أ.د. محمد الدعمي
” لي أن ألاحظ كذلك أن مثل هذه من تعابير الكراهية والعصبية غالباً ما تمر دون الكفاية من إلقاء الضوء، زد على ذلك ظاهرة اضمحلالها ثم تلاشيها دون مساءلة أو محاسبة قانونية، للأسف. ربما كمن هذا اللا اكتراث وراء ظهور المزيد من تعبيرات الضغينة ضد المسلمين في دولة عظمى يرأسها رجل اسمه “باراك حسين أوباما” أليست هذه مفارقة تستحق التوقف والتأمل بأناة ؟”
ــــــــــــــــــــــــ
لا يمكن أن يمر زمن طويل دون أن تميط “الانعزالية” الأميركية American Isolationism اللثام عن عدائيتها، وعن اختراقها العقل الأميركي “بعقد التفوق” superiority complex التي لا تقل اشكالية عن “عقد النقص” inferiority complex، أحياناً. هي تكشر عن أنيابها كلما حدث “احتكاك” أو “ارتطام” بين ما هو أميركي من ناحية، وبين ما هو غير أميركي من الناحية الثانية. إلا أن أقوى تعبير عن وسواسية هذه الانعزالية وتواصلها في الأعوام الأخيرة قد طفى على السطح عبر دعوة المرشح الرئاسي الجمهوري، الأقوى حظاً، لـ”تسجيل” جميع المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة الأميركية، مواطنين أو وافدين، في سجلات خاصة بدوائر أمنية كي يسهل على وكالات الحكومة الرجوع إليها ضمن جهودها لمكافحة الإرهاب!
وزيادة على عدم موافقة العديد من المتسابقين للبيت الأبيض على هذه الدعوة المشحونة بالتعصب وبالعدائية، لم يفلت ترامب (أي صاحب الدعوة) من أنواع النقد بسببها، حد وصفها بـ”الفاشية”، خاصة وأنها تذكر المرء بما فعل “الرايخ الثالث” بيهود ألمانيا تمهيداً لمأساتهم المعروفة بـ”الهولوكوست” هناك.
زد على ذلك النقد المؤثر الذي رفض أي تصنيف لسكان الولايات المتحدة تأسيساً على الإيمان الروحي الذي يحتضنه المرء، باعتبار أن أميركا هي موطن العلمانية والمبشرة بقيمها عبر العالم.
والحق أقول، لم ألحظ شخصياً، من حاول أن يربط بين دعوة ترامب أعلاه وبين سواها من تعابير الانعزالية الأميركية التي سبق أن طفت على سطح الإعلام والثقافة الأميركية الشائعة. ومن هذه التعابير تأتي “مسابقة” التصوير المشوه لشخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في تكساس قبل بضعة أشهر، زد على ذلك ما فعله قس أميركي متعامي في تعصبه ضد مشاعر المسلمين، عندما أحرق نسخاً من القرآن الكريم، في محاولة مخزية لقنص الشهرة عن طريق الإساءة الى واحد من أعظم الأديان في العالم، أي الإسلام.
بيد لي أن ألاحظ كذلك أن مثل هذه من تعابير الكراهية والعصبية غالباً ما تمر دون الكفاية من إلقاء الضوء، زد على ذلك ظاهرة اضمحلالها ثم تلاشيها دون مساءلة أو محاسبة قانونية، للأسف. ربما كمن هذا اللااكتراث وراء ظهور المزيد من تعبيرات الضغينة ضد المسلمين في دولة عظمى يرأسها رجل اسمه “باراك حسين أوباما” أليست هذه مفارقة تستحق التوقف والتأمل بأناة؟
أما الأنكى من هذا كله، فيتجسد في أن على الإدارة الأميركية أن لا تسمح بمرور تعبيرات الكراهية والضغينة ضد الإسلام والمسلمين دون عقاب لاجم كاف، نظراً لأن الإدارة الأميركية متشبثة بدورها القيادي عبر العالم، مذ سقوط جدار برلين أوائل تسعينيات القرن الماضي، أي منذ الإيذان بمباشرة حقبة القطب الواحد: فاذا ما أرادت هذه الإدارة الحفاظ على هذا الدور القيادي عالمياً، وعلى رسالتها الدولية في التبشير بـ”القيم الأميركية”، من نوع الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية دولياً، توجب عليها التمسك باحترام أديان ومعتقدات جميع شعوب العالم دون المساس بها، خاصة في حقبة “الإرهاب” الجارية اليوم. كيف يمكن للإدارة الأميركية أن تطلب عدم قيام شبكات الإرهاب المتشبثة باسم “الإسلام”، تعسفاً، بمهاجمتها دون أن تقدم الدلائل على أنها ليست عدوة للإسلام، وليست مضادة للمسلمين؟ هو سؤال يستحق الإجابة عليه الآن أكثر من اي وقت مضى، أي بعد إعلان العديد من حكام الولايات الأميركية، زيادة على ما يكافئهم من أعضاء الكونجرس، رفضهم استقبال لاجئين مسلمين من سوريا، ناهيك عن دعوة أحد هؤلاء الى قبول المسيحيين فقط من لاجئي سوريا، دون سواهم! هذه ليست أميركا، كما قال الرئيس “باراك حسين أوباما”!
968 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع