نزار جاف
إن أي مركز مرموق كمقام ملك ليس إثما بحد ذاته، إنما يغدو إثما حين يقوم الشخص الذي يناط به ويحتله بسوء استعمال السلطة من غير مبالاة بحقوق وشعور الآخرين.
هذا القول المأثور لشکسبير، حضرني وأنا أتابع مايجري في عراق مابعد صدام حسين من فوضى و تخبط من قبل أولئك الذين ظهروا فجأة کسرب جراد متعطش لربيع العراق و على الرغم من کل تلك الادعاءات و المزاعم التي کانوا يطلقونها أيام ماکانوا متسکعين في طهران و لندن و عواصم أخرى، فإن الذي يثير السخرية و التهکم الى أبعد حد هو إنه لم يتحقق منها ولو نسبة ضئيلة جدا.
جعل نظام حزب البعث شماعة يتم من خلالها تعليق کافة الاخطاء الشنيعة لهذه الثلة التي ملأت الدنيا صخبا و ضجة بجرائم و مجازر و إنتهاکات صدام حسين، هو في الحقيقة بمثابة"رحمة من السماء"، لأشباه الساسة من الذين صاروا أصحاب مئات المليارات من الدولارات خلال بضعة أعوام في حين إزداد الشعب العراقي فقرا و تقتيلا و دمارا و حرمانا، حتى إنه لم يعد أحد يتردد في الترحم على عهد صدام حسين لکنني أريد أن أذکر قولا مأثورا آخرا لشکسبير و الذي أراه کالروائي الروسي ديستوفسکي، بحار في النفس الانسانية و أعماق خلجاتها، حيث يقول:" إن الآثام التي يأتي بها الإنسان في حياته، غالبا ما تذكر بعد وفاته، ولكن أعماله الحميدة تدفن كما يدفن جسده وتنسى." نعم ياسادة صدام کان دکتاتورا و کان لايرحم معارضيه، لکنه في نفس الوقت کان رجل دولة رغم أنف کل معارضيه و کان يوفر للشعب العراقي مايکفي أودهم و يضمن أمنهم و إستقرارهم، أما هٶلاء، فقد أثبتوا و بکل وضوح عدم جدارتهم من مختلف النواحي.
لاأدري أين أبو تحسين الذي ضرب بنعاله نصب صدام حسين عندما أسقطه الجنود الامريکيون يوم التاسع من نيسان 2003، من مايفعله هٶلاء الذين جاءوا ليعوضوا الشعب العراقي عما لحق به من ظلم صدام حسين، وهل هو راض فعلا عنهم و عن سرقتهم و نهبهم لثروات العراق بطرق بالغة الخسة و الدناءة و تحت عباءة الدين. لماذا لايظر أبو تحسين ولو في زاوية ميتة بصحيفة عراقية مهمشة ليعلن عن موقفه من ساسة عراق آخر زمن، ذلك إن العراق ومن رجالات أمثال الملك فيصل الاول و غازي و نوري السعيد و سعيد قزاز و عبداالرحمن البزاز و صدام حسين ذاته، صار محفلا و مرتعا لنماذج من الافضل الترفع عن ذکرا اسماءها لأنها ليس لم تقدم شيئا للعراق وانما ساهمت أيضا في تدميره.
الانسان عندما يسقط يصبح شرطيا. قول مشهور و ذو معنى عميق لألبير کامو عن أولئك المبدأيين الذين يسقطون في طريق کفاحهم ضد النظم الاستبدادية و الدکتاتورية يصبحون عملاء و مأجورين لتلك النظم و يشارکون في العملية القمعية، لکن للسقوط أنواع و درجات، فهناك سقوط عسکري و هناك سقوط مبدأي و هناك سقوط أخلاقي، والذي أتساءل عنه: أي من أنواع السقوط التي ذکرتها جديرة بمن خلفوا صدام حسين؟!
2174 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع