الدكتور/ أكرم المشهداني
جاء في خبر نشرته بعض الصحف مؤخراً، أن وزارة الداخلية العراقية غاضبة من منظمة الانتربول "منظمة الشرطة الجنائية الدولية" لعدم تعاونها مع السلطات العراقية في تسليم المطلوبين للقضاء العراقي. وقالت الداخلية على لسان مسؤول كبير فيها:
"إن الأجهزة الأمنية العراقية تحدد للأنتربول أماكن تواجد المطلوبين(...) ولكن رغم ذلك فلم يتم تسليمهم للآن".
وقال أيضاً: "إن الانتربول الدولي منذ العام 2005 لم يتعاون معنا في إرجاع أي مطلوب أو متهم أو محكوم من قبل القضاء العراقي", مستدركاً أن "الذين تم إرجاعهم مطلوبون بقضايا جنائية بسيطة كالقتل وسرقة آثار باعتبارها قضية دولية".
مما تقدم يبدو أن هناك نوعا من "الضبابية" في فهم معنى الانتربول، ودورها أو حدود مسؤولياتها في التعاون الدولي لمتابعة المطلوبين للعدالة.
الوظائف الرئيسة للانتربول:
"الانتربول" هو الاسم المختصر للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية, تأسست عام 1923 بهدف حشد الجهد الدولي في مكافحة الجريمة الدولية, وكان معظم أعضائها عند التأسيس من دول أوروبا, لكنها اليوم تضم 186 دولة من جميع قارات العالم.
إن للانتربول الدولي ثلاثة وظائف رئيسية وهي:
أولا:خدمات إتصال شرطي عالمي مأمون من خلال شبكة أمينة لتمكين الاتصال بين جميع الدول الأعضاء بالمنظمة.
ثانيا: خدمات بيانات وقواعد بيانات للشرطة, تفيدها في إجراء التحقيقات ومنع الإجرام. وقد قام الانتربول بتطوير وإدامة مجموعات من قواعد البيانات تشمل: أسماء, وبصمات, وصور, والبصمة الوراثية "دي أن أي" للأفراد ووثائق السفر والهويات وبيانات عن المطلوبين لأجهزة العدالة.
ثالثا: خدمات إسناد شرطي في مجالات "المخدرات, الجريمة المنظمة, الجرائم المالية, الهاربون من وجه العدالة, الارهاب, الاتجار بالبشر, الإجرام البيئي".
كما إن منظمة الأنتربول ليست سلطة تعلو على إرادة الدول الأعضاء بمعنى أنه لا يمكنها إلزام دولة ما على أداء إجراء شرطي معين أو الامتناع عنه, كما أن العاملين بالمنظمة ليست لهم أي سلطات تمكنهم من ممارسة أي أعمال داخل أقاليم الدول الأعضاء, كالحق في تتبع مجرم دولي هارب وضبطه أو اقتفاء أثر جريمة دولية في بلد ما وإنما هذا متروك لكل دولة وفق ما تقرره قوانينها الداخلية.
إن هذه الأهداف المشار اليها آنفاً واردة بنص الفقرة الأولى من دستور منظمة الإنتربول التي تعطيها الحق في مطالبة الدول الأعضاء بموافاتها بكل المعلومات والوثائق عن الأجانب الذين يضبطون في إقليمها أو عن الجرائم الدولية التي تقع داخل حدودها الإقليمية ويحتمل امتداد أثرها إلى دول أخرى, كما من حقها أيضا أن تطالب الدول الأعضاء بموافاتها بالإحصائيات السنوية عن جرائم معينة, على سبيل المثال جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المواد المؤثرة في الحالة النفسية "المهدئات" وجرائم تزييف وتزوير النقد ووثائق السفر وذلك لإعداد تصور شامل لتطور حركة هذه الجرائم الذي يتضمن تحديد الدول المصدرة لهذه الجرائم والدول التي تنتقل خلال أراضيها أو مياهها الإقليمية والدول التي يتم ترويجها بها مستهدفة من ذلك إعداد خطط شاملة للمكافحة بالاشتراك بين الدول المعنية.
ومن أجل كل ذلك فقد أنشأت منظمة "الإنتربول" شبكة لاسلكية ضخمة تربط بين الأعضاء بالإخطار السريع عن الجرائم الدولية والمعلومات المرتبطة بها عن تنقل المجرمين, كما وضعت نظاماً للنشرات الدولية يمكنها بمقتضاه التعميم عن أنشطة المجرمين الدوليين, وعن المسروقات المهمة والأثرية المهربة خارج الحدود الإقليمية للدول المسروقة منها, وعن الجثث المجهولة ويشتبه أنها لأجانب. ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن هذه النشرات تؤدي دوراً كبيراً في التحذير من الطرق المستخدمة لارتكاب الجرائم وخصوصا تهريب المخدرات وتزييف النقد وطوابع البريد الأثرية. فالنشرات الحمراء هي للمطلوبين للعدالة, والخضراء للمفقودين, والصفراء للجثث مجهولة الهوية التي يعثر عليها.
يوجد في كل بلد عضو بالانتربول من الأعضاء الـ( 186) بلداً "مكتب اتصال وطني" يتولى إجراءات المتابعة والمهمات التنفيذية المتعلقة بمسألة استرداد المطلوبين أمنياً. كما تعمل على تنظيم التعاون وتفعيل التواصل مع نظيراتها بالدول الأخرى في مجال العمل المشترك, والمتعلق بمسألة استرداد "تسلم وتسليم" المتهمين المطلوبين والفارين من دولة إلى أخرى.
ويعمل مكتب الانتربول أو "شعبة الاتصال" في البلد المعني باسترداد المتهم المطلوب على مخاطبة نظيره المقابل له في البلد الذي يتواجد فيه الشخص المطلوب بشأن القبض عليه, وفقاً لملف الاسترداد المعد بموجب أمر القاء قبض صادر عن السلطة القضائية في الدولة التي تطالب بالمتهم, ويكون ذلك في ظل وجود اتفاقية تعاون قضائي أو أمني مبرمة بين الطرفين تنظم مسألة تبادل تسليم وتسلم المتهمين بين هذه الدولة وتلك. وفي حالة عدم وجود اتفاق بهذا الشأن, يتم طلب استرداد المتهم عبر "الأنتربول".
أما بالنسبة الى الطلبات بين الدول العربية فيفترض أن تتم من خلال المكتب العربي للشرطة الجنائية ومقره في دمشق "ويسمى الانتربول العربي", بشأن استرداد المطلوبين للعدالة الفارين من دولة عربية والمتواجدين في دولة عربية أخرى. وإذا لم يتحقق للجهات المختصة المعنية بالموضوع معرفة مكان تواجد المتهم المطلوب أو البلد الذي فيه محل إقامته الحالية, يتم تعميم أمر القبض القضائي الصادر بحقه في جميع الدول حتى يقبض عليه في أي دولة.
وعند تفعيل أمر القاء القبض العربي أو الدولي, تحتجز الدولة التي يسكن أو يقيم أو يمر فيها "الشخص المطلوب", وعرض أمره على القضاء الوطني, ويستطيع جهازا الشرطة في الدولتين "إن كان مبرما بينهما اتفاقية لتسليم المجرمين", تسليم المطلوب بعد موافقة القضاء "غالبا الإدعاء العام أو النيابة العامة", إلى البلد الطالب لمحاكمته إن توافرت شروط التسليم. وتتجه دساتير أغلب الدول إلى عدم جواز تسليم المواطن, أي رعاياها, وعدم جواز تسليم اللاجئ السياسي, وعدم جواز التسليم في القضايا ذات الصبغة السياسية, ومبدأ عدم تسليم الدولة لمواطنيها يكاد يكون مبدأ مستقراً وعادة ما ينص عليه في اتفاقيات تسليم المجرمين وسواء كانت اتفاقيات ثنائية أو جماعية, بل ينص عليه في الدساتير.
إن منظمة "الانتربول" ليست جهة إصدار أوامر القاء قبض وإنما هي أوامر القبض التي تأتيها من الدول الأعضاء, وليس للانتربول أي مفارز شرطية ولا مجندين ولا قوات خاصة! وليس لها جنود , بل إنها مجرد جهة تنسيقية بين الدول الأعضاء تعمم أوامر القبض وتبقى مسؤولية القاء القبض والتسليم شأنا وطنيا بحتا يخص الدولة التي يقيم فيها المطلوب, كما أن الدول جميعا غير ملزمة بتسليم أي شخص أجنبي موجود على أراضيها, وإنما القرار يكون لقضائها الوطني بعد دراسة الملف الذي يجب ان يعده البلد الطالب ويتضمن التهم والأدلة ليقرر في ضوئها التسليم من عدمه ولا يمكن لأي بلد أن يسلم مطلوبا ما لم تكن هناك اتفاقية تسليم مجرمين نافذة ومعتبرة موقعة بين البلد الطالب والبلد المطلوب منه. وكما قلنا فإن الانتربول تختص بالقضايا الجنائية والمجرمين الجنائيين, ولا صلة له البتة بالمطلوبين السياسيين, خصوصا وأن دساتير معظم دول العالم تنص على عدم جواز تسليم اللاجئ السياسي إلى بلده مهما كانت التهم الموجهة اليه.
إن معظم دساتير العالم ومنها دستور العراق تنص على عدم جواز تسليم اللاجيء السياسي الى بلده مهما كانت التهم الموجهة اليه. فالدستور العراقي ينص على انه " لا يجوز تسليم اللاجئ السياسي إلى جهةٍ أجنبية, أو إعادته قسراً إلى البلد الذي فر منه" وثمة دول لا تجيز تسليم الشخص اذا كانت العقوبة المتوقعة عليه هي "الإعدام"..
المعلوم قانونا أن الدول غير مُلزمة بتسليم أي شخص أجنبي موجود على أراضيها, وإنما القرار يكون سيادياً, لقضائها الوطني بعد دراسة ملف الاسترداد الذي يجب أن يعده البلد الطالب ويتضمن التهم والأدلة ليقرر في ضوئها التسليم أو رفض التسليم, كما لا يمكن لأي بلد أن يُسلم مطلوباً ما لم تكن هناك "اتفاقية تسليم" نافذة ومعتبرة وموقعة بين البلد الطالب والبلد المطلوب منه التسليم
1193 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع