عبدالله عباس
روى لي احد الشيوخ المعمرين عام 2004 هذه الحكاية :
(اشعال نار النزاع و الفتنة بين ابناء هذا البلد من قبل الطامعين به ليس بالشئ الغريب أو الجديد ‘ و كان في كل مرة يظهر عقلاء وراشدين يقفون بوجه مد الفتنة ‘ ولكن هذه المرة بعد 2003 ولجوء المحتل الى احياء احقاد دفينة ‘ حينما جاء بالحاقدين وذوي روح الانتقام ودور الصهاينة واضح في المخطط ‘ أ نا متشأم و ا رى صعوبة في ظهور الراشدين ‘ عندما كان العراق تحت حكم العثمانيين ‘ كان اشعال نار الفتنة الطائفية احد وسائل اضعاف ارادة العراقيين ‘ و يروى انه في وسط العراق حصل معركة دموية بين عشيره واحدة مقسمة بين اعتناق المذهبين السنة والشيعة ‘ وبعد ايام تدخل حكماء العشيرة و اقنعوا صقور الانتقام والدم بالجوء الى الحوار لحل المشكلة واتفقوا على اعتماد احد كبار السن منهم كان يعيش في بغداد وطلبوا منه الحضور للصلح بين المتنازعين ‘ حضروا خيمة كبيرة للاجتماع وحضر الوجوه المعروفة من الطرفين وكانوا بانتظار الشيخ ‘ ففأجهم وهو يدخل الخيمة ونزع حذائه ووضعه تحت ابطه واتجه لمكانه المخصص في مقدمة المجلس ووضع الحذاء بجانبه الايمن ‘ فتعجب الحضور من تصرف الشيخ فسأئل الشخص الجالس الى جنبه : لماذا فعلت هذا ياشيخ ؟ فاجابه بصوت مرتفع ليسمع الحضور حيث قال :
-يسألني الاخ لماذا نزعت الحذاء ودخلت الخيمة حافي ‘ يا اخوان فعلت هذا لأن الرسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى ال بيته كان يفعل ذلك عندما يحضر لحل المشاكل بين السنة والشيعة ...
فتعجب الحضور من الطرفين من كلامه قائلين له:
ياشيخنا ماكان في زمن النبي الكريم السنة والشيعة حتى يستوجب حل المشاكل بينهم
فأجابهم الشيخ :
- طيب اذا انتم تعرفون كان اسلام رسول الله اسلام واحد ‘ ولم يحصل ان يكون خلاف على الاجتهاد في الدين الواحد مدعاة لسفك الدماء بينهم ‘ اذا انتم باي توجه ديني تؤمنون والذي دفعكم سفك دماء بعضكم لبعض؟
فنظر الحضور من الطرفين بعضهم لبعض وشعروا بأحراج دفعهم ان يتصالحوا ويتعاهدوا عدم عودة العنف بينهم ......)
صفحات التأريخ في المنطقة يتحدث كثيرا عن استغلال تنوع العراقيين من قبل الطامعين في ارضه وثرواته على مستوى اصحاب النهج التوسعي من القوى الاقليمية و الاطماع الاستعمارية للقوى الكبرى‘ ولكن لم يخطط ولم يتوجه احدهم الى استغلال التنوع العرقي و المذهبي للعراقيين بدقة رهيبة كما فعل الادارة الامريكية الشرسة في عدوانيتها تجاه العالم الاسلامي مدعوماً و بـ( شكل دقيق و عميق كذلك ) من الحركة الصهونية العنصرية ودويلتها العبرية في فلسطين المحتلة بحيث تم التخطيط والعمل لتنفيذها بشكل فسح المجال وبشكل مؤكد ومتعمد كما يبدو للقوى الاقليمية التوسعية في المنطقة لكي تعمل باتجاه نبش الماضي بكل سلبياته الانتقاميه عبر التاريخ وان يستفاد ( بل يسهل الطريق للاطماع الامريكية والصهيونيه من يحث يعلم بعضهم ولايعلم بعضهم ) لتنفيذ مخطط الهيمنة طويل الامد في منطقة الشرق الاوسط وتمزيقها اكثر مماممزق ومتشتت !
ان كل عراقي واعي وغيور على هذا الارض و يشعر بالاهمية الوحده الوطنية لشعبه ‘ شعروا بخطورة مخطط الادارة الامريكية الذي بدأت ملامح اعداده بعد أحدث 11 ايلول ‘ حيث عرفوا ان مخطط الادارة الامريكية لاتقصد اسقاط النظام في العراق وتخليص شعبة من ديكتاتورية تلك الحكومة ‘ بل كان واضحاً امام الواعيين انها تهدف اسقاط (الدولة العراقية ) بشكل اجرا مي متعمد بحيث تنفيذه يؤدي الى اسقاط كل مظاهر حتى صلة الرحم الانسانية للعراقيين وينسيهم بانهم هم اسسوا لدولة وكتبوا تاريخه وجعلوا من وحدتهم الانسانية والايمانية منطلقاً من الاسس الحضارية لبلدهم ‘ بل أن المحتلين فتحوا باب لنشر كذبتهم الكبيره بانه لم يكن في الماضى ارضا وشعبا باسم العراق ....! وكأن الدول الاخرى (عدى العراق ) كان لهم ارض وشعب موحد ومذهب واحد منذ الخليقة بما فيهم الامه الامريكيه ...! و ظهرت هذه الامة وهي قوى عظمى ولم تشكل هذه من المهاجرين القادمين من كل صوب الا العراق والعراقيين .....!
بدأت الادارة الامريكية وكمنهجها الخبيث والعدواني الثابت عن طريق الاستخبارات بتسريب المعلومات عن بدأ العمل من وراء الكواليس من اجل احتلال العراق و التنسيق مع ( المعارضة العراقية) تحت عنوان ( تحرير العراق ...!) كان واضحاً ان تسريب بعض من هذه المعلومات يقصد منه جس نبض العراقيين وبعض اهل المنطقة عموماً و القوى الاقليمية خصوصاً ورد فعلهم تجاه هذه المعلومات ‘ على سبيل المثال المصادر الاعلامية الامريكية بداءت تنشر : فتح دورات تدريب للعمل الاداري والاعلامي و.....ألخ للعراقيين من المعارضة ‘ وينشرون اخبار عن ان النظام في بغداد ( يضطهد الشيعة والكورد وهم يشكلون الاكثرية في العراق .....) وطرح هذا التوجه استعداداً لاسقاط (العراق الارض والحضارة والانسان ) بحد ذاته يعني انهم يريدون فتح ابواب لكل من ينطلق من روح الانتقام الطائفي و المناطقي والعرقي ايضا ان يكون لهم الدور في مستقبل العراق ‘ وهذا ما رأينا مباشرة بعد الاحتلال وباشراف مباشر من المحتل تحت عنوان ( فوضى الخلاقة ..)
الخيرين في وسط الشعب العراقي ‘ عرفوا ما وراء هذا الخبث من الإدارة الامريكية وشعروا بخطورتها منذ الوقت المبكر ‘ امام خطورة هذا التوجة الامريكى العدواني ‘ لم يكن عند هؤلاء الخيرين ‘ اسقاط النظام اوتبديله بنظام يرضى علية الشعب هاجسا رئيسيا في قراءتهم الواعية لما يخطط لها العدوان الامريكي تجاه بلدهم بل الخوف من هذه البذرة التي اتلفه العراقيين خلال سنوات طويلة لتأسيس بلدهم والذي تريد الادارة الامريكية بكل القوة والخبث والتدمير احياءها ‘ وفي بغداد ‘ وبحكم عملي الصحفي وقربي من الوسط الثقافي رغم انهم اكثر الاوساط قلقاً على ا لتركيز على مخططي العدوان على العراق ومن وقت مبكر لفتح هذا الباب الذي يعرفون انه يؤثر سلباً على الوضع الاجتماعي للعراقيين ‘ ولكن كنت اشعر بأنهم يأملون بوعي ودور المثقفين المعارض للنظام بأنهم عند حصول اي تغيير سيكون لهم دور مؤثر لافشال ما يتمناه العدوانين ...! ولكن مع الاسف لم يمر فترة طويلة على الاحتلال و بدأ المحتل بالعمل المنظم لاسقاط صروح الدولة العراقية التي تأسست في العصر الحديث بعد ثورة العشرين بجهد كل العراقيين وبمشاركة كل اطيافه ‘ ظهر تركيز المحتل على بث كل ما يؤدي الى انقطاع الانسان العراقي بجذوره التأريخية عموماً وتاسيس دولتهم في العصر الحديث ‘و رأ ينا ان اول ما خيب الظن القاعدة الشعبية للعراقيين بصورة عامة والوسط الثقافي بصورة خاصة هو ظهور بوادر استعداد بعضهم (ممن كان التفاهم من قبلهم مع الامبريالية الامريكية من المستحيلات .....!!) للاتفاق على طروحات المحتل ‘ وكم كان مؤلماً لحركة اليسار العراقي ذو التاريخ العريق في النضال من اجل استقلال العراق عندما رأى ان قائد اعرق حزب يساري وافق على الاشتراك في مجلس الحكم ( ذلك المجلس الذي شارك وبفعالية نادرة لوضع خارطة الطريق لحكم العراق بشكله الحالي المؤلم والذي فيه كل مظاهر –التحكم – ولا نرى فية أي مظهر من مظاهر الدولة بمعناها الدستوري والحضاري ..ليس لها نشيد وطني ولا رايه متفق عليه وهو من اوليات مظاهر وجود دوله لان صقور الحكم لم يتفقوا عليه لحد الان رغم مرور اكثر من عشرة سنوات) .... ولم يشترك في ذلك المجلس ممثلاً لليسار بل بصفة انتمائه المذهبي وبعد ذلك ظهر بعض المثقفين كانوا قبل الاحتلال ينشرون افكارهم باسمهم المدني ‘ وعندما ظهر ا ن الاحتلال يقوي توجهات العودة الى الانتماء المذهبي والعشائري والطائفي ‘ بدأ بطرح افكاره باسمه العشائري ...! كأنه تخلى عن كل مواقفه السابقه وهذا هو المطلوب من قبل المحتل وهي ( سلطة دكاكين العشائريه المذهبيه والمناطقيه ...) ان هاتين ا لمبادرتين كانتا مفتاح ا لطريق وهو هدف المحتل الذي اراد فتحه لاحباط التفاؤل الذي كان هو الضوء قبل الاحتلال في الوسط الثقافي الواعي لخطورة المرحلة والذي كان يأمل انه سيقف بوجة ا لمخطط الامريكي لتفتيت وحدة العراقيين بشكله العكسي حيث انه الان ونحن نقترب من ذكرى الاحتلال نرى ومع الاسف ان صوت المثقف العامل( بنشاط ) لتفكيك العراق ‘ متناغم مع نزعة سياسي المحاصصة وبشكل عملي جدي ومؤثر ‘ بحيث انه دعوة لاطالة المحاصصة او لتعميق التفرقة والصراع المذهبي والعرقي يعلن على روؤس الاشهاد ‘ حيث رأيت احد ( دهاقنتهم ) في لقاء مع احد الفضائيات العراقية ( تحديداً مساء 24 / 2 / 2016 يعلن دعمه وبشكل غريب لمنع المنتمين لمذهب اخر من العراقيين من المشاركة في عملية تحرير الموصل) واكيد لم يكن من المعارضين للاحتلال الامريكي لبلده واسقاط دولته وإ لا ماكن له جرئه لاعلانه الطائفي الكريه بهذه الصراحة ‘ وعلى جانب أخر رأيت (يوم 25 / 2 /2016 سياسي اخر في احدى فضائياتنا ) عندما سأله المذيع عن طريق خلاص البلد من ازماته الخانقة ‘ لم يخفي عمق توجهاتة الطائفية حيث ( طلب ان يترك المنتمين للمذهب الاخر المشاركه في الحكم وترك ذلك بكل امتيازا ته للاكثرية المذهبية ...!!)
أعتقد انه لاداعي لطرح نماذج اخرى تؤشر الى مستقبل ( اكثر من مظلم ينتظر العراق ) لان كما يقول المثل الكردى ( تقيم صلاحية حفنه من القمح يكفي للتاكد من سلامة او رداءة كيس مملوء بالقمح )
فهل نجحت الادارة الامريكية وبأشراف الصهونية العالمية تحقيق حلم ( تفكيك العراق ) ليخاف كل اهل المنطقة عموما والمنتمين للاسلام الحقيقي الصادق خصوصا من اي تفكير بالوحدة رغم الوانهم الزاهية ....؟! ويظهر ذلك كانه اختيار العراقيين و اهل المنطقة ؟ ‘ وليس على الامريكيين الا تاييد طموحاتهم ......؟!!!
و لكن ليس في سجل الخيرين المؤمنيين الصابرين تشاؤم ولابد ان يكون في نهاية النفق ضوء الخلاص ... والله اعلم .....
646 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع