د.طلعت الخضيري
لقاء الساعه التاسعه
إنتظر الشاب حلول وقت الموعد، وهو يحلم برؤيه ذلك الوجه الجميل الذي يهب له ألسعاده والأمل في ذلك السجن الموحش ، والوحده القاتله ، بعد أن فقد الصله بأصدقائه الحمام ، وعند حلول الموعد ، فتحت الكوه الصغيره في باب الغرفه ، وظهر خلف قضبانها ،ذلك الوجه البريء وهو مضاء بنور المصباح الذي كانت تحمله. وبدأت روزا الحديث قائله:
- ها أنذا أمامك سيدي كورنوليوس . قالتها وهي تلهث من تعب صعودالسلالم.
- أه ياأيتها الطيبه روزا.
- أنت إذن سعيدا برؤيتي؟
- أنت تسألين عن ذلك ؟ أخبريني كيف استطعت المجيء إلي؟
- إن والدي يأوى إلى الفراش في تلك الساعه ، بعد أن يكون قد ثمل ، وشرب كؤوس من النبيذ، لذا أستطيع القدوم إليك كل ليله في مثل هذا الوقت.
- إنني أشكرك ياروزا ، يا روزا الطيبه.
- لقد جلبت لك معي ألقطع الثلاثه لبصله التولب.
- لقد وهبتها لك ياروزا.
- نعم إنها ستكون لي لو كنت قد مت ، أما وأنت حي ، وبفضل عفو الأمير وليم وكرمه ‘ والذي أتمنى أن يكون ملكا عادلا علينا ، فإن البصله هي ملكك.
- وهل مجيئك إلى هنا كان لرغبتك في رؤيتي؟
وأجابت باستحياء
- أنا لم أفكر في غير ذلك ، طوال المده التي تركتنا بها.
ثم قالت بدلال كما تفعل ألصبيات في أعمارها:
- إنني لم أندم في حياتي قط ، مثلما ندمت على إنني لم أستطع قرائه رسالتك ، لجهلي القرائه .- وهل كنت تتأسفي لعدم استطاعتك القرائه في مناسبات أخرى؟
- نعم عندما كنت أستلم الرسائل الكثيره من من يمرون أمام باب سجن لاهاي ، من جنود وطلاب مدارس مراهقين.
- وماذا كنت تعملين بكل تلك الرسائل؟
- كنت أتسلى بما كان يكتب لي ، وتقرأها لي إحدى صديقاتي ، ولكنني منذ وقت ليس بالبعيد ، لم أعد أعيرها إهتماما ،وأقوم بحرقها حال استلامها.
قالت ذلك روزا وقد اصطبغ وجهها بحمره الخجل والحياء.
وشعر الشاب بالسعاده لقولها ، وأنه فهم أن تحول تصرفها قد يكون بسببه , وقرب وجهه إلى الوجه البريىء ، فلم يمس إلا القضبان الحديديه للكوه ، وشعر بأنفاسها الحاره ، أماهي فقد شعرت عند اقتراب وجهه نحوها ، بازدياد ضربات قلبها ، وشحب وجهها ،وأسرعت بالهرب ، وقد نسيت أن تسلمه ألقطع الثلاثه لبصله ورده التوليب السوداء.
ألمعلم والتلميذه
لم يشاطر الأب غريفوس أبنته تعاطفها مع السجين ، ولم يكن لديه في القلعه إلا خمسه سجناء ، لذا فكانت له القلعه كسكن المتقاعدون ، وظل على اعتقاد أن كورنيليوس هو أخطر المساجين عنده ، لقرابته مع الأخوين السياسيين فان وايت ، لذا نظرإلى كورنيليوس وكأنه عدو الأمير وليم أورانج ، فواصل زياره ذلك السجين الخطر لمرات ثلاثه يوميا ، لعله يجد شيئا ما ، ولكن كوريليوس أخاب ضنه ‘ فلم يكن بحاجه إلى الحمام بعد الآن للمراسله ، وهو لديه مراسلته روزا ، قريبه منه ،وقد أطمأن على مصير ألقطع الثلاثه للبصله ، لقد عاش في هناء وهو ينتظر ما وعدته روزا بمقابلته كل ليله .
في مساء تلك الليله أتت روزا إلى الموعد ، بعد أن قررت عدم الإقتراب من كوه الباب أكثر من اللازم، وأن تسلمه القطع الثلاثه لبصله التوليب السوداء ،ملفوفه بنفس الورقه التي استلمتها منه ، أي الصفحه الأولى من الكتاب المقدس .
فكر قليلا الشاب قبل أن يستلم القطع ثم قال لها:
- إسمعي ياروزا ، إن هذه البصله تحمل كل أحلامي وآمالي ، وأتمنى أن أحقق مشروعا أعتبر سابقا وكأنه من المستحيلات ، ويجب أن ننتظر أن تورق البصله ، ثم أن نحصل بعد ذلك على الورده الثمينه ، وإنني لست اشعر أنها ستكون بمكان آمن في غرفتي. فيجب أن نأخذ الحذر للوصول إلى النجاح في هدفنا ، وقد توصلت إلى أن أجد الحل لذلك.
وأنصتت روزا بانتباه إلى ما قاله الشاب ، وقد يكون الدافع لذلك ليست حبها للورده ، وإنما لصاحبها.
وأضاف الشاب - سأذكر لك ما توصلت إليه لنجاح مشروعنا ، قد يكون لديكم في هذه القلعه حديقه ، أو ساحه أو حتى شرفه ؟
وأجابت روزا - إن لدينا هنا حديقه جميله ، تمتد بمحاذاه نهر الوال ، وقد زرعت بأشجار عاليه جميله.
- هل تستطيعين عزيزتي روزا جلب قليل من ترابها غدا، لكي يتم حكمي عليها؟
- نعم سأفعل ذلك غدا.
- هاتي نوعين من التربه ، إحداهما من ألمنطقه ألمشمسه ، والأخرى من منطقه ألظل ، حتى أتمكن من مقارنه درجه رطوبه التربه .
- سأفعل ذلك.
- سأعطيك قطعه واحده من البصله لتزرعيها في المنطقه التي سأحددها لك ، ومن المحتمل أن نغير تركيب تربتها ، وسأعين لك متى موعد زرعها, ستنمو و تظهر براعمها وأوراقها ، وأخيرا ألورده المنتظره ، إذا إتبعت جميع إرشاداتي.
- لن أبتعد عنها لحظه واحده.
- سأستلم منك ألقطعه ألأولى لأحاول زرعها هنا ، حيث تدخل الشمس قليلا ، وتسليني في وحدتي , وإن كنت لا أتأمل نجاح هذه التجربه في غرفتي ، وقد تفقد تلك القطعه حياتها هنا ،
أما القطعه ألثانيه فستزرعيها أنت في الحديقه ، عندما أقول لك ذلك ، والقطعه الثالثه قد نحتاجها في حاله فشل التجربتان الأوليتان ، وأتمنى أن ننجح ، لننال الجائزه ، أي مبلغ المائه ألف فلوران ، لتكون هديه تكاليف زواجنا يا عزيزتي روزا.
- نعم فهمت ما تريده ، سأجلب لك غدا نماذج من التربه ، لتختار ما تريد أن تزرعه أنت في غرفتك ، وما سأزرعه أنا في الحديقه. ، ويتطلب ذلك أن أحمل القليل كل مره ، وقد يتطلب كل ذلك عده أيام.
- لا داعي للعجله يا عزيزتي روزا ، لن يتم دفن القطعات قبل شهر واحد ، لذلك لا لزوم للعجله ، وإنما يجب عليك إتباع إرشاداتي بدقه.
- وعندما يتم زرع القطع ، يجب أن تنتبهي إلى كل ما يجري حولها ، كمثل تغيرات المناخ ، أو من يتقرب إلى مكان زرعها ، كالقطط التي خربت لي مساحه من الحديقه في منزلي في دوردرخت.
- سأراقب وسأستمع إلى كل شيئ.
- وفي الليالي القمريه هل تستطيعين مراقبه الحديقه ؟
- نعم إن نافذه غرفتي تطل عليها.
- جيد ، راقبي في الليالي القمريه ألثقوب في سور الحديقه ، فقد يخرج منها بعض الفئران ، وستفتك بالبصلات .
- وأود أن أذكرك أن هناك حيوان آخر أخطر من الجميع.
- وماهو ؟
- هو الإنسان ياعزيزتي روزا , إن من يسرق فلوران واحد وهو مستعد ليسجن ، فلن يتردد بسرقه بصله قد تنال جائزه مائه ألف فلوران.
- لن أدع أحد يدخل الحديقه سواي.
- هل تعديني بذلك؟
- إني أحلف لك بذلك.
- شكرا ياروزا , ياعزيزتي روزا ، ستأتيني كل سعاده من قبلك.
وقرب كورنيليوس وجهه نحو قضبان الكوه ، لعله يستطيع تقبيل تلك الشفتين الجميلتين ، ولكن روزا ابتعدت من الكوه ، وقدمت له أصابعها ، حامله قطعه واحده من البصله ، تناولها الشاب وقبل الأصابع التي امتدت إليه ، وأسرعت روزا بنزول السلالم وهي حامله القطعتان المتبقيتان من البصله.
عمل جاد
أخذت روزا جلب حفنه من تراب الحديقه يوميا إلى السجين ، وأضافت إليها قليل من طين نهر الوال األمجاور للقلعه ‘ أما الشاب فقد حصل على وعاء ، حفظ به ذلك التراب مع طين النهر بعد أن جففه، ولم يكن ذلك الوعاء إلى جزء من قاروره الماء الفخاريه ، التي كسر جزء منها ليجعله الوعاء المطلوب ، وفي بدايه شهر نيسان تم زرع تلك القطعه من البصله في ذلك الوعاء.
واستعمل السجين ألكثير من ألمراوغه لإبعاد أعين السجان عن ذلك الوعاء ‘ واستمرت روزا بالقدوم في الساعه المعينه ، والتحدث مع حبيبها عن ذلك المشروع الزراعي ، وتشعب الحديث بعد ذلك إلى مواضيع أخرى متعدده ، واستمرت هي في ألإبتعاد بمسافه قصيره عن قضبان ألكوه ، بعد أن أحست أن نسمه تنفس الشاب الحاره ، من الممكن لها أن تحرق قلبها .
لقد شغل فكر الشاب أمر أقلقه ، وهو صله الفتاه ومستقبلها مع أبيها ، ذلك الأب ألجاهل ألقاسي ألضحل التفكير ، فماذا سيحصل لو أن الأب قد مل من البقاء في قلعه لوفشتاين وقرر الرحيل مع أبنته ؟ وكيف سيتصل بها آنذاك ليعبر لها عن ما بنفسه ، أو هي لتعبر له خوالج عواطفها ، وهي تجهل ألقرائه ،ولن تستطيع أن تقرأ أو تكتب ما تريده ، وعندما إعترف لها بهمومه تلك فأجابته؛
- دعنا إذا نستفيد من وقتنا.
- وكيف ذلك؟
- إننا نلتقي بما يقارب الساعه كل ليله ، ومن الممكن أن تتعلمني القرائه والكتابه خلالها.وهكذا نستطيع الإتصال ببعضنا حتى لو إبتعدت أنا وأبي عن القلعه.
- قد يأخذ ذلك وقتا طويلا يا من أحب ، وأخيرا ما الفائده وإنني سأقضي أيامي كلها في هذه ألغرفه الموحشه.
- أليس من الممكن أن يعفو عنك االأمير ، ويطلق سراحك ، كما عفى عنك سابقا ، وسترجع إذا إلى بيتك وأملاكك وستكون ثريا ، فهل ستتذكر حينئذ روزا ألفقيره ألجاهله إبنه السجان؟
- إنك ستكونين آنذاك زوجتي ، لو صح أن يحصل ما تحلمين به ألآن.
وغيرت روزا مجرى الحديث ، لتخبره أنها اختارت بقعه صغيره في ركن من الحديقه ، وبعيده عن جدار القلعه ، فحرثته بعد أن وافق هو على نوع التربه التي فحصها هو مسبقا ، وتنتظر أوامره لزرع القطعه الثانيه للبصله ، في الوقت المناسب الذي سيحدده لها ، ثم أضافت:
- تذكر أن تلميذتك ، كما تسميني، لديها شيء آخر لتتعلمه منك ، وهو ألقرائه والكتابه.
-إذا لنبدأ الآن.
- كلا ، ليس لدينا ألوقت الكافي الآن وسأجلب كتابي معي غدا.
- وأي كتاب هو؟
- ألكتاب المقدس الذي تركه لي قريبك الراحل كورنيل فان ويت.
أألزائر ألجديد
في الليله التاليه ، أتت روزا ومعها الكتاب المقدس ، ومن خلال الكوه الصغيره لباب الغرفه وبشعاع المصباح الصغير التي كانت تحمله معها ، بدأ الدرس الأول ، وبدأ كورنيليوس بتعليم روزا القرائه ، بقرائه الأحرف والكلمات المكتوبه في الصفحه الثانيه من الكتاب ، على أن تحاول كتابتها بعد ذلك في غرفتها.
وبعد عده ليالي
تأخرت روزا في القدوم نحو النصف ساعه من الموعد المعتاد، وبادرت صديقها بالكلام
- أرجوك أن لاتعاتبني على هذا التأخير فقد حدث شيئا ما ، وهو أن والدي قد عقد صداقه مع رجل أخذ يزورنا مساء كل يوم , ويغري والدي بأحاديث شيقه تعجب والدي ،و مقاسمته شراب النبيذ الذي يحمله معه ، وهكذا تأخر والدي عن موعد نومه حتى هذه الساعه ، مما أدى إلى تأخري بالقدوم إليك ، ولقد سبق لهذا الرجل أن زارنا عندما كنت أنت سجينا في لاهاي ، وادعى أنه صديقك ، بينما لايذكر ذلك اليوم.
- أنا ليس لدي أي صديق با عزيزتي في هذه الدنيا .
- إنه بدأ بزيارتنا منذ خمسه عشر يوما .
وفكر الشاب أن ذلك الشخص قد يكون من ترسله الحكومه، لمراقبه حراس السجون ونزلائه على السواء ، ثم أضاف ؛
- صفيه لي ياروزا.
- إنه رجل حوالي الخمسون سنه من عمره، قبيح المنظر، ولا أدري قد أكون أنا المقصوده من تلك الزيارات ، وقد لاحظت إنني عندما كنت أعمل في الحديقه مساء أحد الأيام ، أنه إختبأ خلف بابها ليراقبني ، مما دعاني إلى ترك العمل والرجوع إلى غرفتي.
- قد يكون أحد المعجبين بك وما أسمه؟
- يدعي أن أسمه جاكوب جيزيل.
- لاتقلقي يا عزيزتي فأنا لا أعرف شخص بهذالإسم ، ويجب علينا ألإنتباه والحذر من هذا الرجل , وهل أنت مستمره بتعلم القراءه والكتابه عندما تكونين بعيده عني؟
- نعم وأعتقد أنني أتعلم جيدا ماترشدني أنت أليه ، والآن أرجوك أن تخبرني بأخبار قطعه البصله التي لديك.
- لدي أخبار ساره لك ، فقد أخرجتها من التربه ، وفحصتها تحت نور الشمس ، فوجدتها بحاله حسنه ، وأخذت بعض الجذور تظهر لها ، وقد غطيتها مره أخرى في التراب ، وسنرى نموها الذي يبشر بالخير.
مرت ثمانيه أيام دون أن يعكر السجين شيئا ما ، بالرغم أن السجان كان يزوره ثلاث زيارات يوميا ،وبساعات مختلفه ، لعله يجد شيئا ما لدى السجين , وحصلت المأساه في اليوم الثامن ، عندما فاجأ السجان الشاب المسكين وهو يتأمل بصلته ، فقد إنتزعها منه وهو يصيح منتصرا ، هاأنني ضبطتك وأنت تدبر شيئا ، وبالرغم من توسلات الشاب أن يترك له بصله الورده ، فقد فتتها السجان وأتلفها ، وأتت روزا عند سماع تلك الضوضاء ، ولم يفد توسلاتها إلى أبيها أن يترك لذلك الشاب المسكين هوايته فقد تم ماتم ، وقبل خروجهما من الغرفه إستطاعت أن تهمس بإذن الشاب ( لا تقلق فسنحاول النجاح مع البصله الثانيه والثالثه اللتان معي).
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://www.algardenia.com/maqalat/20564-2015-12-08-16-40-55.html
359 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع