أ.د. ضياء نافع
ولدت آنا أخماتوفا عام 1889,اما ماياكوفسكي فقد ولد عام 1893, وتوفيت اخماتوفا عام 1966 وكان عمرها 77 سنة, اما ماياكوفسكي فقد توفي منتحرا عام 1930 وكان عمره 37 سنة ليس الا.
كلاهما عاشا في روسيا الامبراطورية القيصرية وفي روسيا السوفيتية, وكلاهما نشرا نتاجاتهما قبل ثورة اكتوبر 1917 وبعدها, وكلاهما لم يتركا وطنهما بعد الثورة كما فعل الكثيرون من مثقفي روسيا وعاشا وماتا هناك, ولكنهما كانا يجسدان مدرستين فكريتين مختلفتين تماما. كانت اخماتوفا تمثٌل روح الشعر الروسي الذي ابتدأ به بوشكين , والتي كانت طوال حياتها مفتتنة بابداعه , اما ماياكوفسكي فكان على الضد تماما , اذ كان يمثٌل التمرد على تلك الروح الروسية البوشكينية السمات. أخماتوفا هي رمز روسيا المثقفة العتيقة, اما ماياكوفسكي فانه رمز روسيا السوفيتية الثورية المتفجرة. أخماتوفا – همس الشعر الروسي, اما ماياكوفسكي فهو ضجيج هذا الشعر وخطابه الطنان والرنان. وباختصار, فانهما شاعران كبيران يجسمان التضادات الحادة في مسيرة الشعر الروسي في القرن العشرين, وقد استطاع كل واحد منهما ان يؤسس ويبلور اسلوبه وطريقته الخاصة بكل ابعادها وبوضوح ساطع.
حاول النقد الادبي الروسي الحديث طرح موضوع المقارنة بين أخماتوفا وماياكوفسكي وايجاد وتحديد نقاط التشابه والاختلاف بين ابداعيهما, بل حاول بعض النقاد ان يجد سمات ماياكوفسكية في شعر أخماتوفا وسمات اخماتوفية في شعر ماياكوفسكي, ولم يؤيد الكثيرون هذه المحاولات, والتي بقيت في اطار اجتهادات خاصة لا تكاد ان تكون مقنعة للقراء, الا ان هذا النقد قد استخدم بعض الوقائع في علاقات أخماتوفا وماياكوفسكي, مثل اشارة عشيقة ماياكوفسكي ليلي بريك في مذكراتها, الى ان الشاعر استقبلها مرة – بعد انقطاع – وقرأ لها رأسا مقطعا من شعر أخماتوفا, ويستنتج النقاد – وهم على حق – ان ماياكوفسكي كان يعرف ويحفظ عن ظهر قلب شعر أخماتوفا لدرجة انه استخدمه في تلك اللحظة الخصوصية جدا, ويشير النقاد ايضا الى ان اخماتوفا كتبت عام 1940 قصيدة بعنوان ( ماياكوفسكي 1913) , اي بعد عشر سنوات من انتحاره, وهذه القصيدة تتناول ماياكوفسكي, ويتحدث النقاد ايضا حول رفض اخماتوفا الكتابة لدار نشر ( الارث الادبي) عن ذكرياتها حول ماياكوفسكي وذلك عام 1956,وكيف ان أخماتوفا قالت – مبررة عدم الكتابة- انها تعرف ماياكوفسكي بشكل قليل جدا وعن بعد ليس الا,واشارت الى انها لا تريد ( الركض) وراء عجلة ماياكوفسكي , بينما ( توجد عندي عجلتي ). ويربط النقاد هذا الموقف بقصيدتها عنه عام 1940, التي أشرنا اليها آنفا, ويستشهدون بمقطع من تلك القصيدة وهو – ( لم أعرفك اثناء مجدي..), اي انها كانت شاعرة معروفة وشهيرة ومحاطة بالمجد آنذاك, اما ماياكوفسكي فلم يكن عندها معروفا ومشهورا, اذ انه اصدر ديوانه الاول الموسوم – ( أنا) عام 1913 ليس الا,ويستنتج النقاد من كل ذلك, ان رفض اخماتوفا الكتابة عنه جاء نتيجة التنافس بينهما, اذ ان ماياكوفسكي حاز على شهرة ساطعة وتكريما اسطوريا في الاتحاد السوفيتي اثناء حياته, بينما عانت أخماتوفا من جراء اضطهاد السلطة السوفيتية لها من اعدام زوجها الاول الشاعر غوميليوف واعتقال ابنها الوحيد منه وزوجها الاخر( الذي توفي في معسكر الاعتقال ), وطردها من اتحاد الادباء السوفيت, ومنعها من النشر ..الخ. لقد حصلت اخماتوفا على التقدير والاعتراف بها بشكل متأخر جدا , وتوجد عندها قصيدة تتناول هذه الحالة وهي –
وجاء المجد للبجعة
سابحا,
عبر الدخان الذهبي,
أما انت
-ايها الحب-
فقد كنت
دائما
خيبة أملي.
والقصيدة في الاصل بلا عنوان.
واخيرا نقدم للقراء الاستبيان الذي قمنا به في اوساط روسية محيطة بنا حول هذا الموضوع, ونعتقد ان الاراء التي وردت فيه تعبر – بشكل طريف وعميق ايضا – عن الموقف تجاه هذين الاسمين الكبيرين في مسيرة الادب الروسي في القرن العشرين, وساهم في هذا الاستبيان متقاعدون وطلبة وموظفون روس.
ماياكوفسكي كان طوال الوقت ينفخ في بوق الثورة, ولا يمكن للانسان ان ينفخ دائما وابدا في البوق, ولهذا فانه انتحر, أما اخماتوفا فانها نشيج الشعب الخافت, ولا توجد علاقة بين النفخ في البوق والنشيج.
+++++++++
ماياكوفسكي شاعر عظيم ورنٌان,اما اخماتوفا فانها شاعرة عظيمة ايضا ولكنها خافتة الصوت, وهما على الضد من بعضهما البعض, ولا يمكن مقارنتهما معا.
+++++++++
ماياكوفسكي بالنسبة لي هو التمثال الفخم الذي يقف في شارع تفارسكايا بموسكو, وهو محطة المترو الجميلة المجاورة للتمثال, اما أخماتوفا فانني أقرأ اشعارها بعض الاحيان واتمتع بها, ولا يمكن مقارنة التمثال بمتعة القراءة.
++++++++++
كلاهما رائع, ولكن طعم الروعة مختلف جدا.
++++++++++
ماياكوفسكي شاعر يصرخ بشعارات الثورة والحزب, ولا اتقبل انا هذا النموذج من الشعر, اما أخماتوفا فانها شاعرة رقيقة ظلمتها السلطة السوفيتية.
+++++++++
ماياكوفسكي نشيد الثورة ولسان حالها, وربما جاء انتحاره بعد ان فهم خطأ اعماله ومسيرته. شعره معقد ولا توجد فيه جمالية الفن الشعري الرقيق والسلس. أخماتوفا شاعرة سلسة ورقيقة جدا.
+++++++++
ماياكوفسكي شاعر عملاق لعصر عاصف, واصبح الآن جزءا من تاريخ مضى وانتهى. اخماتوفا يحبها هؤلاء الذين يحبون الشعر, وهم اقلية.
+++++++++
يهزني ماياكوفسكي بشعره الفخم الرنان, وأخماتوفا شاعرة رقيقة وشعرها جميل جدا.
+++++++++
أخماتوفا – ماضي الشعر الروسي وحاضره ومستقبله, أما ماياكوفسكي فانه يجسد الماضي فقط, رغم انه يقف الان شامخا في شارع موسكو الرئيسي, بينما لا توجد تماثيل كبيرة وبارزة لاخماتوفا.
585 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع