من وحي سماء بغداد !

                                                       

                                    زيد الحلي

منذ مدة طويلة لم ار بغداد من الجو ليلا ، فقد شاءت الصدف في رحلات الطيران اني اغادرها في النهار واعود اليها في النهار ايضا ، لكني عدتً مؤخرا من رحلة عمل صحفية في الامارات العربية ، فوصلت بغداد ليلا ..

 كان مكاني في الطائرة بجانب النافذة ، وما ان دخلنا اجواء بغداد حتى بانت لآلئ لا يمكن وصفها ... عناقيد من الضياء تسلب الوجدان في جمالها .. سجادة من صنع الرب الكريم ... عاصمة ولا كل العواصم .. كانت بجانبي سيدة يابانية مستشرقة ، قامت من مكانها لتلتصق بالنافذة وهي فرحة مندهشة بهذا السحر الذي يلف بغداد من الجو ... ما اعظمك من عاصمة رغم كل الجراح ..   
عواصم العالم كالأفراد لكل عاصمة شخصيتها المميزة ، هناك عاصمة ثقيلة الدم وأخرى خفيفة الروح ، مثلما هناك عواصم هادئة باردة كالجليد وهناك عواصم تمتلئ بالحياة والنشاط... وبغداد تبدو من الجو عروس ، خرجت للتو بكامل زينتها في زفافها ... أيا من كلمات الوصف الجميل تضيع ، وانت تسبح في عالم بغداد من الجو في الليل ... اعرف ان عاصمتي لن تحتاج الى شهادتي ، فهي مدينة لكل الأذواق والأعمار ولمحبي التاريخ والطبيعة، هي مثل الشخص المتجدد الذي يدهشك في كل مرة تقابله فيها ، لكني اتحدث عن قطعة من الجنان خصها الباري عز وجل بكل صور الجمال ... انها تبدو من الجو قوس قدح ، منبسطة، تتدلى منها نواميس الألق والانبهار ، وهي من الجو تشعرك بأنك فوق سحاب  أكثر المدن جمالاً في العالم نظراً لما تتمتع به  ابنيتها وخارطتها الطبيعية ودجلة الخير الذي ينساب من بين تربتها ، من سحر فريد يجبرك على الشعور بأنك تعيش لحظات من اجواء قصص الف ليلة وليلة كونها تعبق بعطر الماضي وجمال الحاضر فى تناسق راق  من صنع الطبيعة .
مهما حاولت أن اصف ما في داخلي من مشاعر وأشواق، ومهما حاول الكُتاب والشُعراء وصف مشاعر العشق لبغداد وهي نائمة وسط الطبيعة إلّا أن الكلمات لا تعبر عن ما يشعرون به ، وما يجول بداخلهم فكل شخص منا  يصفها بطريقة معينة تختلف عن غيره ، لكنها بالمحصلة هي نبع الحياة الذي لا ينتهي .
هذه بغداد من الجو ليلا ، لكن ما ان  ما أن تطأ قدماك ارض المطار وتنتهي من اجراءاته المعروفة ، وتغادر باتجاه مركز العاصمة  حتى يتعكر المزاج  ، وتتساءل : هل هذه هي بغداد  التي كنت تراها من الجو؟
قطعاً ستقول : لا !!
أن الظروف العصيبة  التي مرت على الوطن اخذت من بغداد الشيء الكثير من كينونة ومشاعر ونفسية المواطن ، لكني اجد ان على امانة بغداد والدوائر الخدمية الاخرى البحث عن مجالات إبداع ذات مديات شمولية أوسع.. وعطاء ثر لا يعرف الحدود.. فمثلما لا يعرف العافية إلا من فقدها، فأن قيمه العواصم لا يعرفها إلا من زار ارضها ، فلا يكفي ان تكون بغداد من الجو جميلة..اليس كذلك ؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

746 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع