د.علوان العبوسي
السلام عليكم ....وكل عام وكل العراقيون بالف خير
مر العراق بعد الاحتلال بهجمة طائفية مقصودة كان وقعها شديد وغريب على الواقع العراقي المكون من الطوائف والاعراق المختلفة مسلمين سنة شيعة عرب ، شيعة من اصول إيرانية ، أكراد ، مسيحيين على أختلاف طوائفهم ، صابئة مندائيين ، تركمان ،شبك ، يزيديين ، الكاكائية ...الخ ، عاشت هذه الطوائف وتعايشت مع الواقع العراقي بايجابياته وسلبياته ولم يشعر العراقيين من اية مشاكل يمكنها ان تخل بامنه الوطني منذ الحكم العثماني ثم الملكي ومابعده الجمهوري وحتى الاحتلال الانكلوامريكي للعراق في 2003 .
حاول المحتل العزف على الوتر الطائفي من خلال ما صور له اعوانه ممن هادنوه وشجعوه على احتلال العراق واصبحوا راس جسر لقواته في المرحلة الاولى للاحتلال ثم لنهجه السياسي لاحقاً ، آخذاً بنظر الاعتبار دروس حرب الخليج الثانية عاصفة الصحراء 1991 وما جرى من احداث غوغاء قتلت واحرقت ودمرت العديد من مؤسسات ودوائر الدولة في عملية جبانه بتخطيط ايران مستغله انسحاب الجيش العراقي من الكويت ومطاردة قوات التحالف له حتى كادت هذه الاحداث ان تطيح بالنظام السياسي القائم آنذاك .
مقالتي هذه واقع حال مابين ألنظام السابق والحالي وبدون رتوش او مجاملة وانا ارى النفس الطائفي في العراق يتعاظم يوماً بعد الاخر ليفعل فعله الخطير في الفرقة بين ابناء الوطن الواحد وتحسبي من اجل العراق وهو ينحدر بخطورة نحو الهاوية سببه فشل قادته السياسيين وتعاونهم البناء مع اعداء العراق من اميركان وايران وحلفائهم آخذين من وتر الطائفية مسلكاً مفضلاً لهم لم نلمسه كشعب عاش وتربى على تربة هذا الوطن طيلة حياتنا الاسرية او المهنية سواء في السلك المدني او العسكري .ويعلم الجميع ان كافة العشائر والعوائل والاسر العراقية المسلمة هي خليط من السنة والشيعة ترتبط مع بعضها بروابط القرابة او المصاهرة ولم نعتد الخلاف او المفاضلة بين طائفة واخرى طيلة الحياة التي عشناها في هذا البلد الكريم .
كاتب المقال عاش في مجتمع بصري غالبيته من الشيعة العرب ، ولم نشعر يوماً بفوارق مابينهم وبين الطائفة السنية سوى امور بسيطة ليس لها تاثير سياسي على الواقع البصري البته كلا يحترم الاخر ويتعامل معه على اساس تبادل المصالح المجتمعية والانسانية وكنا نحضر ذكرى شهر محرم الحرام من ندوات علمية وشعبية في حب آل البيت دون تشوية صورة الخلفاء الراشدين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجل الدين يحترم الاخر ولا يحاول التنكيل به وخطابهم ديني بحث لايتعرض للاخرين لامن قريب ولا من بعيد ، غير ان الحكومة كانت تمنع ممارسات ايذاء النفس كالتطبير وازهاق الارواح معتبرتاً اياها نوع من الممارسات الوثنية لامجال لها في الدين الاسلامي اضافة الى ذلك كانت الاذاعة والتلفزيون تلغي كافة برامجها التقليدية حرمتاً لهذا الشهر الفضيل وتقتصر على الوعض وارشاد والتثقيف الديني الغير متطرف / اكرر الغير متطرف ، استمر الحال هكذا حتى الاحتلال الانكلو امريكي الغاشم للعراق وهو يرفع شعاراته الطائفية محرضاً ابناء الوطن الواحد على كره الاخر والتنديد به وما جرى في تفجير مرقدي الامامين العسكريين في سامراء كانت الشرارة الاولى في هذا المنحى الخطير ثارت على اثره بعض المجاميع الغاضبة و الجاهلة قتلت الكثير من ابناء السنة محمليهم وزر ما حصل دون ادراك لافعالهم هذه لحقها التعرض الى المساجد السنية وتفجير البعض منها وقتل العديد من علمائهم بدم بارد والامّر من ذلك ندد بعض علماء الشيعة من على منابرهم بالسنه ونعتوهم بابشع الالفاض بل اصدر البعض منهم فتوى بقتلهم ، يذكر العميل بريمر في كتابة عامي في العراق بعد قرار حل الجيش العراقي ماياتي(وبينما كنت اناقش المستشار سلوكومب حول موضوع الجيش، اتفقنا على عدم استدعاء الجيش القديم الذي كان يخضع لهيمنة السنة لان ذلك سيثير حفيظة الغالبية الشيعية وسوف يعتبرونه عودة للصدامية دون صدام ، وكذلك عبر الاكراد الذين يتمتعون بقدر من الحكم الذاتي والحماية الاميركية من قوات صدام عن رفضهم القاطع لاعادة الجيش السابق وهكذا كان الشعور بعدم الثقة في الجيش السابق في اعمق ما يكون سواء الشيعة او الاكراد ولا يسع الولايات المتحدة المجازفة بفقدان تعاون هاتين الفئتين من ابناء الشعب العراقي معها ) انتهى كلام المجرم بريمر.
من هنا بدأ موضوع الطائفية ياخد ماخذاً سياسياً بحتاً لاعلاقة له بالدين وانما من اجل مصالح أمريكية وحزبية وفئوية ضيقة دون ان تتحرك سلطات الدولة بشكل جاد حيال هذه الامور التي باتت واضحة للجميع نتج عنها هجرة جماعية للطائفتين على السواء تحسباً لما هو مجهول ومجلس النواب والحكومة لايحركان ساكناً وكانهم راضون بالمضي في تحقيق هذا الهدف الذي سعى له العدو الامريكي واتباعه .
بعد الانسحاب الامريكي في 2011 استغلت ايران فرصتها الذهبية لاكمال مشروعها الصفوي تحت غطاء انساني كاذب فنشرت قنصلياتها ومؤسساتها وشركاتها في معظم المحافظات التي تعتقد انها مناسبة لتحقيق اهدافها العدوانية في تصدير ثورتها الخائبة وزاد توغلها داخل الحكومة ومجلس النواب واصبح السفير الايراني بالعراق لسان حال حكومته بالتدخل في كل صغيرة وكبيرة بل اصبح المحور الذي تستشيره الحكومة العراقية في شتى المجالات تحسباً من عدم رضى اسيادها في ايران .
يفترض بعضاً من فصائل الشيعة القادمة مع المحتل ومن ايران تحديداً بان النظام السابق قد همشهم عن باقي المجتمع العراقي سواء في القوات المسلحة او في دوائر الدولة الاخرى ، ولكن الحقيقة غير ذلك فاللشيعة مكانه متوازية مع باقي طوائف المجتمع وهذا ما لمسناه من خلال عملنا معهم وكانت نسبهم المئوية اعلى من السنة او باقي الطوائف المجتمعية ولكن هناك ملاحظة يجب ان يفهمها العامة ان الطائفة الشيعية عموماً لاترغب العمل في القوات المسلحة كضباط وعليه نسب تواجدهم كقادة او آمرين اقل نسبياُ من السنة وهذا واقع لمسناه دون تقييد من القيادة السياسية السابقة وهم يرغبون العمل في الاعمال الحرة وبعض الوظائف الانسانية ، لذلك تزيد نسبتهم في الخدمة الالزامية والخدمة التطوعية للمرتبات الاخرى في القوات المسلحة .
المتفحص للواقع العراقي الحالي يلمس بكل وضوح اضطهاد الطائفة السنية في كل شيىء سواء بالوظائف الحكومية العامة او في القوات المسلحة او في المصالح العامة وبات السني عنصر غير مرغوب به في هذه الاوساط ،يبحث عن مجال عمل ولا يجده مما اضطرهم الى الهجرة داخل وخارج العراق والعكس صحيح بالنسبة للطائفة الشيعية ، فمن كان مهاجراً خارج العراق عاد واستلم وظيفته على مرآى من اخوانه من الطائفة السنية .
يتمتع السنة بطبيعة معروفة في عدم انتقادها الشيعة في سلوكهم العام والخاص بل ولا يرغبون التحدث بهذه المواضيع رغم قناعتهم ان ما تقوم به فرقهم من مراسيم واحتفالات مبالغ بها وبعيدة عن النهج الاسلامي الحقيقي ولا تضيف للامن الوطني العراقي سوى بث الفرقة واشغال الحكومة والدولة التي اتخذت منها سوقاً رائجاً لتجارتها ضناً منها بانها تسعى لبناء دولة شيعية في مجتمع خليط بالطوائف والقوميات الاخرى ترتكز عليه الدولة التي هي بحاجة ماسة الان لاي جهد وطني ينصب في هذا الاتجاه ، بل خرجت هذه الشعائر عن عقالها واصبح الهدف منها مناسبة لاظهار التجمع الشيعي والتنديد بالطائفة الاخرى من خلال الخطب التي تلقى دون رقيب عليها وقد تكون مقصودة لزيادة الكره بين افراد المجتمع العراقي .
مما تقدم غيض من فيض اقول بكل اعتدال ان مشروع الطائفية الذي تهدف له السلطات الحكومية مشروع فاشل لايسعى سوى الى خراب البلد وتفريق ابناءه وعلى هذه السلطات ان تفهم ان شعبنا صبر طوال الفترة مابعد الاحتلال وحتى الان آملا ان يتغير هذا النهج دون جدوى وان ما يحدث الان في بعض المحافظات من تظاهرات واعتصامات تطالب بابسط المطالب المجتمعية ومنها الحفاظ على النسيج الوطني تجاه ما تقوم به الحكومة من عدم مبالات لمصالح شعبها وهو رد فعل طبيعي سببه الرئيسي ألتهميش مابين الطوائف التي تعايشت طوال تاريخ العراق مع بعضها البعض في وآم وسلام وامان وماهو الا اسفين يقضي على ماتبقى من قوة العراق الداخلية والخارجية واسس بناء الدولة والشاهد على ذلك مستوى ميزانية العراق الانفجارية المتبدده في الفساد المالي والاداري وما يقابلها من تهديد لدفاعه الوطني سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وامنياً ومعنوياً بحيث اصبح العراق النقطة الرخوة في المفهوم الجيوسياسي بين الاقطار العربية الاخرى المحيطة به رغم هذه الميزانية بالاضافة الى الفشل السياسي الخطير في ادارة الدولة ، ولو اجرينا تقدير موقف سياسي عسكري بسيط لتبين لنا مدى ما وصل اليه العراق من تدهور في امنه الوطني بحيث أصبح باستطاعة اية دولة حدودية حتى بمستوى الكويت ان تتدخل بشكل سافر تهدد به العراق دون رد فعل مؤثر من قبلنا وعلية كان لايران الدور الريادي في هذه الظروف مستغلة الفوضى وعدم الاكتراث الحكومي والسياسي لما يجري مكنتها من فرض هيمنتها بشكل تام على كل مقدرات البلد مدعية ان ما يجري في العراق يهدد امنها القومي والاقليمي .
تحياتي مع التقدير
2109 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع