من حكايات جدتي .. الحكاية التاسعة (ابو نية وأبو نيتين)

                                      

                        بدري نوئيل يوسف

هذا النوع من الحكايات يعالج تحديات اجتماعية، ولكل مجتمع معاييره الاجتماعية والثقافية الخاصة، لا تخلو هذه الحكاية من معتقدات خرافية، لكن الحدث في أغلب الأحيان يكون حدثا واقعيا، و يسعى لتلقين الفرد المعايير والقيم الايجابية التي يسعى المجتمع إلى بثها في نفوس أطفاله، حتى يتكيفوا مع مجتمعهم، كما يحرم المجتمع ضروبًا أخرى من القيم السالبة التي ينبذها،

ويسعى إلى التنفير منها كالعدوان والإهمال والأنانية والطمع والاغتراب والتخريب، ويتحول الفرد من مجرد كائن عضوي إلى شخص اجتماعي، فتنشئة الطفل اجتماعيًا تعني إكسابه المفاهيم والعادات والاتجاهات والقيم السائدة في مجتمعه، بالإضافة إلى القيم التربوية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
تقول جدتي: كان ما كان في قديم الزمان رجل يسعى كل صباح باحثا عن عمل يعيش منه لكنه لا يجده، قرر ان يهجر مدينته ويذهب الى مدينه اخرى، كي يجرب حظه فيها عسى ان يحصل على عمل يعيش منه، اعد طعام المسير ووضع قربة الماء على كتفه وسار في طريقه صادفه رجل، سأله عن اسمه ووجهته أجابه: أن اسمه (ابو نية ) ووجهته البحث عن عمل يعيش منه في أي بلدة، قال الرجل له: أنا ايضا أبحث عن عمل، ثم طلب مرافقته قائلا له: ان كنت أنتَ (ابو نية) فأنا(ابو نيتين). في اثناء المسير قال (ابو نيتين) لِ (ابو نية ): لنتفق اذا جعنا نأكل من طعامك ونشرب من مائك، وعندما ننتهي نرجع الى طعامي ومائي، قال(ابو نية) اتفقنا نحن اخوان وطعامي طعامك، بعد يومين نفذ طعام (ابو نية) وهما يسيران في طريق البحث عن العمل، جاع (ابو نية) وحسب الاتفاق طلب من رفيقه طعاماً وماءً ولكن (ابو نيتين) رفض اعطاءه ما طلب إلا بشرط، هذا الشرط هو ان يفقأ إحدى عيني (ابو نية).
ظل (ابو نية) في حيرة من امر الرجل ومن الشرط العجيب الذي قدمه، لكن ازاء الجوع وافق على شرط (ابو نيتين)، ففقأ (ابو نيتين) احدى عيني (ابو نية) وأعطاه قليلا من الطعام اكل الطعام واحتاج الى الماء الذي طلبهُ من (ابو نيتين) لكنه رفض اعطاءه الماء إلا مقابل فقء عينه الاخرى، وإزاء عطشه وافق (أبو نية) على شرط (ابو نيتين)الثاني ففقأ (أبو نيتين) عين (ابو نية) الثانية وأعطاه قليلا من الماء وتركهُ وغادر المكان مواصلا رحلته وحده . بقى (ابو نية) يعاني من الالام المبرحة ولم يستطع مواصلة السير جلس تحت شجرة ليستريح، وفي هذه الاثناء سمع صوت سبع وذئب يتحدثان معا قال الذئب: الله ما اعظم هذه الشجرة. اجابه السبع: ما وجه العظمة فيها ؟ قال الذئب: كم اعمى فتحت عينه، وكم اخرس نطق وكم مريض شفيا، وكل ورقة من اوراقها تشفي مرضا. رد عليه السبع: اذا انت عرفت سر اوراق هذه الشجرة ، فانا اخبرك بسر لا يعرفهُ احد غيري هذه الشجرة مدفون تحتها كنز من الذهب لا يعرف احد عنهُ شيئاً،  سمع (ابو نية) كلامهما وما ان غادرا حتى قام الى الشجرة واخذ ورقة من اوراقها ووضعها على احدى عينيه فشفيت في الحال وفتحت ثم فعل بالعين الاخرى ما فعله بالأولى وشفيت هي الاخرى ، فرح فرحا عظيما واخذ مجموعة من أوراق هذه الشجرة، ووضعها في جيبه وواصل مسيرته الى ان وصل الى مدينة، دخلها فوجد الناس مجتمعين امام باب بيت الملك وهم في حالة هرج ومرج، سألهم عن سبب اجتماعهم ، فأجابوه: بان بنت السلطان اصيبت بالخرس وأي شخص يخلصها من هذه العلة تصبح زوجا له، وإذا لم يستطع شفاءها تضرب عنقه.
قال: انا استطيع ان أكلمها لكن الناس حذروه على إن لا يورط نفسه مع ابنة السلطان، لان الكثيرين قتلوا بسبب
عدم قدرتهم على شفائها .دخل (ابو نية) على بنت السلطان واخرج ورقة من اوراق الشجرة العظيمة العجيبة ووضعها على فمها فتكلمت في الحال، فرح الجميع وأمر السلطان بزواجها منه لكن (ابو نية ) طلب تأجيل الزواج لمدة من الزمن. اخذ ابو نية مجموعة من الرجال وذهب الى الشجرة حفر تحتها واخرج كنز الذهب ورجع الى مدينة السلطان وبنى قصرا فخما اجمل من قصر السلطان وتزوج ابنته، واخذ يساعد المحتاجين والفقراء وأحبه الناس جميعا، وعينه السلطان مسئولا عن بيت المال فوافق على ذلك .
مرت الايام توفى السلطان وقام (ابو نية) مقامه، في احد الايام جاء (ابو نيتين) الى المدينة، بعد ان سمع بكرم (ابو نية) ومساعدته للفقراء والمحتاجين، قرر زيارته وبعد لقائه سأله عن حاله فأجابه: بأنهُ لم يستفيد من رحلته ولم يحصل على عمل، غفر (ابو نية) للرجل على ما فعله به، وعينه في قصره بعد ان بين للناس بأنه اخوه.
لم يستفيد (ابو نيتين) من هذه الفرصة، وأكلت قلبه الغيرة والحسد، واخذ ينافق على (ابو نية)مدعيا انه سارق، ويسرق بيت المال وعمل قصرا له وصرف الباقي على الفقراء بحجة انه يصرف من ماله الخاص لكن الناس لم يصدقوه ، وهم يعرفون (ابو نية)قبل ان يصبح مسئولا عن بيت المال .
وفي يوم من الايام جمع (ابو نية) الناس في قصره بحضور (ابو نيتين) وسرد عليهم القصة من البداية وأفعال (ابو نيتين) ضده وعمله القبيح معه وحكى لهم قصة الشجرة والكنز، احتج اهل المدينة على (ابو نيتين) وطالبوا بإعدامه كي يتخلصوا من شره وحسده، لكن (ابو نية) لم يوافق على طلبهم قائلا: بأنه يعطيه فرصة اخرى اخيرة وطلب منه ان يذهب الى الشجرة العظيمة ويجرب حظه عندها، ذهب (ابو نيتين) الى الشجرة وجلس تحتها في هذه الاثناء جاء الذئب والسبع واخذ يتحدثان قال الذئب الى السبع: هذه الشجرة لها مميزات كثيرة ،قال السبع: انا اعرف عنها اشياء كثيرة مفيدة لكن لنفتش حول هذه الشجرة احتمال ان نجد تحتها احدا يسمع حديثنا ويكتشف السر، سارا معا حول الشجرة، فشاهدا (ابو نيتين) متخفيا تحتها، هجما عليه وأكلاه وبذلك تخلص(ابو نية) والناس من شره .
المصدر : التراث الشعبي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2942 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع