د. صبحي ناظم توفيق
عميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ
4/4/2016
قد يستغرب المتابعون لأحداث "سورية" الميدانية التعرض المفاجئ للقوات النظامية السورية نحو بلدتي "تدمر والقريتين" وإعادتهما لسيطرتها من بين يدي "تنظيم الدولة/داعش" بسرعة ملحوظة...
ولكني طالما فرشتُ خريطة "سورية" الحبيبة أمام ناظري مستذكراً زياراتي المتكررة لـ"تدمر" بالذات فضلاً عن العديد من قرى وبلدات شرقي "سورية" فقد إستشفيتُ ما يأتي:-
أهمية "تدمر"
1.ليس من قبيل الإستخفاف من "تدمر"، ولكنها لا تعدو سوى بلدة وسط "محافظة حمص" على شكل (واحة) وسط صحراء تقع بين البقاع الغربية من الوطن السوري ذات الكثافة السكانية والعمرانية وبين المناطق الشرقية ذات البراري القاحلة التي لا تتخللها سوى طرق تربط البلدات والقرى المتناثرة بعضها ببعض وتفصل بين الواحدة والأخرى عشرات الكيلومترات الخالية من كل معلم.
2.تكمن أهميتها الإستراتيجية في كونها (عقدة مواصلات برية) تلتقي فيها أو تتفرع منها طريق رئيس دولي وطرق أخرى مبلـّطة ذات أهمية قصوى لأغراض تنقل القوات العسكرية وإدامتها من النواحي الإدارية (اللوجستية)، سواء نحو مدينة "دير الزور" -التي تشكل عقدة المواصلات الأهم- ومنها بإتجاه كل من مدينة "الرقة" -عقدة المواصلات الأعظم- وموطن قيادات (داعش)، ومدينة "الحسكة" وبلدة "قامشلي" ذوات الأغلبية الكردية المتخمة بالمعاضل والمتاخمة للحدود التركية، وبلدة "ألبو كمال" المتحادّة مع "العراق"... ويُضاف إليها الطريق الدولي نحو الغرب الذي يوصل "تدمر" بمدينة "حمص" الإستراتيجية.
3.ولذلك يبدو أن المخطط السوري قد وضع أمام ناظريه إسترجاع "تدمر" قبل باقي الأهداف وسط هذه الصحراء لأسباب عديدة، قد يكون أهمها:-
آ. صعوبة دفاع (داعش) وصمود مسلحيه فيها وإستحالة إدامتهم ما دام الطيرانان السوري والروسي يحققان مراقبتهما للطريق اليتيم بين "تدمر ودير الزور".
ب. الأذى المفترض الذي حققته العشرات من الضربات الجوية الروسية الثقيلة التي إنهالت على رؤوس (داعش) فيها، والتي ضاءل من أعداد مسلـّحيه ودفاعاتهم وإمكاناتهم.
ت. هول الإهتمام الإعلامي الدولي الذي سيكون لصالح "سورية" لما تتمتع به "تدمر" من صيت تأريخي ورمز آثاري معروف يجعلان من النصر السوري شيئاً مهولاً.
ث. ستغدو "تدمر" منطقة تحشد أمامية للقوات السورية التي ستنطلق عملياتياً نحو المدن المهمة التي آنفنا ذكرها، وبالأخص تلك الواقعة على "نهر الفرات، ناهيك عن إحتواء المنطقة على حقول النفط التي تحتضنها محافظتا "دير الزور والرقة" والتي يفيد منها (داعش) لتمويل متطلباته.
4. أما من ناحية (داعش) فنعتقد أنهم ما داموا يتبعون أساليب "حرب العصابات" التي تمتاز بخفة الحركة والمناورة العالية في إنتقال مسلحيها من موقع إلى آخر ليفتحوا جبهة هنا وأخرى هناك، فلا ضَير من ترك "تدمر" وقتما يستشعرون أن القطعات المتعرضة/المهاجمة والـمُسنَدة بعشرات الطائرات، فهي من القوة بمكان يصعب مجابهتها... وهذا أسلوب سوي في هذا الطراز من الحروب للحفاظ القدرات القتالية لقادم الأيام.
أهمية "القريتين"
لا يوجد وجه مقارنة بين "تدمر" -التي أسهبنا في إبراز أهميتها- وبين بلدة "القريتين" من الناحيتين الإستراتيجية والعملياتية... وأكبر الظن أن (داعش) قد سارع في الإنسحاب المنظم منها بعد خسارته "تدمر" لإحساسه بخطر إنقطاع جميع السبل المؤدية من "القريتين" نحو البقاع الشرقية من "سورية".
883 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع