اعداد الدكتور مهند العزاوي*
علم الحوكمة من العلوم الحديثة الشحيحة التنظير اكاديميا على المستوى العالمي والعربي , ويقتصر وجودها تطبيقيا على حوكمة الشركات وبشكل مقتضب يتسق بفلسفة المال والأسهم والعلاقة بين الاطراف المختلفة المعنية بالجانب المالي
, ولم نجد قواعد مكتوبة معتمدة لإستراتيجية الحوكمة بـ أدارة مؤسسات الدولة وتنمية المجتمع , وتمكنت بفضل الله وضع المخرجات العلمية الاكاديمية المقرونة بالتطبيقات العملية والفكرية لأسس وقيم استراتيجية الحوكمة لمؤسسات الدولة , وبنطاق مفتوح يعتمد العناصر والركائز الاساسية للحوكمة , مع توسيع النطاق التكتيكي لمفردات استراتيجية للحوكمة الخاصة بإدارة مؤسسات الدولة وتنمية المجتمع , بما يؤمن مبادئ الحوكمة ويحقق عناصر الشفافية والعدل والمساواة والإفصاح المؤسسي من خلال تحديث وادامة نظم المعلومات ونظام المتابعة والرقابة الذي يؤمن الوصول الواقعي لحال المؤسسة كإدارة وأفراد ومنظومة قرارات ساندة لتحقيق الاهداف والمبادرات المتعلقة بها , وضمان علاقة تفاعلية منسجمة بين كافة الاطراف , ورغم ان هناك خلط كبير بين الحوكمة والحكومة وشياع ظاهرة السرقة العلمية لمادة الحوكمة التي نظرتها عام 2014 , الا ان تطبيقتها تبقى مقرونة بالتفكير الاستراتيجي الممزوج بالاستنتاج الاستراتيجي الذي لايمكن ايصاله الى العقول بسرقة الجهود العلمية .
استراتيجية الحوكمة
تشكل استراتيجية الحوكمة دليل عمل مؤسساتي متطور للادراة الرشيدة , ولا يقتصر على مفهومه الاقتصادي الشائع فحسب بل يشمل الزوايا الاستراتيجية في البنيان المؤسساتي للدولة , وترسي مبادئ الشفافية والمراقبة والمسؤولية والمساواة لإدارة الدولة ومؤسساتها , وكذلك تامين نظام متابعتها عبر رقابة محكمة تؤمن المسائلة المنهجية والعدالة وانسيابية العمل المؤسساتي وفق اليات متطورة تتسق بالفهم الحديث لمهام واهداف المؤسسة بغية تنمية راس المال الاجتماعي وهو الغاية اللاستراتيجية للدول الراشدة , وبذلك تضمن سياسة البقاء والديمومة وتحسن توظيف ثلاثية راس المال البشري والمادي والمالي , ولعل غاية الحوكمة هو تحقيق توافق وانسجام بين شرائح الجمهور الاربع خصوصا اذا علمنا ان الفرد يعد الوحدة الاساسية في منظومة التفاعل المتعدد والذي يعد فهم رغباته وتطلعاته يحقق جودة في الاداء ويضمن الحقوق لكافة اطراف الحوكمة ويدرء المخاطر بما يضمن سلامة راس المال الاجتماعي وهو الغاية الاستراتيجية في مذهب الدول الراشدة.
تضمن استراتيجية الحوكمة معرفة متقدمة بالهياكل المنتظمة والعمليات المبرمجة اللازمة لتوجيه عمل مؤسسات الدولة والشركات ومراقبتها ومسائلتها , وتهتم الحوكمة المؤسسية بالعلاقة بين اطراف المحيط التفاعلي الداخلي والخارجي , أي شكل العلاقة بين المدير وكادره , وبين المدير وجمهور المؤسسة الهام وايضا جمهور المؤسسة العام وجمهورها الخاص , وتحقق ادارة الحوكمة مهارات متقدمة تؤمن التمييز في المجال الوظيفي التفاعلي وتديم العلاقة التفاعلية بين الجمهور وتضمن عدم انزلاق المؤسسات الى خط الازمات المركبة التي نهايتها الكوارث .
اطراف الحوكمة
تقع مسؤولية الحوكمة على اطراف عديدة سواء بالفكر او بالإدارة او التنظيم او بالعمل التنفيذي او بشكل الوعي ألارتباطي بها وهي تعمل على توسيع دورها ونطاقها العام وزيادة الوعي بأهميتها وتتمثل هذه الاطراف في
النظام العام شاملا الضوابط والأحكام والقوانين والأعراف والمبادئ الراسخة والمستقرة والقيم الاجتماعي والأخلاقيات.
الدولة ككيان له وظائفه وهياكله التنظيمية والإدارية والمؤسسات التابعة له وهي
السلطة التشريعية وماتسنه من تشريعات وقوانين
السلطة التنفيذية وما تقوم به من اجراءات وأعمال خاصة بادرة الدولة
السلطات القضائية وما تصدره من احكام وما تعمل على تحقيقه من العدالة
المؤسسات والدوائر المرتبطة بالدولة والمعنية بتطبيق السياسات الحكومية
القطاع الخاص من المستثمرين والشركات
الجمهور العام من العملاء والمستفيدين
الخبراء والمستشارين وطاقم المتابعة الخاص بالحوكمة
ويقسمها اخرون كما يلي
النظام العام
الضوابط والأحكام
القوانين والأعراف
المبادئ الراسخة والمستقرة بالضمير وأعماق وجذور المجتمع
2.الدولة :ككيان اداري له وظائفه وله هياكله الاداري وبنيانه التنظيمي متمثلة بثلاث سلطات وهي
السلطة التشريعية وما تسنه من تشريعات وقوانين
السلطة التنفيذية وما تقوم به من اعمال
السلطة القضائية وما تصدره من احكام وما تعمل على تحقيقه من العدالة
3.المؤسسات الافقية المرتبطة والهيئات المستقلة والأفراد العاملين والمتعاملين وذوي الاهتمام وذوي المصالح وذوي العلاقة المباشرة وغير المباشرة
4. الجمهور بكافة انواعه
الفوائد
تسهم الحوكمة في ترسيخ الاستخدام الأمثل للمؤسسات لمواردها المتاحة والمستحصلة .
تسهم الحوكمة على تحقيق التنمية المستدامة والإنتاجية الوظيفية العالية
تقلل الحوكمة من هامش الكلف المالية ومخاطر الفشل وتتيح الفرص للمؤسسات والمنظمات الأكثر تنظيما واستخداما للحوكمة
تجعل الحوكمة من عملية الرقابة والإشراف على أداء المؤسسات والشركات أكثر انسيابيا عبر تحديد أطر الرقابة الداخلية وتشكيل اللجان المتخصصة وتطبيق الشفافية والإفصاح.
تساهم الحوكمة في استقطاب الحداثة والفرص الخارجية وعلى سبيل المثال في الجانب الاقتصادي يبحث المستثمرين الأجانب عن أسهم الشركة التي تطبق أنظمة الحوكمة ، باعتبارها استثمارها في شركة ملتزمة وشفافية
تعمل الحوكمة على استقرار الاداء الوظيفي وصولا للجودة المطلوبة في أداء المؤسسات وكادرها الوظيفي لتحقيق الإدارة الفاعلة .
تحقق التوازن الجمعي لحقوق المؤسسات والأفراد
تؤمن نظام مراقبة فعال لنشاط الشركات والمؤسسات وتقييم الإنتاج والنشاط المالي .
العناصر
الاستراتيجيات والأهداف المنتظمة بخطط إستراتيجية
منظومة القوانين والتشريعات الحاكمة والقرارات ذات العلاقة
النظم ومدونة قواعد السلوك الوظيفي - سياقات العمل الثابتة
الإدارات العليا - المدراء الأكفاء وذوي الأهلية العلمية والعملية
الكادر الوظيفي - تقييم ومتابعة طاقم الإدارة وكادر المؤسسة - الأفراد – مدراء – موظفين – عاملين – متعاملين
العلاقة مع الجمهور الهام - المراجع العليا
العلاقة مع الجمهور الخاص – الشركات والمنظمات المتعاملة
العلاقة مع الجمهور العام – الجمهور المستهدف كالمستهلك أو المستفيد من الخدمات
الموارد المتيسرة والمستحصلة والمهدورة
منظومات المراقبة والتقييم واللجان الرقابية
مراكز الدراسات والبحوث
المجتمع التدريبي وتنمية المهارات
تفويض السلطة وتوزيع المسؤوليات ونظام البديل
الحداثة والتطوير المستمر
تنظيم الأولويات والأسبقيات للمؤسسات – شركات – دوائر – قطاع عام – خاص – منظمات تخصصية منظمات دولية
مراكز الدراسات والبحوث والتقييم
أقسام العلاقات العامة
الإعلام التخصصي الموجه
نظام الحوافز والتكريم
المبررات
تؤكد فلسفة الحوكمة انها نموذج حديث ومتطور للقيادة والإدارة الرشيدة , المسندة بمنظومة التشريعات والنظم الحاكمة التي تؤمن مهام المتابعة والمراقبة والتقييم الدائم والمستمر , وبلا شك الحوكمة تأخذ جانبين الاول جانب القيادة ( القيادة بالحوكمة ) وتلك التي تمكن القائد من ممارسة القيادة للحكومة والمؤسسات الواسعة والمتشعبة بشكل انسيابي مسؤول , يضمن الشفافية والمسائلة والمحاسبة والمساواة بين كافة المؤسسات , وفقا للمؤشرات الايجابية او السلبية الواردة من منظومات المراقبة والمتابعة والتقييم , والتي تحدد شكل الاداء والجودة للمدير والموظف والشركات العاملة , وكذلك يضمن حق الجمهور المواطن او المستهلك في الحصول على حقوقه , التي نصت عليها التشريعات والنظم الحاكمة , ولذلك اصبح مبرر وجودها فعال وضروري لأجل ممارسة القائد او المسؤول مسؤوليته بانسيابية ترتقي لتوصيف القيادة الرشيدة , والجانب الثاني (الادارة بالحوكمة ) وتؤمن الادارة الرشيدة ولا تقتصر على الجانب الاقتصادي وحوكمة الشركات فحسب بل هي تتعدى ذلك الى رسم استراتيجيات ادارة فعالة , ونظام مراقبة وتقييم يحقق الشفافية والمسائلة للمدراء والموظفين والشركات , وتضمن الاعلان والإفصاح عن الذمم وبيانات الانجاز والذي بدوره يضع المدير في الصورة الواقعية للأداء المتميز او المتعثر لكافة الاطراف المعنية بالحوكمة , وبذلك مبرر وجود الحوكمة اصبح حداثة ملزمة يمارسها القائد والمدير لتحقيق افضل سبيل للقيادة الراشدة التي تؤمن الانجاز الفعال ويمكن تبويب مبررات استخدام الحوكمة وتفعيلها بما يلي :
تحقيق نظام قيادة رشيدة تتسم بالحداثة والتطور
تحقيق نظام ادارة رشيدة وترسم شكل العلاقة بين الاطراف المتفاعلة .
ضمان تحقيق اعلى معايير الشفافية بما يتسق بمفردات الشفافية الدولية
ضمان تحقيق انسيابية العمل داخل المؤسسات وفيما بينها وفق مدونة السلوك الوظيفي
ضمان تحقيق التنبوء الاحترازي من المخاطر من خلال منظومات المراقبة والمتابعة
ضمان تحقيق المراقبة الذاتية والحذر الوظيفي من خلال تفعيل حاجز المسائلة
ضمان تحقيق الاهداف عبر متابعة سير الانجاز من خلال المؤشرات والإحصاء
ضمان استقرار الاداء الوظيفي وصولا للجودة في اداء المؤسسات وكادرها الوظيفي لتحقيق مقولة الإدارة الرشيدة المتجانسة
تقليص فرص الوقوع في الازمات والكوارث من خلال صناعة منتظمة للقرار .
تضمن توزيع المسؤوليات بشكل عادل ومتساوي بين المدير والجمهور الهام والخاص والعام وتحقق مؤشرات التقدم الوظيفي .
تضمن الحقوق القانونية لكافة الاطراف
تحقق الواقعية الوظيفية في رسم الاهداف المستقبلية .
تؤكد التطبيقات ان الحوكمة نظام وقاية متقدم يحقق للقائد والمدير وكافة مفاصل القيادة والادارة رؤية منهجية في التعامل مع الموارد المتاحة لاقتناص الفرص المتيسرة وتحقيق الاهداف الحالية والمحتملة وفقا للمنهجية الاستراتيجية التي تنتهجها الدولة ومؤسساتها , خصوصا بعد ان اصبح الفساد والانفراد بالقرارات وغياب المتابعة والتقييم والمسائلة من ابرز ما يميز عالمنا التفاعلي , ولعل في تراكم الازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية يؤكد ان نظام الحوكمة بحاجة الى اعادة تقييم وقد يكون الخلل في التطبيق او الافراد او الطاقم الاداري القائم بالمهام او يمكن في طاقم المستشارين مما يجعل العالم يوميا يصحو على كوارث وازمات .
*خبير استراتيجي منظر ومتخصص في الحوكمة المؤسساتية
شباط 2، 2016
664 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع