الدكتور مهند العزاوي*
يدشن العالم العربي نمط حديث من التهديدات والمخاطر ضمن نمط الحروب المعاصرة التي اسميتها منظرا "الحرب الدافئة" , التي تعتمد على تصعيد المسارح الملتهبة الى حافة الحرب النظامية في ظاهرها ,وفي جوهرها حرب مركبة تعتمد على القوى اللامتناظرة ( التنظيمات المسلحة والمليشيات) ضمن مشروع قديم جديد ((الشرق الاوسط الجديد ))، ونشهد اختلاف المحاور الجيوسسياسية العربية ,ونشهد تصدع مقومات الامن القومي العربي ، بعد ان أضحت المنطقة برمتها كرة نار ملتهبة تلتهم كل مقومات الدولة والمجتمع والبنى التحتية الإنسانية والمجتمعية، لنصحو على عالم مضطرب تسوده الحروب المصنعة ذات الطابع التجاري الهدام، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن سوق الحرب والأمن تفوق عائداته النفط والغاز والذهب , وهذا يبرر العقيدة العالمية نحو سوق "الحرب الدافئة" التي نكتوي نحن العرب بنيرانها وينعم بدفئها الدول المتمركزة التي تتبادل الادوار بانتهازية تفوق القواعد والقيم السياسية الدولية , واضحى الامن القومي العربي يعاني من استعصاء سياسي وامني وعسكري يلوح في افقه الخلاف والفوضى , والقطرية القطبية التي تنسف عامل الوقاية الاستراتيجية والتصدي الجماعي .
مهددات الأمن القومي العربي
يشكل صيانة المجال الحيوي للامن القومي العربي الهاجس الاكبر لدى صانع القرار , وخصوصا مسالة الديمومة والحفاظ على الحدود السياسية , وامن المجتمعات مع شياع ظواهر "المليشيا سلطة" وتناسل وانشطار التنظيمات الطائفية المتطرفة , وكذلك يبرز الصراع الدولي للوصول للمنطقة باستخدام "نظرية الفوضى", ناهيك عن التوغل الايراني في الجسد العربي فكريا وشبحيا ومخابراتيا وعسكريا وسياسيا , وكما قال ابرز المسؤولين الايرانيين (ان ايران اليوم امبراطورية تحكم اربعة عواصم عربية وعاصمتها بغداد ) وهذا التصريح يؤكد الاطماع الايرانية في العالم العربي وفق عقيدة تصدير (الثورة الاسلامية) باستخدام التنظيمات والمليشيات المسلحة كما شهدنا في لبنان والعراق وسوريا والبحرين واليمن والكويت والسعودية والسودان والصومال , ولعل من ابرز تهديدات الامن القومي العربي وحسب الاسبقية هي:
استراتيجية التواجد الدولي
يلاحظ وبشكل واضح احتدام الصراع الدولي نحو الوصول الى مناطق التاثير العربي من قبل الدول المتمركزة , وكما يبدوا استخدام سياسة الوصول الخشن من خلال اشاعة الفوضى وانعاش سوق السلاح والامن على حساب الاقتصاد العربي ,ولعل استخدام مبرر الارهاب اصبح شائعا منذ عام 2003 وحتى اليوم لاستنزاف الموارد العربية ومنها البشرية والمالية , ويعود السبب لغياب الرؤية العربية الموحدة وقصر النظر في الوقابة الاستراتيجية وبنفس الوقت غياب التاثير العربي في المحافل الدولية .
الخلاف العربي العربي
يعد من ابز التهديدات هو غياب الرؤية العربية الموحدة , والتحسب والوقاية الاستراتيجية , وهذا الخلاف قد القى بظلاله على منهج التصدي للمخاطر, حيث لاتوجد رؤية عربية موحدة في تحديد التهديدات والمخاطر ووصف العدو , ويلاحظ هناك من يرى خطر وجودي من التمدد والتوغل الايراني, وهناك دول عربية تقف مؤيدة ومساندة لهذا التوغل والتدخل الغير شرعي وفقا للقانون الدولي , مما يترك ثغرة كبيرة ومفاصل لينة يستغلها الطرف الاخر للتمدد , وبالرغم من محاولات رأب الصدع ولكن لايزال هناك بون شاسع بين حجم المخاطر والتهديدات وحجم الوعي والتسامح والهدف المشترك بين الدول العربية .
الصراع الاقليمي على مناطق الفراغ العربي :
يلاحظ ان الصراع على مفتاح المنطقة (العراق) يظهر باشكال متعددة , ولعل الطرف الاكثر تاثيرا بالعراق هي ايران التي تمتلك التاثير المباشر على المنظومة السياسية والعسكرية والامنية والفكرية داخل العراق مابعد 2003 , وقد اصبحت متاخمة على حدود الاردن والكويت والسعودية بل واضحت تخنق دول مجلس التعاون الخليجي عبر سيطرتها على المنفذ البري الوحيد باتجاه العراق , وقد اصبح العراق الثقب الاسود والقاعدة الامينة لانطلاق العمليات الايرانية العسكرية وشبه العسكرية ضد الكويت والسعودية وكذلك البحرين , ويشكل هذا كماشة بعد التوغل باليمن يخنق الاقتصاد الخليجي ويزيد من حجم التهديدات الامنية والعسكرية , وقد حاولت كل من اسرئيل وتركيا ملئ فراغ العراق بعد 2003 ولم يكن للعرب دور يذكر .
عسكرة وتمزيق المجتمعات العربية :
يبرز هناك تهديد حقيقي من خلال شياع ظاهرة المليشيا سلطة في لبنان والعراق وسوريا واليمن والسودان والجزائر وليبيا والصومال , حيث ان هذه الظاهرة تعطي دافع للمليشيات الارهابية بالعبث في امن المجتمعات بغية الوصول للسلطة , وكما يبدوا المجتمع الدولي اسس لهذه الظاهرة عندما قام الاخضر الابراهيمي باجترار تجربة لبنان ونقلها للعراق ومنح بذلك المليشيات دور سياسي كبير تمخض عنه الاقتتال والحرب الاهلية الطائفية, ولم نشهد من مراكز الدراسات دراسة ومعالجة لهذه الظاهرة .
شيطنة الدول الانظمة
يلاحظ في مسرح الاحداث الحاصل هناك ضخ اعلامي عالمي والبعض منه ناطق باللغة العربية موجه ضد الدول العربية والخليجية منها لشيطنة الدول والانظمة بغية ارساء عقيدة الفوضى بدل من عقيدة الدولة , لاستكمال تمزيق المنطقة وفقا لمشاريع التقسيم والتي اذكر منها مشروع "حدود الدم " لـ "رالف بيترز" 2006 لتقسيم الدول العربية من 22 دولة الى 56 دويلة متناحرة متنازعة وهذا مايحصل لو اسقطنا الوقائع على مسرح الاحداث وللاسف لايوجد حلول ناجعة في ظل الخلاف العربي المحتدم .
الهجرة الشاملة للقدرة العربية :
بات من الواضح هناك عملية افراغ منظم للكتلة الحيوية العربية , ونشهد ان مسار الهجرة نحو دول اروبا واميركا واستراليا من الشعوب العربية وتحديدا من العراق وسوريا , وتلك الطاقات لم تجد احتواء وتاهيل عربي للتصدي للتحديات القادمة , ويعد انحلال كامل لمنظومة الامن القومي العربي الذي يعتمد على الكتلة الحيوية البشرية في تنفيذ برامج الوقاية الاستراتيجية ز
ضرب الاقتصادات العربية :
كما نعلم ان الاقتصاد هو عصب الديمومة للدولة والمجتمعات , والقوة جوهر الردع والتصدي للاطماع الزاحفة , ويلاحظ مؤخرا استهداف السياحة العربية من خلال اشعال الفتن والنزاعات , وكذلك تدني اسعار النفط العالمية , وايضا خنق التجارة بمختلف الادوات , ويبدوا ان المنطقة برمتها مستهدفة لتكون مسرح نزاع وحرب لديمومة سوق السلاح والامن .
التحديات الإقليمية
التوغل الايراني الاقليمي
اصبح من الواضح من ابرز المخاطر والتهديدات التي تعصف بالعالم العربي عموما والخليج العربي خصوصا هو التوغل والتمدد الايراني في الدول العربية المتاخمة كالعراق وسوريا والبحرين واليمن , واضحى يتمدد بشكل واسع في المفاصل السياسية والاعلامية والفكرية والامنية والعسكرية , ويتدخل بشكل سافر وعلني في شؤون الدول الخليجية الداخلية , كما واصبحت الخلايا والتنظيمات المسلحة والمليشيات الذراع الحربي اللامتناظر لايران , بعد العمل على تمزيق مجتماعاتها باستخدام "الحرب الديموغرافية" من خلال التقطيع الناعم للمجتمعات الى مذاهب وملل وطوائف ليسهل التسلل اليهم تحت مبررات واهية منها نصرة المذهب وحماية المستضعفين , وفي الحقيقة انها تحقق حلمها الامبراطورية الايرانية باستخدام الوقود العربي المغرر به , ولعل من ابرز مخاطر هذا التهديد الذي اصبح تحدي حقيقي هي
المنظومة الشبحية :يقوم الحرس الثوري الايراني والبسيج بمهام تصدير الثورة باستخدام العمليات الارهابية في عمق الدول العربية , وتستهدف هذه المنظومة عسكرة المجتمعات العربية كادوات حرب لصالحها , ويلاحظ شياع ظاهرة المليشيات الطائفية الارهابية المسلحة كاذرع قوة لامتناظرة لها ويجري في ايران تقديم الملاذ الامن والتدريب والتسليج والتجهيز والتمويل لهذه التنظيمات ناهيك هن احتوائها تنظيمات ارهابية تعمل لحسابها كالقاعدة وغيرها وتستخدم هذه الاذرع بغية تحقيق التاثير والوصول للدول العربية كما حصل بالعراق وسوريا والبحرين والكويت والسعودية واليمن .
المنظومة العسكرية : تمتلك ايران ترسانة اسلحة تقليدية وصورايخ وفيالق من الجيش النظامي وكذلك طورت اسلحتها وغيرت عقيدتها الى التسليح الشرقي الذي يتيح توريد السلاح واقتناء التكنلوجيا الحربية المتطورة من دول المعسكر الشرقي كروسيا والصين , وفي ظل الاتفاق النووي الاخير بين الغرب وايران الذي يعترف بها دولة نوية وفك الحصار الاقتصادي , واصبح بالامكان تطوير اسلحتها وبالفعل جرى تطوير صواريخ بالستية يصل مداها السعودية وهي بمثابة رسالة سياسية تؤكد ان هدفها السياسي العالم العربي وليس اسرائيل كما نشهدها في الشعارات , ولعل الاحداث الاخيرة في القدس والتوافق الروسي الاسرائيلي في سوريا يؤكد زيف هذه الشعارات ويكشف نواياها بشكل واضح .
المنظومة المخابراتية الرمادية : تستخدم دوائر المخابرات الايرانية اذرع متعددة لاستهداف وحدة الشعوب وتفريقها باستخدام العمليات الارهابية الشبحية المنسوبة الى تنظيمات تديرها عن بعد وتحقق بها مبررات للتدخل حتى تحقق راس جسر داخل الدول العربية ومجتمعاتها وتبرز نفسها كمحارب للارهاب كما جرى في سوريا والعراق .
المنظومة الايديولجي: يلاحظ الضخ الايراني الطائفي المعتمد على مبدا الكراهية للعرب وحرق تاريخهم وتشويه الرسالة الاسلامية وفقا لمبدا "الهندسة المعكوسة" وما يطلق عليه (الحفر اسفل الجدار) من خلال تهديم الركائز الاساسية للدين الاسلامي وجعلها متاحة للشتم والسب والاستهجان والكراهية حتى تخلق حالة النفور والنزاع اضافة الى التنكيل المنظم بالعروبة والاسلام .
المنظومة الاعلامية :ويلاحظ انها منتشرة بشكل واسع حيث تؤكد الدراسات وجود 350 وسيلة اتصال تستخدمها ايران ضد العالم العربي عموما والخليجي خصوصا , ولعل هناك مايقارب 65 قناة فضائية تضخ الكراهية والسموم الطائفية والعداء للعرب , وتلك الفضائيات محمولة على خوادم عربية ؟ دون معالجة تذكر وايضا هناك جيش الكتروني يبث سمومه في مواقع التواصل الاجتماعي ناهيك عن عدد من الكتاب والاعلاميين الذين يسوقون للدور الايراني في مقالاتهم وكتبهم .
النووي الايراني
اصبح من الصعب التكلم عن امن المنطقة او السلم والامن الدوليين بعد الاتفاق النووي الاخير الذي اجاز لايران الحيازة النووية دون رادع , مما يجعل العالم العربي في موقف ضعيف وخصوصا الدول الخليجية المتاخمة التي لم تعد تحقق التوازن العسكري مع ايران اضافة الى مخاطر التسريب النووي وكذلك حيازة الاسلحة النووية , ولايوجد في الافق رؤية موحدة تجاه هذا التهديد
القوة اللامتناظرة ( المليشيات الطائفية ) لم تعد ايران تخفي قوتها من المليشيات الطائفية الارهابية الغير نظامية بل تجاهر علنا بقيادتها وتقاتل بها في العراق وسوريا بشكل مدعوم دوليا تحت مبرر (( محاربة الارهاب)) وعند احصاء عدد التنظيمات اللامتوازية المتطرفة المتواجدة في حدود الخليج الثابتة التي تصل الى 68 تنظيم مسلح ومؤدلج بالكراهية للدول والمجتمعات وتدار تلك التنظيمات عن بعد , واضحت هذه التنظيمات تقضم الحدود السياسية لدول مجلس التعاون الخليج , اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الاضطراب العسكري والامني على الحدود يعني التماس ,ويعد هذا قضم للامن القومي , ناهيك عن الفوضى البحرية وخلق الاضطراب في الممرات الدولية المتاخمة لدول الخليج , ولعل من الملفت للنظر ان المجتمع الاعلامي الغربي والعربي يؤجج هذه الظواهر , ويدعم طرف على حساب على اخر لخلق بيئة حرب مزمنة , وعند النظر لخارطة الحرب الزاحفة سنجد ان القوى والتنظيمات اللامتوازية اصبحت فاعلة بشكل اقوى من بعض الدول كما في سوريا والعراق والبحرين واليمن , وهذا مسجل خطر يستنزف الدول والمجتمعات المتاخمة لها , ولم نشهد حتى اليوم تحديد اسبقيات للمعالجة خصوصا ان وصف بعض التنظيمات المتطرفة بالقوات الرسمية يصب على النار زيتا وهذا مايجري فعلا , ولعل عدم الاكتراث بمايجري في العراق الذي يعد مفتاح المنطقة استراتيجيا مساهمة مؤكدة في انهيار المنطقة وهنا عمق المشكلة .
وقاية بحاجة الى ارداة صلبة
الوقاية الاستراتيجية وهذه تتم بخطوات وورش عمل تعتمد المتحقق من الموارد المتاحة والارداة الصلبة بالتصدي و التحسب وحتى الان لم نشهد ارادة صلبة للتحسب سوى مخاوف وهواجس هنا وهناك
المعالجة : يصعب طرح اليات معالجة كونها تتندرج ضمن سياقات التخطيط والتنفيذ التي تحظى بسرية تامة حيث يصعب تداولها اعلاميا الا ما يخصص منه للاعلام , وحتى الان لايزال القرار بالتصدي ومعالجة المخاطر الحالية والمحتملة دون الطموح في ظل غياب القرار العربي والخلاف المستدام , وكذلك صعوبة التوافق على المشتركات التي من شانها تحقق الامن والسلم العربي الذي يعد من ابرز اولويات الامن القومي العربي , ويحتاج هذا الى توصيف واقعي للاضرار وحصرها والمبادرة باستعادة المباداة وحشد الموارد بشكل منهجي حتى يتم التصدي بقوة للمخاطر والتهديدات التي ذكرناها
بات من الصعب التكهن بمستقبل الامن القومي العربي حيث لاتوجد قيم متفق عليها بين الدول العربية , وكذلك لاتوجد رؤية موحدة , وحشد موارد يتخطى التاثير الخارجي , وحتى الان يمكن التعويل على الامن القومي الخليجي كون دول مجلس التعاون الخليجي لديها قواسم مشتركة تجاه التهديد الخارجي والداخلي والاقليمي باستثناء من يغرد خارج السرب كما هو واضح من مواقفه من عاصفة الحزم ذات الاهمية الاستراتيجية , ولابد ان يتم حشد الموارد بشكل اكثر واكبر واعادة رسم السياسات بما يتلائم مع تحديات المرحلة , وضرورة الوقوف بحزم امام تسونامي ايراني عابث بامن الاوطان والمجتمعات والدول , ولابد من الذهاب الى رؤية الاتحاد الخليجي ليشكل محور جيوستراتيجي مؤثر موحد , بلا شك انه صعب ولكن ليس مستحيل ولايزال الوقت متاح لاعادة الكتلة الحيوية البشرية العربية الداعمة للقدرة الخليجية في تصديها للتهديدات والمخاطر المحيطة بها .
*خبير استراتيجي
الأحد، تشرين الأول 18، 2015
638 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع