د.طلعت الخضيري
ورده التوليب السوداء/الحلقه الثانيه
عاشق ورده التوليب وجاره الغيور
ترك ألخادم الأمين كراك مدينه لاهاي ، مسرعا بفرسه نحوهدفه وهو مدينه دوردخت ، لإيصال رساله سيده كورنيل ، دون أن يعلم بمقتله وأخيه ، وبعد أن ابتعد عن المدينه بمسافه كافيه ، فضل ترك فرسه ، ليركب إحدى سفن القنوات لتصله إلى هدفه ، دون أن يلتفت إليه أحد ، وأخيرا لاحت له مدينه دوردخت من بعيد , وحولها طواحين الهواء البيضاء ، ثم ظهر له هدفه،أي منزل السيد كورنيليوس فان بيرل .
عاشق ورده التوليب
كان والد كورنيليوس أحد كبار ألتجار في هولندا، وحصل على ثروه طائله ،تركها لولده كورنيليوس ،الذي جرب حضه أولا في القوه البحريه لبلده ، وخاض معركه سفن أغرق وقتل خلالها الكثيرون ، مما أدى إلى نفوره من ذلك المسلك ، ولم تستهويه ألتجاره كما استهوت أباه ، وورث وارد شهري من النقود الذهبيه مكنته من العيش الرغيد ، ثم بدأ لديه ألإهتمام بزراعه الورود وأخص منها ورده حديثه العهد ، أدخلت من الشرق ، وانتعشت زراعتها في البرتغال وهولنده وهي ورده التوليب ، فصار بيته وحدائقه كخليه النحل ، في زراعتها وتحسين أصنافها ، واستطاع أن ينتج منها خمسه أصناف جديده ، نالت جوائز كبرى في عده معارض ،واستمر في البحث عن ألوان جديده لها ، يساعده في ذلك خدم ألمنزل .
ألجار الغيور
كان هناك دار ملاصقه لدار صاحبنا ، يسكنه رجل إسمه إسحاق بوكستل ، ملأت الغيره قلبه ، ولم تكن له ثرو ه جاره ، وحاول زراعه التوليب وتحسينها كما يفعل ألآخر بدون جدوى ، وزاد الطين بله أن كورنيليوس وسع بناء داره في الطابقين منه ، لتوسيع نشاطه الزراعي ، مما أوحى لجاره أن ذلك قد أفسد عليه نمو أوراده.
وأخذ يتلصلص على دارجاره ، وانتهى به المطاف شراء منظار مقرب ، ليرى بواسطته ما يدور في دار الجار ، ا لذي كانت واجهته عباره عن نوافذ زجاجيه شفافه ، وغرفه تضاء ليلا ، مما سهل عليه ألمراقبه ليلا ونهارا.
سوء حظ ألرجل السعيد
لنرجع قليلا إلى شهر جنوري سنه 1672 عندما زار السياسي المخضرم كورنيل فان ويت مدينته دوردخت ، واستقبله أهلها بكل حفاوه وترحاب , وفي مساء وصوله إليها، زار قريبه الشاب كورنيليوس فان بيرل ، والذي كان يكن له من المحبه والود كما يكن ذلك الأب لأبنه ، وتجمع جمع من الفضولويون حول المنزل ، لمشاهده ألزائر ألمشهور ، وأدى ذلك إلى حدوث ضوضاء نبهت الجار بوكستل ‘ وعندما علم بما يجري ، توجه إلى غرفته التي حوت على المنظار المكبر ليراقب ما يجري في منزل جاره ، وسهل له ذلك إضائه المنزل ليلا ، أما الضيف فقد زار غرف ألمنزل ليتفرج على ورود التوليب بألوانها المختلفه و التي وزعها كورنيليوس في جميع الغرف لتنجوا من برد الشتاء القارس ، خارج المنزل.
تجول الإثنان في غرف المنزل ، وكان صاحب المنزل يشرح لقريبه ألألوان ألجديده التي استطاع أن يهجن بها تلك الورده الجميله ، وأن طموحه هوالوصول لتهجين تلك الورده للحصول على ورده تولب سوداء ، والتي عرضت مدينه هارلم جائزه قدرها مائه الف فلوران ، لمن يستطيع الحصول على ذلك اللون ، ألذي لم يكتشف بعد ، وفكر هو إذا حصل على تلك الجائزه ،فسوف يوزع المبلغ على فقراء المدينه .
وبعد أن طافوا بأرجاء المنزل ، طلب منه ألضيف أن ينفرد به لأمر هام ، وكان لدى صاحب المنزل غرفه خاصه به ، لا يدخلها أحد من الخدم ، عدا إمرأه واجبها التنظيف ، وسماها غرفه التنشيف , وسر ذلك أنه يحتفظ بداخلها على أندر أبصال التوليب ويعتني بها عنايه خاصه للحفاظ على أبصال التوليب في مكان دافىء وجاف .
ويضع الأبصال في دواليب خاصه ،ليمنع عنها رطوبه الجو أو البرد ، فقاد كورنيليس ظيفه إلى تلك الغرفه ألمنعزله ، حاملا شمعه صغيره ، حينذ أعطى كورنيل فان ويت قريبه ،صندوق صغير، إحتوى على ملفات من الورق ، وطلب منه أن يخفيه دون أن يكشف له ماهيته ، وألح عليه أن لا يسلمه إلى أحد إلا بطلب خطي منه ، ولم يفت ما جرى جاره بوكستل، وكان يراقب كل ما يحدث بمنظاره المكبر، وقد استنتج أن تلك الوديعه لم تكن إلا وثائق سياسيه مهمه ، لذا فقد ضمر الشر لجاره ، وأن يستثمر ماشاهده لإيذائه عندما تسنح له ألفرصه المناسبه.
وصول ألخادم كراك والكارثه
لقد وجدت أخيرا ورده التوليب السوداء ،هذا ما كان يردده لنفسه كورنيليوس وهو جالس في غرفته المنعزله ، وأمامه منظده وضع عليها بصله التوليب التي ضنها هي هدفه الذي سعى اليه ، وبعد ذلك أخذ بتقطيعها إلى ثلاثه قطع سميت الحصاه ، وهو يحلم بالجائزه الكبرى التي قرر أخيرا إعطاء نصفها لفقراء المدينه والأحتفاظ بالنصف الاخر لمصاريف الأبحاث في ذلك المجال الذي كرس حياته كلها له.
وتفاجىء بسماع جرس الباب يرن بشده على غير العاده ، وإذا بالخادمه تدخل الغرفه ، التي منع جميع الخدم من الدخول إليها ، فيستغرب الرجل ذلك ولكنها تبادره بالكلام
- سيدي ، إن هناك رسول قادم من لاهاي، يصر على مقابلتكحالا لأمرهام.
- فلينتظر إذا.
وسمع صوتا يقول له
- لا لن أستطيع الإنتظار.
ولم يكن المتطفل إلا السيد كراكر خادم كورنيل فان ويت ، وقد بانت على ملامحه الخوف والرعب ، وقد تفاجأ العالم وكان ممسكا بالقطع الثلاثه لبصله التولب السوداء ، ورفع يداه متعجبا فتناثرت قطعتين منها على الأرض ، وقفز العالم ليجمعها من جديد من على الأرض قائلا :
- ما بك يا كراك؟ وتكلم وهو منحني على الأرض ليجمع أقسام البصله الثلاثه .
وصاح كراك ( أهرب أهرب ياسيدي)
- ولماذا أهرب؟
- إن المنزل محاصر بكثير من رجال الأمن.
- وما ذا يريدون؟
- إنهم يفتشون عنك.
- لماذا ؟
- إنهم يريدون اعتقالك.
- يريدون اعتقالي ؟
- نعم ومعهم أحد القضاه.
- ما معنى ذلك؟ تكلم وهو يضم الحصاه الثلاثه للتوليب بين يديه ، بينما هرب الخادم كراك إلى خارج الغرفه ، تاركا الرساله التي أحضرها ، و التي كتبت على ورقه الكتاب المقدس ، على المضده , وصاحت الخادمه المسكينه ( إنهم يصعدون السلم ياسيدي).
وهنا دخلت سيده عجوز كانت مرضعته في طفولته صائحه ( إهرب إهرب وخذ معك نقودك ومجوهراتك.) فأجابها (وكيف أستطيع أن أهرب وأنا في الطابق الثاني من المنزل) وقرر أن يخفي أعز ما لديه وهي القطع الثلاثه للبصله ، فلم يجد أمامه على المنضده إلا الورقه المنزوعه من الكتاب المقدس والتي لم يقرأها بعد ، والتي كتب عليها قريبه كورنيل فان ويت الرساله التي وجهها له ، والتي تركها الخادم كراك على المنضده ، قبل أن يفر من ا لغرفه ، ولم ينتبه إليها كورنيليوس، حيث كان مشغولا للبحث عن حصى التولب التي تناثرت على أرض الغرفه كما أسلفنا. ولم يعلم من أين أتت تلك الورقه ، فلف قطع بصله التوليب الثلاثه بها وأخفاها بين ملابسه.
ودخل القاضي سبينن وسأل ألسؤال المعتاد
- هل أنت الدكتور كورنيليوس فان بيرل؟
- نعم أنا هو وأنك تعرفني جيدا .
- إذا أطلب منك أن تسلمني ما أخفيته من وثائق تمس بأمن الدوله.
ولم تكن تلك الدوله ، إلا دوله الأمير وليم أورانج ، بعد إسقاط ألحكم الجمهوري الذي كان أقرباء كورنيليوس الأخوه فان ويت من أهم حكامه.
وأردف كورنيليوس - أنا لا أفهم ما تعنيه سيدي القاضي.
ولم يجب القاضي وإنما مد يده إلى أحد الأدراج وأخرج منهاالوثائق التي سبق أن عهدها لدى المسكين قريبه , وصاح القاضي
- إذا كان ألمخبر على حق بإرشادنا إلى موقع الوثائق ،إنك متهم بالخيانه العظمى والتآمر على سلامه البلاد.
واقتيد الرجل البرييء إلى عربه سوداء ، أسرعت به خلال الليل إلى مدينه لاهاي ،وأودع في السجن ، وتشكلت محكمه لمحاكمته صباح اليوم التالي.
محاوله سرقه
في صباح ذلك اليوم ألذي ذكرنا أحداثه ، تضاهر الجار بوكستل بالمرض ,وانتظر دخول الخادم عليه ، بعد أن سمع الضوضاء في دار جاره كما ذكرنا، وكان ينتظر ذلك بما أنه هوالواشي على جاره ، وعندما حضر الخادم ليخبره يما كان يحصل في الدار المجاور ،تضاهر بالإستغراب ،وبقى ملازما فراشه لعده ساعات ،
ولم يتركه حلمه على الإستحواذ على بصله الورده السوداء لينال المكافئه الماليه التي حددتها مديه هارلم ، وسبق له أن سمع قبل يوم واحد جاره ،عندما كان يتفحص أوراق بصله التولب في ركن حديقته ، وهو يصيح من الفرح ( نعم وجدتها أنها التولب السوداء) لذا فقد عزم بعد اعتقال الجار أن يستحوذ على تلك الورده وينال الجائزه.
وانتظر حلول المساء ، وقد استنتج أن الخدم بعد اعتقال سيدهم سيكونون في شغل شاغل عن الأعتناء بورود الحديقه ، لذا أحضر سلما وتسلق عليه ، ثم تحول إلى حديقه جاره ليفاجأ أن لا وجود للنبته التي ذكرناها ، ويجد أن التربه قد نبشت ، مما يدل على أن جاره قد قلع النبته ، وعلى كل تقدير أنه أحتفظ بها في غرفته ألمنعزله التي كان هو دوما يراقبها بواسطه المنظار المكبر، وانتهى به المطاف أن جلب سلم آخر أطول ، وتسلق نحو غرفه تجفيف النباتات المنعزله بمنزل جاره،ومن حسن حظه أن وجد الشباك غير مغلق ، فدخل الغرفه وبدأ يبحث عن البصله بدون جدوى وقد جن جنونه ، وأخيرا أستنتتج أن جاره قد استطاع أن يخبأ البصله بين ملابسه ، أي أن البصله توجد معه الآن في سجن مدينه لاهاي ، لذا أخذ يرسم الخطه للإستحواذ عليها هناك ، وسلبها من مالكها .
للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى:
http://www.algardenia.com/maqalat/20256-2015-11-22-13-06-23.html
383 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع