بدري نوئيل يوسف ـ السويد
وصل الى مقر الرائد (طاء) الخال والدكتور (سين) استقبلهم المفوض مرحبا بهما ، وكتب لهما طلب (عريضة ) يطلبان مقابلة الرائد وفرك اصابعه يعني ادفعوا ، فهما ماذا يقصد ، سلماه مبلغ الف دولار وضعه داخل ظرف بريدي،اخذ الظرف وأرفقه مع الطلب وادخله الى الرائد، لم تمضي لحظات وإذا الرائد يخرج من غرفته يستقبلهم بابتسامة وكأنه انسان اخر يلاعب ويبرم شواربه بأصابعه ، طلب الرائد من المفوض اخراج الدكتورة من غرفة التوقيف على شرط ان ترجع الى مركز الشرطة بعد دفن والدتها لإكمال التحقيق معها ، تعهد الخال بذلك واخذ المفوض معلوماته وعنوانه الدائم وأحتفظ بهويته لحين عودة الدكتورة ، ولا يعرفان ماذا يريد منها ، المهم عندهم دفن جثمان والدتها.
نقل جثمان والدة الدكتورة الى الكنيسة وباشر الكاهن بالصلاة وحضر مراسيم الصلاة عدد من الاقرباء ، وعند نقل الجثمان الى المقبرة الواقعة في منطقة خان بني سعد طلب سائق سيارة نقل الجاثمين عدم مجيء أي من المشيعين لان المنطقة غير امنة ، وعليه ذهب مع سائق السيارة والجثمان رجلان يعملان في حفر القبور .
في غرفة العناية المركزة فتح والد الدكتورة عيناه وكانت احدى الممرضات واقفة بالقرب منه تراقبه ، سألها عن ابنته الدكتورة حكت له ما جرى لهما وأيضا وابنته الصغرى ترقد في المستشفى وزوجته توفت والدكتورة مع خطيبها الدكتور (سين) يشيعان جثمانها ، صرخ الوالد صرخة وصل صداها غرفة الطبيب المجاورة للصالة وأغمض عيناه ، هرولت الممرضة تطلب المساعدة من الاطباء ، دخل الى صالة العناية الطبيب المقيم وحاول انعاشه حتى بالرجات الكهربائية لكن الرجل راح فيها واعترفت الممرضة انها تحدثت معه وعلى اثرها جرى ما جرى .
اتصل الطبيب المقيم مع الدكتور (سين) وبلغه بوفاة والد الدكتورة ومازال متواجد في الكنيسة مع الخال والدكتورة يستقبلون المعزين الذين سمعوا الخبر متأخر ، بلغ الكاهن بخبر وفاة الوالد لكن الكاهن طلب دفنه صباح اليوم التالي لان الوقت متأخر ولا يمكن حفر قبر ونقله الى المقبرة .
عادت الدكتورة الى المستشفى منكسرة تجر خطواتها بصعوبة وقد تملكها حزن شديد ، دخلت غرفة اختها المستلقية على السرير عانقتها وهي تجهش بالبكاء أسفا على فقدان والديها ، وأمست حياتهما خواء لا بهجة فيها ولا رواء ، أرسلت الاخت الصغرى دموعا في صمت على خديها لا تعرف ما جرى لوالدها . ومازال الشرطي واقف عند باب الغرفة للحراسة.
مساءاً كان الرائد يترقب عودة الدكتورة الى مركز الشرطة لكنها لن ترجع ، وعليه ارسل الرائد سيارة شرطة الى منزل الخال يطلب حضوره والمثول امامه لأنه كفيل الدكتورة فلن يجداه في المنزل وبناء على طلب الرائد توجهت الشرطة الى المستشفى لإحضار الاخت الصغرى تفاجئوا بوجود الدكتورة هناك القى القبض عليها وسحبوها الى المركز وأودعوها الزنزانة لان الرائد كان خارجا بمهمة .
أما الخال والدكتور (سين) فقد ذهبا للبحث عن وساطة لدى احد المسئولين الكبار حتى يتصل مع الرائد ويكف عن مضايقة الدكتورة ، وبعد جهد وصلوا الى الرجل المسئول وحكيا له الحادثة هز رأسه ووعدهم خيرا بأن يتصل مع الرائد ويوبخه على تصرفه الغير لائق .
بعد عودتهم الى المستشفى علما بأن الشرطة اخذت الدكتورة فاتجها الى مركز الشرطة ، لكن الرائد غير موجود فبقى
الخال والدكتور (سين) واقفان في الشارع أمام المركز حتى الصباح ينتظران من يسأل أو يسمح لهم بالجلوس داخل المركز ، مع بداية الدوام وصل الرائد الى مقر عمله وأثناء دخوله للمقر شاهدهما واقفان في الشارع نادى عليهما متظاهرا بوطنيته واحترامه لواجبه ، ولكنه اصر على احالة الدكتورة الى المحاكم للتطبيق القانون ورفض خروجها للمشاركة في دفن جثمان والدها . وبعد الحاح من الخال والتوسل اتفقا على مبلغ يدفع للرائد ويطلق سراحها ، ويبدو للخال ان المسئول الوسيط الذي قدموا له كيلوان من البقلاوة وباقة الزهور ووعدهم خيرا لم يتصل مع الرائد .
المبلغ غير متوفر لديهما ، طلب الخال الحديث مع الدكتورة وبعد لقائها طلبت منه بيع منزل والدها ودفع المبلغ .
والبيع يحتاج الى دلال ، وأين المشتري الذي سيدفع خلال ساعات ؟ ولم تفلح مع الرائد أي محاولة وكان مصرا ومتمسكا برأيه ، سلموا المبلغ تستلمون الدكتورة او الى المحاكم ويتكلم بكل وضوح وجرأة دون خوف .
اقاموا مراسيم الدفن للوالد بدون حضور الاختان وكالعادة لم يذهبا الى المقبرة لان المنطقة غير امنة .
بقيت الدكتورة في التوقيف ثلاثة ايام كان الرائد يستدعيها لغرفته ويطلب منها الحديث عن الشباب الذين تناوبوا عليها محاولا استدراجها وأخذ يسمعها كلمات شوق وهيام ويراوغها وخداعها أن يطلق سراحها لقاء المبيت معه ليلة واحدة إلا انها صدته بكل جرأة ، مما ضربها في غرفته عدة مرات بحجة عدم ادلاء بالمعلومات .
اتصل الخال مع احد الدلالين لبيع المنزل وعند معرفة السبب ، اعطى الدلال لهما المبلغ دينا حتى يباع المنزل ، دفع المبلغ الى الرائد وأطلق سراح الدكتورة .
عادت الى منزلها جمعت ما تحتاج من ملابس وذكريات وكذلك جمعت ما تحتاجه اختها وطلبت من خالها بيع المنزل بما فيه من اثاث وانتقلت الى منزل خالها ، اما الصغرى فقد تحسنت صحتها لكنها لا تتكلم ولا تنبس بكلمة غير دموع تسيل من عيناها . وأجريت لهما فحوصات خاصة لتأكد من سلامتهما من الامراض أو الحمل .
أدخلت الاخت الصغيرة للعلاج النفسي لأنها فقدت النطق وعلمت ان والداها قد وارى التراب ، فصلت الدكتورة من الوظيفة لأنها تركت الدوام ولا تقدر ان تعود للعمل والجميع ينظرون اليها بعطف ورحمة ، بعد شهران خرجت الصغيرة من المستشفى نقلت الى منزل الخال للإقامة عنده لان المنزل اشتراه الدلال ودفع لهم باقي الثمن.
بعد اسبوع تقريبا دعت الدكتور (سين ) لزيارتها في منزل خالها ، نزعت خاتم الخطوبة وأخبرته ان لا تصلح أن تكون زوجة له رغم الحاحه وتأكيده انه نسى ما جرى لها ، لكنها قررت الدكتورة الخروج من بغداد ومغادرة العراق
بعد ايام ودعهما الخال في مطار بغداد وكانت وجهتم اسطنبول لتبدأ حياة جديدة تبحث عن بلد يحمي الابرياء من الوحوش. وتردد دائما يا رب اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يعملون .
1927 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع