها مستقل, شأنه في هذا شأن الإعلام. .
وتكاد تكون المرأة الريفية هي الأكثر اضطهاداً وتعسفاً, وبخاصة في الأقاليم البعيدة, والقرى النائية, فولدت هذه المليشيات النسوية في تسعينيات القرن الماضي لتجد في طريقها مجموعة من التحديات الاجتماعية والعقبات التشريعية, التي عارضت ولادتها جملة وتفصيلا. .
جاء تشكيلها على يد السيدة (سامبات بال ديفي Sampat Pal Devi), وهي سيدة هندية مسيحية غير متعلمة, تجاوزت العقد الرابع من العمر (47 سنة), متزوجة ولها خمسة أطفال, ارتدت الساري الوردي, وطلبت من أعضاء عصابتها ارتداء الثياب التقليدية الوردية, فاللون الوردي هو لون الحياة الهانئة في التراث الهندوسي, ويتطابق تماما مع إستراتيجيتهن القتالية للذود بالدفاع عن حقوق المرأة داخل أسرتها وبيتها وفي مجال عملها, باعتبارها الزهرة الوردية النابضة بالحياة, ويفوح منها شذى العطر الذي يصنع البهجة والسعادة في المجتمعات. .
تنحدر الغالبية العظمى من نساء المليشيات الوردية من الطبقات الاجتماعية المسحوقة, أو من طبقة (الدالت Dalit) المنبوذة, وصادف أن تعرضت امرأة من طبقة المنبوذين للاغتصاب الجماعي على يد مجموعة من رجال الطبقات الارستقراطية العليا في مقاطعة (أتّار براديش), فلم تسجل الشرطة وقائع الاعتداء, ولم تدافع عن حقوق المجني عليها, على الرغم من تظاهر الناس في القرى القريبة من مكان الاعتداء, فقامت الشرطة باعتقال المتظاهرين, ومنعتهم من التظاهر, فتجمعت المليشيات الوردية وشنت هجوماً عاصفاً ضد مركز الشرطة, فحررت المعتقلين, وأرغمت مأمور المركز على قبول شكوى المجني عليها وتسجيلها. .
حققت الكتائب الوردية انتصارا شعبيا ساحقا عندما أغلقت إحدى المخازن التجارية, التي يمارس مالكها الغش التجارية, ويحتال على الأسر الفقيرة, فطاردته وألقت عليه القبض, وسلمته إلى مركز الشرطة, بعد أن نال حصته من الضربات والركلات والصفعات. .
تقول (سامبات بال ديفي): إن عناصرها المسلحة بالهراوات على أهبة الاستعداد لتأديب الأزواج الذين دأبوا على اضطهاد زوجاتهم والاعتداء عليهن بالضرب, فالهراوات موجودة وهي كفيلة بردع المعتدين. .
وتقول أيضا: إن هذه الميليشيات حققت نجاحا كبيرا في تأديب المفسدين في المؤسسات الحكومية, وان صولات التأديب تتم دائما في الشارع العام خارج محرمات المؤسسة الفاسدة, حيث يلقى الموظف المفسد (علقة) ساخنة أمام المارة, يتلقى فيها ضربا مبرحاً بالعصي والحجارة, من دون حاجة إلى استعمال أسلحتهن الكيماوية, التي تتألف من مساحيق الفلفل الحار, المعدة مسبقا ليذر في عيون المفسدين. .
تنتقل عناصر الميليشيا الوردية من موقع إلى آخر بواسطة الدراجات الهوائية, ويتألف كل هجوم من مئة امرأة على أقل تقدير, كلهن مهيئات نفسيا وبدنيا لأداء واجباتهن في حماية المجتمع الهندي وردع المفسدين والمتجبرين والمقصرين, وتستمد الميليشيات الوردية مساعداتها اللوجستية من منظمات المجتمع المدني, ومن بعض المحسنين, والمؤسسات الدينية, ومن الدعم الشعبي المطلق. .
ختاما نقول: ألا يستحق مجتمعنا أن تظهر فيه ميليشيات وردية وبرتقالية وبنفسجية وزنكلونية وبكل ألوان الطيف الشمسي لتضاف إلى تشكيلات المليشيات الموجودة الآن في الساحة حتى تكتمل عندنا مشاهد الفوضى الخلاقة ؟؟؟؟؟؟؟؟.
799 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع