الدكتور / علوان العبوسي
بمناسبة الذكرى 92 لتاسيس الجيش العراقي يطيب لي قبل ان ابدأ مقالتي ان اهنىء كافة اخواني قادةً وآمرين وضباط صف وجنود بذكرى هذه المناسبة العطرة ، كما اترحم على شهدائنا الابرار في عليين ، واثني على كل من ساهم واسس سواء بمبدأ او مشروع اوابداع ساعد على تطوره وجعله رايتاً بين رايات العروبة والاسلام .
عندما نحتفل بتاسيس الجيش العراقي في السادس من كانون الثاني ( يناير) 1921من كل عام فهذا ليس احتفالا بيوم مولده انه تاريخ لاعادة بعثه ، فهناك خمسون قرناً تطل عليه من احداث وتالق تركت آثارها في حياة هذا الجيش العريق ، ولكي نفهم بحق حاضره وما آلت اليه من احداث لابد لنا استذكار الماضي وتتبع سلسلة حلقاته المترابطة ولحين محاولة اعداء العراق من اميركان وصهاينة وفرس واعوانهم حله واستبداله بجيش مليشياوي طائفي يخدم مصالحهم تاركاً وصمة عار تاريخية في جبين الامة العربية التي سكتت عن هذا الحدث متناسية ماقدمه العراق من شهداء من اجل احقاق الحق والمبادىء السامية .
لقد تزامن تاريخ الجيش العراقي مع تاريخ وحضارة العراق في كافة عهودها منذ العهد السومري في(2800-2400 ق.م)والاكدي و البابلي والاشوري ثم الكلدي آخر العصور القديمة ثم في عصر الازدهار الاسلامي ومعاركه الكبرى المشهودة التي خاضها في هذا العصر كالقادسية ونهاوند لقنت الفرس دروساً لايمكن ان ينسوها على مدى التاريخ ، في مقابل ذلك حدثت انتكاسة سياسية وعسكرية في العصر العباسي نتج عنها هجوم مغولي سافر في 656 هجري 1258م بتعاون الفرس واليهود كان من نتائجه اصابة المؤسسة العسكرية العراقية بحالة من العجز والشلل التام ، ثم جاء العهد العثماني ومن بعده الاحتلال البريطاني وفرض انتدابه على العراق في 25 نيسان 1920م وتاليف الحكومة العراقية المؤقته برئاسة عبد الرحمن الكيلاني .
في يوم الخميس 28 ربيع الثاني 1339هجري/6 كانون الثاني 1921 م عُين في وزارة الدفاع فريق من الضباط العراقيين وعقد الاجتماع الرسمي الاول لفتح دوائر المقر العام للجيش العراقي وراس الفريق جعفر العسكري وزير الدفاع الوطني الاجتماع وبذلك اصبح اليوم السادس من كانون الثاني يوماً خالداً في تاريخ العراق الحديث .
ومن الادوار القومية والوطنية للجيش العراقي اشتراكه بالحرب العراقية البريطانية في مايس 1941 ، والحرب العربية الاسرائيلية الاولى في 1948 ، ومساهمته مع القوات السورية في مواجهة اسرائيل ومنعها من تجفيف بحيرة الحولة عام 1951 ، ومساهمته في حرب5 حزيران 1967 ، وحرب تشرين 1973 ، ثم مساهمته بمهام الامن الداخلي في كردستان للفترة 1931- 1975 ، ودوره المشهود في درء العدوان الايراني 1980- 1988 ،ثم استدراجه في اجتياح الكويت ، وام المعارك في مواجهة قوات التحالف الدولي وتدمير 50% من الجيش العراقي ، ثم الحرب الامريكية البريطانية التي خاضها العراق مضطراً بقواته البرية فقط بعد تآمر عربي امريكي بريطاني انهت هذه الحرب غير المتكافأة اسطورة الجيش العراقي واصبح أثراً بعد عين .
سلطة الاحتلال وتاسيس الجيش العراقي الجديد
في سابقه خطيره هي الاولى في التاريخ الحديث ان يُحتل بلد من قبل قوة غاشمة بأسم الديمقراطية ويسلب أمنه الوطني وتدُمَر قواه وبناه التحتية وكل ماله صله في دفاعه الوطني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً ومعنوياً ثم تنهب خيراته بشكل مبرمج و يُشرد شعبه ويُكتب دستوره من قبل هذه القوة ويفرض عليه ، ثم تُسّير أمور شعبه وفق أسس ومبادىء لاتمت للواقع الانساني والقانوني والشرعي والحضاري بصلة وبأسم هذه الديمقراطية ، فالمحتل في أول خطواته حل الجيش العراقي رمز الامن والسياده الوطنيه وحاضن قوى الدوله الاخرى ، وحَلّ معه كافة الدوائر الامنية والسياسية والوزارات المهمة في خطوه لانهاء كل ذي صله بمفهوم الدولة العراقية بدل الاستفاده منها على اقل تقدير في العهد الجديد الذي أقره واستعاض عنها بجيش ودوائر أمنية ومؤسسات بداياتها مليشيات ونهاياتها طائفية عرقية لغايات خبيثه لخدمته وإحكام السيطرة عليه من خلال عناصرغريبة عن المجتمع العراقي لايهمها سوى مصالحها الخاصة ومصالح الاحزاب والفئات المنتمية اليها بعد تغيير تنظيماته التي اعتاد عليها بتنظيمات أمريكية بعيده كل البعد عن العقائد الوطنية والقومية والدروس المستفاده من الملاحم البطوليه التي خاضها وطنياً وقومياً لتتماشى مع الاهداف التي يسعى لها هذا المحتل واعوانه ومحاولة تاسيس ركائز جديده بدأ من الصفر .
في منتصف أيار(مارس)2003 نسب الرئيس الامريكي بوش السفير (بول بريمر) حاكماً مدنياً لسلطة الاحتلال ، في 23آيار ( مايس) 2003 اصدر بريمر الامر رقم (2) لادارة التحالف تحت عنوان (حل مؤسسات) والذي شمل وزارة الدفاع وكل الهيئات التابعة او المرتبطة بها وكل التشكيلات العسكرية بما في ذلك الحرس الجمهوري والحرس الخاص ومليشيات حزب البعث وفدائيو صدام وجيش القدس ، كما شمل الامر قرار تشكيل جيش جديد يكون هذا الجيش بمثابة الخطوه الاولى وذو مهنية فعالة عسكرياً وممثله لكل العراقيين (هذا كما يدعي الامر) .... وقد عارض كبار قادة الجيش السابق هذه القرارات وحرروا دراسة شامله اوضحو فيها سلبية هذا الامر ومدى انعكاساته المستقبلية على مستوى الامن القومي العراقي ، سُلمت الدراسة مباشرة الى ( بول بريمر) لكنه برر إصداره للامر بانه جهة منفذة للاوامر الامريكية ولا علاقه له بذلك في إشارة الى صدوره من الحكومة الامريكية وهذا غير صحيح ففي كتابه عامي في العراق يشير بول بريمر في الصفحه 25 ماياتي ((في التاسع عشر من مايو، أرسلت مذكرة الى الوزير رامسفيلد تتضمن شرحاً تفصيلياً لتوصياتنا بحل وزارة الدفاع العراقية والهيئات التابعة لها بما في ذلك المخابرات والأمن والجيش والوحدات العسكرية وشبه العسكرية الأخرى، وقلت في مُذكرتي ان هذه الخطوة ستكون حاسمة في سعينا الهادف الى تدمير اسس نظام صدام وإظهاراً للشعب العراقي ان لا عودة لصدام وعصابته ، وقبل إرسال هذه المذكرة الى البنتاغون ناقشتها مع كبار القادة المدنيين والعسكريين في ادارة التحالف ومع القيادة المركزية في قطر ..... وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، حين أعطاني رامسفيلد التفويض بالمضي قدما في هذا الموضوع ، أبلغت الرئيس بالخطة من خلال رابطة تلفزيونية بالفيديو)) .
وفي حينها ظهرت تبريرات مفادها ان وزير الخارجية الامريكي كولن باول وكوندليزا رايس لايعلمان بهذا الامر واعتبروه خطوة غير صحيحة حيث كان المفروض الاستفادة من الجيش العراقي السابق لحفظ الامن والنظام ، لم تهتم الاداره الامريكية وحاكمها الاداري في العراق لما سيجري سبب خطوتها الخطيرة هذه ، وما سيترتب من فراغ أمني مقصود استمر حتى اب ( اغسطس) 2003 حيث نُهبت كل مقرات واسلحة وتجهيزات ومعدات الجيش العراقي برعاية المحتل وباشرافه وتخطيطه.... وكان لمليشيا الحزبين الكرديين حصة الاسد بعد ان استولت على اسلحة الفيلقين الاول والخامس وجزء من اسلحة الفيلق الثاني كاملة غير منقوصة بحجة غنائم حرب حصلوا عليها بعد قتال مع هذه الفيالق ، ما تبقى من اسلحة ومعدات الجيش ومنها القوة الجوية والدفاع الجوي وطيران الجيش نهبت وبيعت كحديد خردة الى إيران ودول الجوارمن قبل اعوان المحتل ، اما مقرات الجيش والقوة الجوية والدفاع الجوي والقوة البحرية بعد نهبها أصبحت عباره عن سكن لمقرات الاحزاب القادمة مع المحتل والغوغاء والعوائل الفقيرة التي كانت تامل تملكها لاحقاً .
يذكر بول بريمر أيضاً بمذكراته في الصفحه 23 مايلي( وبينما كنت أناقش المستشار- سلوكومب- حول موضوع الجيش، اتفقنا على عدم استدعاء الجيش القديم الذي كان يخضع لهيمنة السُنة لان ذلك سيثير حفيظة الغالبية الشيعية وسوف يعتبرونه عودة للصدامية دون صدام ، وكذلك عَبَر الاكراد الذين يتمتعون بقدر من الحكم الذاتي والحماية الاميركية من قوات صدام ، عن رفضهم القاطع لاعادة الجيش السابق، وهكذا كان الشعور بعدم الثقة في الجيش السابق ، في أعمق ما يكون، سواء الشيعة او الاكراد، ولا يَسع الولايات المتحدة المجازفة بفقدان تعاون هاتين الفئتين من ابناء الشعب العراقي معها .
تشكيل الجيش العراقي الجديد
لم تنجح محاولات الغاء امر حل الجيش كما اشرت ومع ذلك حاول بعضاً من قادته المساهمه الفعلية في الجيش الجديد والسبب من أجل بناء جيش يرتكز على أسس ومبادىء وعقيدة سليمة ، احدى صيغ هذه المحاولات إجراء عدد من اللقاءات مع بعض السياسيين المعتدلين في مجلس الحكم وقائد القوات الامريكية في العراق الجنرال شانشيس وغيرهم طرحت عليهم العديد من وجهات النظر في هذا السبيل ولكنها ايضاً لم تفلح ، وقد اتضح اخيراً ان غاية الولايات المتحدة الامريكية بناء جيش يرتكز على مرتكزات امريكية وعليه كانت قد ارسلت بعد احتلال العراق مباشرة عدد من القادة العسكريين العراقيين المؤشرين لديها الى واشنطن في معهد الدفاع الوطني بغرض ارشادهم للاسس المطلوبة في بناء الجيش العراقي الجديد لكي يسهل التعامل معه طالما ان بقاء القوات الامريكية في العراق بات شبه دائمي وسيكون الجيش العراقي الجديد جزءاً من جيش الولايات المتحدة الامريكية .
توغل المليشيات داخل الاجهزة الامنية الوطنية . قبل أن يغادر الحاكم المدني (بول بريمر) العراق بانتهاء مهمته وكبادرة حسن نية كما يدعي وبغرض سد الفراغ الامني والحفاظ على الامن والاسراع بتشكيل الجيش الجديد أصدر أمره المشؤوم ذي الرقم 91 في الاول من حزيران (يونيو) 2004 سمح فيه لتسعة مليشيات كانت تعمل بصفة معارضه داخل و خارج العراق في الجيش الجديد بشرط عدم إشراك اي عنصر من الجيش السابق ولا اياً من حزب البعث العربي الاشتراكي وكافة الاجهزة الامنية الاخرى .
الامر 91
جاء في الامر91 مايلي (الامر 91 لسلطة الائتلاف المؤقتة حول إنشاء القوات المسلحة والمليشيات، التي يسعى قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية العمل بموجبها لخدمة اهداف جيدة ونبيلة لحماية الناس من إرهاب نظام صدام... توصل مسؤولو سلطة الائتلاف الموقتة الى إتفاقية مع مليشيات وقوات مسلحة مختلفة سيتم تفعيلها وإعادة اندماجها ضمن تشكيل الجيش الجديد . نحن نتعامل مبدئياً مع تسعة أحزاب لديها قوات مسلحة /أو مليشيات - وهم الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني ومنظمة بدر وحزب الدعوة وحزب الله العراقي والحزب الشيوعي العراقي والحزب الإسلامي العراقي وحركة الوفاق الوطني العراقي والمؤتمر الوطني العراقي عدد الافراد الذين نتعامل معهم هو حوالي( 100000 الف) مقاتل من المقاومة السابقة.من هؤلاء، حوالي(90%) سينضمون لعملية التحول وإعادة الاندماج ، منهم حوالي 60% الى أجهزة الأمن العراقية والبقية سيتم إعادة دمجهم في المجتمع المدني ، لم يعد لجيش صدام وجود، لكن التهديدات الخطيرة الأخرى لا تزال موجودة.... يمكن الاستفادة من خبرات ومهارات مقاتلي المقاومة التي اكتسبوها على مدى السنين !!! لجعل العراق أكثر أماناً وأزدهاراً. بينما نحن في حاجة الى تحويل وإعادة اندماج هذه المنظمات المسلحة، نحتاج أيضاً أن نعامل مقاتلي المقاومة السابقين بإحترام لتضحياتهم في الكفاح ضد طغيان صدام ، إن سياسة التحويل وإعادة الاندماج للقوات المسلحة والمليشيات هي سياسة عادلة وشريفة لأولئك المستعدين للعمل ضمن العملية السياسية ، يميز الذين قاتلوا ضد صدام ، بكونهم فعلاً، جنود العراق الموثوق بهم ، وستمد المساعدة لهم وللمحاربون القدامى الأخرون، من ماضي العراق الدامي، ويعاملون على حد سواء. للقيام بذلك، يعين رسمياً مقاتلي المقاومة السابقين كمحاربين قدامى ...) ،كما جاء في هذا الامر ( يوفر للذين مدة خدمتهم تلبي متطلبات التقاعد من الجيش نفس الراتب الذي كانوا يتقاضونة لو كانوا في الخدمة ، السماح لهم وإعطاؤهم الوقت الكافي للأختيار بين الألتحاق بالدوائر الحكومية أو أحدى دوائر الأمن العراقية وعلى سبيل المثال الجيش والشرطة ، و يجعلهم مؤهلين لجميع مميزات المحاربين القدامى، كاختيارهم في برامج التدريب الوظيفي والتوظيف التابعة لوزارة العمل والشؤون الأجتماعية... انتهى الامر 91 ).
من هنا لااريد التعليق على هذا الامر وعلى القارئ الكريم استنتاج ما حصل من بعده من انتهاكات للمؤسسة العسكرية وصرف الاموال الطائلة دون استحقاق لمن اسماهم الامر بالمقاومين للنظام السابق ممن لم نلمس مقاومتهم كيف كانت ومتى كانت واصبحوا محاربين قدماء يتمتعون برواتب تقاعدية مرموقه بالاضافة الى انتهاجهم نهجاً طائفياً وفق متطلبات النهج السياسي المشرعن بدعم الولايات المتحدة الامريكية ، ان هذا الامر لازال ساري المفعول ولم يتم الغاءه وعلى من يرغب الالتحاق بصنوف القوات المسلحة الانضمام الى احد الاحزاب التي جاءت فيه .
لقد تحول الجيش العراقي العظيم ذو التاريخ العريق والسفر الخالد المليىء بالانتصارات الى مطية لهؤلاء الاعداد يركبوها كيفما يشاؤون موجهيها ضد ابناء العراق الغيارى تنتهك حقوقهم واعراضهم لغايات خبيثة تخدم المحتل واعوانه من اميركان وصهاينة وفرس صفويين واصبح الجيش يواجه ابناء العراق الشرفاء في الداخل بدل اعداءه كما اصبح لايران الدور الريادي في توجيه السياسة العراقية والجيش العراقي ومن هنا وفي هذه المناسبة اقول يالسخرية الاقدار اصبح المواطن العراقي غريب في بلده واصبح الغريب والاجنبي هو ابن البلد الشرعي في ظل الاحتلال الصفوي الرابع للعراق ، وان ما يجري اليوم في العراق من احتجاجات واعتصامات ورفض للسياسات الجائرة التي ترتكبها الحكومة الحالية وباقي سلطات الدولة هي رد فعل كافة ابناء العراق لنفاذ صبرهم من الوعود الكاذبة لتامين ابسط مستلزمات الحياة الكريمة رغم ما متوفر من اموال من خلال ميزانية قومية انفجارية تستهلك في الفساد المالي والاداري والشخصي وللاحزاب المعادية للعراق .
في الختام لابد الاشارة ان العراق شعباً وجيشاً مر بظروف صعبة طوال تاريخه الوطني ما لبث ان تجاوزها بصبره وايمانه بالمبادىء السامية التي سار عليها اجداده وما الذي يجري اليوم سوى كبوة سينهض بعدها متعافي يسترد حقوقه وحريته التي اغتصبها منه المحتل واعوانه بعون الله .
3009 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع