اعداد : بدري نوئيل يوسف
في الوقت الذي دعا احد رجال الدين ابناء العراق التوقف عن اكل النستله لمواجهة الازمة الاقتصادية التي يمر فيها البلد فلا بد ان نتعرف ماذا قدم نستله للعالم والذي يعرفه الرضيع والطفل والشاب والعجوز.
ولد هنري نستله في 10 اب 1814 في فرانكفورت ، في ألمانيا كان الحادي عشر من أربعة عشر طفلا أنجبهم يوهان اولريش ماتياس نستله وآنا ماريا كاتارينا والد نستله ، اتباعا للتقاليد ورث مهنة الجد وأصبح عامل زجاج
تعود أصول عائلة نستله إلى مدينة شوابيا (أي نستله لقب العائلة ).
وقف الرجل هنري نستله حائر وهو يرى أحد أطفال جيرانه الرضع يموت بسبب رفضه حليب أمه ، والكل هلع على حالته ، وظل أياما مهموما بقصته ، وتغيرت حياته منذ تلك اللحظة ، وأسهم في ما بعد في تغيير أساليب التغذية في العالم ومساعدة ملايين الأطفال في كل مكان ، ولم تكن مراحل حياته تتنبأ بأنه سيكون مختلفًا أو متميزا عن غيره ، وفي التاسعة والعشرين من عمره بعد تخرجه من الجامعة حيث درس الكيمياء ثم تمرس في علم الصيدلة وتعلمها بالممارسة والخبرة ، ولم يكن هناك تطور عظيم في هذا المجال آنذاك ، وكان محباً للتجارة ودائم البحث عن فرص من خلال مساعدته للآخرين ، أسس مصنعا صغيرا ينتج من خلال زيت الجوز والبندق ولم تفارقه فكرة الأطفال الذين كانوا يموتون لحرمانهم لأي سبب من حليب أمهاتهم وكان ذلك في عام 1843 .
فكان هذا المصنع النواة الأولى لتجارته الكبيرة ، على الرغم من معارضة من حوله لهذه الفكرة ، وبعد أربعة وعشرين عاما ، نجحت إحدى محاولاته بتجفيف حليب البقر وخلطه مع دقيق القمح ، وأنقذ طفلاً ولد قبل أوانه ، وكانت حالته ميئوسا منها ، حسب رأي الأطباء ، وحقق له هذا النجاح اسما طيبا وبدأ المصنع يعمل بجنون لتلبية الطلبات على هذا المسحوق ، وتوسع في إنشاء المصنع الذي صمم شعاره على شكل مأوى للطيور ، نسبة إلى اسمه ، وكان يعني بالشعار ، الأمومة ، الطبيعة ، الغذاء ،العائلة ، وكل المعاني الأسرية الجميلة ، حسب ما يقول .
توفى هنري نستله بسبب توقف عضله القلب في غليون في 7 تموز1890، وعلى مدى أكثر من 140 عاماً وظفت شركة نستله خبراتها بمجال التّغذية في تطوير منتجات تسهم في تعزيز نمط حياة المستهلكين ، لتصبح اليوم الشركة الأولى عالمياً في مجال التغذية والصحة والعافية ، حيث تمتلك 481 مصنعاً ومركزا إدارياً تنتشر في معظم دول العالم ، وتوظف أكثر من 275.000 شخصاً ، ويقع المقر الرئيسي لشركة نستله في مدينة ڤيڤيه بسويسرا.
وكان لشركة (هنري نستله) في ما بعد الريادة في كثير من المجالات ، فقد كانت أول شركة تبيع الحليب المجفف ، وقهوة النسكافيه التي نعرفها ، وأول شركة تبيع القهوة المثلجة ، وتعد شركة نستله الشركة الأولى في العالم في مجال إنتاج المواد الغذائية والمشروبات فلديها أكثر من 8500 منتج غذائي تبيعه في أكثر من 100 دولة في العالم .
تعتمد نستله مبدأ Good Food, Good Life أي «غذاء سليم لحياة سليمة»، كقاعدة تبني عليها مجموعتها المتنامية من العلامات التجارية ذات الجودة العالية ، والتي تمنح المستهلكين القيمة الغذائية العالية إضافة إلى المذاق المتميز ولتحقيق ذلك ، تستثمر نستله قرابة 1.5 مليارات دولار سنوياً في مجال الأبحاث والتطوير ، توّجت نستله قرابة سبعين عاماً من النجاح منذ إطلاق أولى عملياتها في المنطقة في لبنان مطلع الثلاثينيات بتأسيس شركة نستله الشرق الأوسط عام 1997 في منطقة جبل علي الحرة بدبي.
بعد مضي عام على إنشاء شركة نستله ، ظهر منافس قوي على الساحة وهي شركة يمتلكها القنصل الأمريكي في سويسرا ( تشارلز بيج ) الذي كان يستخدم نفس أسلوب نستله في صنع الحليب المركز ، وفي عام 1875 قرر هنري نستله بيع شركته لصالح ( جول مونيرا ) بمبلغ مليون فرنك سويسري ، وكان هذا المبلغ يعد ثروة ضخمة آنذاك ، وهكذا أعلن هنري نستله تقاعده عن عمر يناهز الواحد والستين .
دخل مالك شركة نستله الجديد ( جول مونيرا ) ، في معركة تنافسية حامية الوطيس مع شركة تشارلز بيج ، استمرت حتى العام 1905 ، أي امتدت حوالي 30 عاماً ، وقرر من بعدها المسئولون عن الشركتين دمجها تحت اسم ( نستله) . وفي العام 1906 بدأت شركة نستله ببيع الشوكولاته.
انتشرت المواد الغذائية والمشروبات المجففة بشكل كبير في العالم مع بداية القرن العشرين ، وفي العام 1907 بدأت شركة نستله بشكل كامل بتصنيع وبيع منتجاتها في استراليا ، وبنت المخازن في سنغافورة ، هونغ كونغ وبومباي لتغطية احتياجات السوق الآسيوية.
واجهت شركة نستله صعوبات جمة في الحرب العالمية الأولى عام 1914 لعدم توافر مصادر الحليب والمواد الأولية ، لذا قررت التوسع للوصول إلى أسواق لم تتأثر بالحرب كثيرا كالولايات المتحدة وبنت المصانع هناك وبلغت 40 مصنعا ، وتضاعف حجم إنتاجها ولكن مع نهاية الحرب العالمية الأولى وجدت شركة نستله نفسها في أزمة حقيقية ، لأن الذين كانوا يشترون الحليب المجفف أيام الحرب عادوا واعتمدوا على الحليب الطازج والحليب الذي كان له قيمة أكبر أيام الحرب والملاجئ ، والذي يحفظ لفترة طويلة ويحضر سريعاً فقد قيمته وسجلت شركة نستله أول خسارة لها عام 1921.
زاد الأمور سوءاً ارتفاع أسعار المواد الأولية ، والركود الاقتصادي بعد الحرب والتدهور في العملات ، ولإنقاذ الوضع كانت ردة فعل إدارة نستله سريعة جداً ، وجلبت الخبير المصرفي السويسري لويس دابلز لإعادة تنظيم الشركة ، وتحسنت الأمور بوجوده ، واستطاع أن يخفض ديون الشركة بشكل كبير.
وفي العام 1929 اشترت نستله شركة كيلر، التي كانت أول شركة طرحت ألواح الشوكولاته بكميات كبيرة ، وشركة سويس جنرال أول شركة تبتكر الشوكولاته بالحليب وصاحبها كان دانيال بيتر الذي كان صديقاُ وجارا لهنري نستله. وقد تم دمج هذه الشركة تحت راية نستله لاحقاً.
وسعت نستله دائرة خط منتجاتها وفي العام 1920 طرحت شراب ( ميلو ) الغذائي ، وفي العام 1938 طرحت أشهر قهوة في العالم ( نيسكافيه ) بعد مفاوضات بين لويس دابلز ومعهد القهوة البرازيلية ، والتي بدأت عام 1930 ، وكان الهدف منها ابتكار منتجات جديدة تساعد على التخلص من الأبحاث والتجارب ، تم طرح قهوة نيسكافيه التي أحدثت ثورة في شرب القهوة حول العالم.
وبنجاح فكرة الدمج مع شركات عدة ، ركزت نستله على هذا الأمر ، وكانت فلسفتها نابعة من أن في الاتحاد قوة ، وأن قوة شركتين ناجحتين تعتبر أفضل من التنافس والتحارب ، لذا اندمجت شركة نستله مع طحان سويسري اسمه جوليوس ماجي الذي اخترع الحساء المجفف سهل التحضير والهضم ، وضمته تحت لوائها.
كانت فترة ما بعد الحرب بداية مرحلة ديناميكية لشركة نستله ، لأنها أضافت منتجات جديدة ومختلفة ، وفتحت بذلك أسواقاً جديدة. وكانت قهوة نيسكافيه من أنجح منتجاتها وأكثرها استهلاكاً.
في الختام نقول لشيخنا الجليل كانت النستله بحق مربية أجيال المستقبل من الناحية الغذائية ، رحمة الله على هنري نستله الذي بكى على طفل لم يرضع حليب امه .
3357 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع