علي الكاش
مفكر وكاتب عراقي
قال ديوجانس: ينبغي للإنسان أن ينظر في المرآة، فإن كان وجهه حسنا، استقبح أن يضيف إليه فعلا قبيحا، وإن كان وجهه قبيحا، امتعض أن يضيف قبيحا إلى قبيح، حتّى يتضاعف القبح".
غالبا ما يستخدم البعض من العراقيين العبارة (بايع ومخلص) للتعبير عن إنفلاتهم من الضوابط الأخلاقية والتقاليد والأعراف الإجتماعية علاوة عن التعاليم السماوية. كانت هذه العبارة تستخدم أيام زمان من قبل شقاوات المحلات الذين كانوا يتصدرون سيادة الحارات والأزقة البغداداية، وإستمر إستخدام هذه العبارة لكن بمعنى أشد إبتذالا ورخصا، لأن الشقاوات رغم سلبياتهم الكثيرة، كانوا يحمون حاراتهم ولا يسمحون للغرباء من الإعتداء على أحد من ابنائها، ويساعدون الفقراء والمحتاجين ويلبون حاجة المستغيث، بمعنى خيرهم على حاراتهم وشرٌهم على غير حاراتهم.
لكن في الوقت الحاضر عندما يقول الشخص عن نفسه بأنه (بايع ومخلص) فإنه يعني بأنه ساقط خلقيا ولا يتورع عن القيام بكل المحرمات والأفعال الشائنة، لا يردعه دين وقيم وسلطة عن فعله الآثم، بمعنى إن سمسار النساء والبغي على سبيل المثال لا يهمهم أن وجد هناك من يطعن بشرفهم، ولا يرون في ذلك ضرارا لأنهم يمارسون القوادة والبغاء. وكذلك الحال مع اللصوص والمأبونين وبقية أسافل المجتمع فهم من صنف ( بايع ومخلص). لكن كما ان للخير درجات فأن للشر درجات، ربما يعتبر السارق نفسه أفضل من القواد، والأخير يرى نفسه أفضل من المأبون، والأخير يرى نفسه أفضل من العميل والجاسوس.
ذكروا قديما عن لص كان مشهورا بالسرقة وقد برع فيها، بحيث أن الناس عجزوا عنه وأعياهم أمره، كان في بعض الأيام مختفياً يترقب الفرصة ليسرق بعض المتاجر، وإذا بالوالي مارا ومعه امرأة زانية مسلسلة بالقيود، وهي تنادي وتستغيث وتقول: يا أمة محمد أغيثوني! أدركوني لا ذنب لي وأي شيء هو؟ فوالله ما سرقت! ولا نقبت! ولا أخذت مالاً من أحد، ولا قطعت الطريق! ولا أنا بلصة! فلما سمع الحرامي هذه المقالة من المرأة تنبه وقال: أفِ على صنعة تستنكف من فعلها الزواني وتتبرأ من الإنتساب إليها القحاب!
عندما يدعي الإنسان بأنه (بايع ومخلص) فهذا يعني تجرده من الإلتزمات الأسرية والإجتماعية فهو يعلم بأنه هو وحده يدفع ثمن أخطائه، وغالبا ما يكون هذا الصنف من الناس هم من أولاد الزنا واللقطاء ممن لا أسرة لهم ليفكروا بخشية إلحاق العار بهم، فهم متحررون من هذه الضوابط الأسرية مما يكفل لهم الإعتداء على الآخرين وإرتكاب الموبقات بلا حياء أو خوف من أحد، او ردة فعل على أقرب الناس إليهم. وهذه العبارة تمثل إنذار للمقابل لأنه سيكون على يقين بأن من يقولها لا يتوانى عن ارتكاب أي حماقة أو شر معه، لذا غالبا ما يتقِ الناس هذا الصنف المنحرف (بايع ومخلص). وعندما يحذر فرد عراقي فردا ما عن (بايع ومخلص) فهو يعني الحذار من التقرب منه او حتى الحديث معه، لأن الكلام معه وحده يعتبر مذمة.
عندما وصف عراب الدبلوماسية العراقية إبراهيم الجعفري نفسه بأنه (بايع ومخلص) فهو في الحقيقة لم يجانب الحقيقة أبدا، لأنه فعلا بايع ومخلص! ليس الجعفري فحسب وإنما كافة العملاء والجواسيس الذين قدموا مع قوات الغزو الإمريكي الصهيوني الإيراني، إنهم من هذا الصنف بدون أدنى شك. من يبيع نفسه للغير عاهر لكنه يضرٌ نفسه فقط وربما أقرب الناس إليه، ولكن من يبيع وطنه للعدو هو أكثر عهرا وأشد ضررا من سابقه، لأن الوطن هو الخط الأحمر الذي يفصل بين الشرف والعار. يمكن للمجتمع ان يتسامح مع سمسار النساء والبغي والمأبون لسبب ما، لكن لا يمكن أن يتسامح مع العميل والجاسوس. وهذه حالة عامة لا تخص بلدا ما أو مجتمعا ما.
على سبيل المثال يعتبر العميل النرويجي (فيكون كويسلغ) الذي باع بلده النرويج للمستعمر الإلماني من إقذر المخلوقات في النرويج، وعندما تصف إنسان ما بأنه (كويسلغ) فهذه هي أقوى إهانة توجه للمقابل. لذلك لا يتسمى النرويجيون بهذا الإسم مطلقا لأنهم يعتبرونه رمزا للخزي والعار، ورغم مرور ما يزيد عن سبعة عقود على عمالة كويسلغ، لكن الشعب النرويجي يشمئز من هذا الإسم الذي يرمز للعمالة. ربما عندما يستفيق الشعب العراقي من أفيون المرجعية الدينية بعد عدة سنوات ضوئية سوف يتقيأ عند ذكر أسماء العملاء من رجال الدين والسياسة الذي إرتبطوا بقوات الغزو وتآمروا على الشعب الذي سمح لهم بسبب الجهل والتخلف والنزعة الطائفية أن يتمادوا بالتآمر عليه، وهو يتفرج على ضياع بلده وتشرذمه وسلب ثرواته، دون أن يحرك ساكنا.
لذا عندما قيمٌ عراب الدبلوماسية العراقية إبراهيم الجعفري نفسه، بأنه بايع ومخلص، فإنه قيم نفسه تقييما دقيقا ومنصفا وواقعيا بعيدا عن الزهايمر الذي عرف به، والقماقم والعفاريت المتعشعشة في رأسه المتصدع وشعره المتطاير كالفيلسوف شوبنهور. لقد قدم الجعفري صورته الحقيقية للحزب والكتلة التي يترأسها وكذلك لموظفي وزارة الخارجية من ثم الشعب العراقي، موضحا وضعه الأخلاقي والإجتماعي كبايع ومخلص! لذا نقول هنيئا لحزب الدعوة ومجلس الوزراء والبرلمان ووزارة الخارجية على إختيار هذا الـ (بايع ومخلص) ليمثل عراق الحضارة في المحافل الدولية.
إن هذه المفاتحة الجعفرية (بايع ومخلص) ليست لها سابقة في تأريخ الدبلوماسية العراقية، فهي المرة الأولى التي يستوزر الوزارة شخصا (بايع ومخلص). والحقيقة ان المسألة ليست على مستوى الوزير وإنما حتى العمال في الوزارة. من المعروف ان وزارة الخارجية قبل الغزو كانت وزارة النخبة الإجتماعية والثقافية بدءا من الوزير إلى أدنى موظف وعامل، وهناك مجموعة من الضوابط التي يتطلبها العمل في الوزارة، التي بدورها لا تتسامح مطلقا في حالة تجاوزها، كما أن عدم الإلتزام بالضوابط غالبا ما يترتب عليها عقوبة الموظف المتجاوز من خلال نقله الى وزارة أخرى، بمعنى أنه ليس هناك ضررا في إستمرار الموظف بوظيفته ودرجته الوظيفية في بقية الوزارات، لكن ليس في وزارة الخارجية بسبب وضعها الخاص.
عندما ترى الخط البياني لوزراء الخارجية منذ إستقلال العراق لما قبل الغزو، ستجد ان المنحنى كان تصاعديا او على الأقل متوازيا، وأن الوزراء كانوا نجوما متألقة في تأريخ العمل الدبلوماسي، ولم ينزل الخط البياني الى الحضيض إلا بعد الغزو، بعد أن تأبط هوشيار الزيباري الوزارة ليمسخ عروبتها ويحولها إلى وزارة كردية، حتى أن أحد السفراء الأكراد في دولة اسكندنافية رفع خارطة العراق ووضع بدلا عنها خارطة كردستان بكل وقاحة وإستهتار. وسفارة أخرى في أوربا يحتاج المواطن العراقي إلى مترجم ليتفاهم مع الكوادر لأن جميعهم من الأكراد ولا يتكلموا العربية. رحل الزيباري إلى غير رجعة، ومع هذا بقي الإحتلال الكردي للوزارة والسفارات العراقية سيما في أوربا، إنها المحاصصة السرطانية التي دمرت خلايا العراق وحولته إلى كانتونات هشة لا قيمة لها.
بدأت الصيحات تتعالى ولكن بعد سبع سنوات فقط من إستيزار الزيباري، فليس من المعقول ان يكون الرئيس العراقي ووزير الخارجية من الأكراد، سيما خلال إجتماعات المنظومة العربية، لا أحد يجهل أن مصالح الإكراد عمرها ما كانت في صف مصالح العرب، إنها تتعارض دائما وعلى طول الخط. من يقرأ تأريخ الأكراد يعرف بأن مواقفهم تتصادم مع مصالح العراق كوطن وشعب. كانوا دائما في خدمة أعداء العراق، وقدوا لهم خدمات كبيرة، وصورة الحرب العرافية الإيرانية ما تزال ماثلة أمامنا.
ثم كانت الطامة الكبرى بمجيء الوزير (بايع ومخلص) إبراهيم الجعفري. كانت كارثة أشد من الكوارث التي عصفت بدول العالم، فهذا المهووس ـ من خلال التقارير الطبية في لندن التي تعاملت معه كمريض تفسيا ـ أو من خلال شكله ومظهره وطلاسمه وعباراته الشاردة كخراف يطارها ذئب، لا يمكن أن يكون سويا، كان فاشلا حتى كحملدار في مواسم الحج بلسان من صحبه! وإن تسنمة وزارة الخارجية وهي الوزارة التي تمثل وجه العراقي أمام المجتمع الدولي هي أشبه ما تكون بعملية وأد الدبلوماسية العراقية بلا رحمة. والغريب ان يكون تسنمه الوزارة من خارج المحاصصة كما أشار بعض السياسيين، وإنما تكريما له! ربما تكريما للحرب الأهلية التي فجرها عام 2006 وراح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء.
في الإجتماع الأخير الذي حضره الجعفري لمنتدى التعاون العربي في المنامة، سرحت كالعادة عفاريته معه، فذكر بأن الحشد الشعبي قوة وطنية، دخلت البرلمان، وإنتخبها الشعب، ومن خلال البرلمان دخلت الحكومة.
أي خبل ودجل هذا؟
من المعروف أن الحشد الشعبي تشكل بفتوى المرجع الشيعي علي السيستاني، وهو ميليشيا شيعية مرتبطة بولاية الفقيه بإعتراف قادته، وهو حاليا يمثل (الحرس الثوري العراقي). وقد تشكل بعد الإنتخابات البرلمانية، فعن أي طريق دخل البرلمان ومتى دخل؟ كما إنه تشكل بمعزل عن الحكومة وإرادتها ولكن نظام الملالي في إيران فرضه على حيدر العبادي فرضخ لإرادة وليه.
لا عجب من كلامه! فقمقم الجعفري مليء بالأحاجي والألغاز والمفاجئات. لكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن: إذا كان الجعفري (بابع ومخلص) فبأي وصف يمكن أن نصف وزارته وموظفيه؟
علي الكاش
848 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع