إبراهيم الزبيدي
مع الإقرار بأن السلطة الحاكمة في كردستان العراق لم تأمر مواطنيها بحرق العلم العراقي وشتم العراقيين دون التمييز بين قادة السلطة الحاكمة المغضوب عليهم شعبيا، والمدفوعين بمصالحهم الخاصة إلى معاداة (س) تارة، و(ص) تارة أخرى، وبين مواطنين عراقيين آخرين مسحوقين، بسطاء، طيبين، لا مصلحة لهم، ولا سوابق تاريخية في معاداة أحد من أبناء هذا الوطن الذي بقي واحدا، لحد الآن، وذلك سبب بسيط هو أن أحلام المهمَّشين والمستغَّلين والمظلومين واحدة، وأحزانهم هي الأخرى واحدة، في غياب العدالة، وفقدان التكافل الاجتماعي، وضياع النزاهة، وتشقق الهوية الوطنية، وتعثر سلطة القانون التي جعلها السياسيون حزام أمان لهم ولأتباعهم في الشدائد المباغتة.
وهنا لابد من التذكير بأن العداوة بين جماعة (التحالف الوطني) الحاكم في بغداد وبين الحزبين الكورديين ولدت أيام نوري المالكي، وتفجرت في سنجار التي تحررت من داعش، مؤخرا، بعد تحالف متين يعود تاريخه إلى ما قبل غزو صدام للكويت 1990.
والحقيقة أن حادثة حرق العلم العراقي لم تأت من فراغ. بل هي نتيجة لسلوك متعصبين متشددين من الطرفين. ولكن الذي عمقها ورسخها في نفوس المواطنين الكورد هو ما دأبت النخبة السياسية الكوردية على ضخه في الشارع الكوردي من كراهية للمكونات الأخرى، وتحميل عرب العراق، جميعا، جريرة ما أسموه بـ (المظلومية) التي تاجر بها فريق من السياسيين الكورد على مدى عشرات السنين، والتي بدونها ما كانوا ليصبحوا من أصحاب الفخامة والسيادة والمعالي.
والحديث عن هذه (المظلومية) طويل وذو شجون ينبغي لمن يخوض فيه أن يكون منصفا وموضوعيا فلا يغضُّ طرفه عن حقائق التاريخ المحزنة، فيتجاهل أهم العوامل التي دفعت أنظمة الحكم المتعاقبة في بغداد إلى استخدام القوة ضد (بعض) الشعب الكوردي العراقي، بمشاركة فريق آخر من الشعب الكوردي نفسِه وجد مصالحه مع الحكومة المركزية في بغداد.
فإن كان يؤمن بأن وطنه العراق، ثم يقبل مدفوعا بجوعه للسلطة والجاه والمال، بحمل السلاح مع جيوش أجنبية تناصب وطنه العداء، مهما كانت معارضته لنظام الحكم فيه، فلن يكون في منأى من الحكم بخيانته العظمى للوطن. أما إذا كان متحللا من مواطنته العراقية ويحارب دولة عدوة اسمها العراق لحساب دولة حليفة اسمها إيران أو إسرائيل فعليه أن يكف عن حديثه المتناقض عن الحقوق.
ولا يُنكر أن هؤلاء السياسيين الكورد خدعوا شعبهم وأوهموا كثيرين من أبنائه بأن قتالهم مع شاه إيران، ثم مع الخميني، وعلاقاتهم بيهود إسرائيل، هو انتفاضة ضد الديكتاتورية، ودفاع عنهم، وعن حقوقهم القومية العليا، وسعيٌ لتحقيق العدالة والحرية والازدهار. وقد رأينا ولمسنا أيَّ نوع من الحكم أقام حزب السيد مسعود البرزاني وحزب السيد جلال الطالباني الذي لا يريد أن يفك ارتباطه بإيران، بأي سبب، وبأية ظروف، رغم أن رئاسة جمهورية العراق حصتُه التي لا يتنازل عنها لأحد.
فأية مصالحة يمكن أن يحققها الرئيس فؤاد معصوم في العراق في ظل هذا الكم الخاتق من السدود والحدود والقيود بين مكونات الشعب العراقي، والتي يتحمل المسؤولية الكاملة عن وجودها وتعميقها التحالفُ الذي قام بين أحزاب المعسكر الإيراني العراقي وبين حزب كاكا مسعود، وحزب مام جلال؟ . (بالمناسبة. رئيس الجمهورية العراقية هو أحد القياديين الكبار فيه).
وعلى ذلك فإن إصرار الرئيس، ومعه نائبه المقال أياد علاوي ورئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، على تدوير اسطوانة المصالحة الوطنية، وإغداق الملايين من الدولارات عليها والخرينة العراقية في أسوأ حالاتها، لن يصبح إلا عبثا وحديثا عن السلاطين.
فأية مصالحة وطنية يمكن تحقيقها؟ ومَن هو المختلف مع مَن لكي تسعى الرئاسات الثلاث إلى جمعهما وتحقيق المصافحة بينهما، فيتوقف القتل والنهب وتفجير المفخخات، وتستعيد الخزينة عافيتها وتمتليء بأكوام الدولارات، من جديد؟
فمن أيام المعارضة العراقية السابقة، وقبل سقوط نظام صدام حسين بأكثر من عشر سنوات، قال المعارضون الوطنيون المستقلون، وهم كثر، إذا كان الذين (يتشرفون) بالعمالة لأمريكا وإيران وسوريا، وأصبحوا حلفاءها المؤتمنين، ويتباهون بتبعيتهم تلك، وكسبوا وجاهتهم وتسلطهم على مؤتمرات المعارضة بأموالها ودعمها السياسي، يتقاتلون، وهم خارج السلطة، بالبيانات، والمؤامرات والحكايات الملفقة، ألن يتقاتلوا، لو استلموا الحكم، بالجيوش والمليشيات والاختلاسات والاحتلالات، تنفيذا لأجندات المخابرات الأجنبية التي حملتهم في بطونها سنوات، وأنفقت عليهم الملايين من الدولارات، ولن يكون في دولتهم للشعب العراقي من نصيب. ألم يقع الذي كان متوقعا، بل الأسوأ منه بكثير؟
حسنا. سوف نؤيد المصالحة، ونبارك جهود كاكا فؤاد، ولكن بشرط ألا تكون تلك المصالحة مصافحةً بين زعيم وزعيم، رئيس ورئيس، وزير ووزير، قائد مليشيا وقائد مليشيا، مختلس ملايين ومليارات ومختلس ملايين ومليارات، فيؤخذ من نصيب هذا لترضية ذاك، وتسحب هذه الوزارة من هذا الحزب وتهدى لحزب غيره. فنحن نريدها مصالحة صادقة وجادة وحقيقية بين الشعب العراقي والشعب العراقي نفسه. فإذا كان كاكا فؤاد، ومعه زملاؤه دعاة المصالحة، وهم أصحب السلطة والقوة والقرار، راغبين قولا وعملا ونوايا في المصالحة فليتكرموا ويتعطفوا ويأمروا بتحقيق هذه الأمور التي بدونها لن تكون المصالحة إلا نوعا من الكلام الفاضي الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع:
-إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين والأسرى والمحتجزين.
-السماح بعودة جميع المعارضين المقيمين خارج الوطن، وإسقاط جميع الأحكام المتخذة ضدهم.
-تمويل وتسهيل عودة جميع المهجرين.
-تعويض المتضررين عن كل ما أصابهم، من أول أيام الغزو الأمريكي إلى أيام مجلس الحكم ثم رئيس وزراء نقل السيادة أياد علاوي، فنوري المالكي وحيدر العبادي، وحزب مام جلال وكاكا مسعود، وقاسم سليماني ووكلائه العراقيين.
-إعادة كل من تم إسكانه، بالقوة، ولأغراض التغيير القسري للتكوين الديمغرافي في مدن وقرى ومناطق ومحافظات الوطن، شرقه وغربه، جنوبه وشماله.
-سحب سلاح المليشيات، وترشيد عمل الأجهزة الأمنية والمخابراتية، والاستعانة بقوات دولية محايدة لحفظ الأمن لحين إجراء انتخابات جديدة، واختيار حكومة منتخبة.
-إغلاق جميع المساجد والحسينيات التي ثبت بالأدلة والوقائع المؤكدة أنها بؤرٌ تقوم بتجهيل المواطنين، وتضليلهم، ونشر الخرافات والتلفيقات، وترويج لأحقاد.
-منع الحكومة من الإنفاق على الشعائر الدينية، لكل الطوائف والأديان، وعدم تعطيل دوائر الدولة في المناسبات الدينية، واعتبار من يتغيب عن عمله بسبب المشاركة في هذه الاحتفالات والطقوس مقصرا يتحمل نصيبه من العقاب.
-منع تدريس حوادث التاريخية الخلافية في جميع مراحل الدراسة، ومعاقبة من يخالف ذلك، وخاصة من يسفه عقائد الآخرين ومقدساتهم.
-ترشيد الإعلام العراقي، ووضع قوانين مشددة تعاقب الفضائيات والإذاعات والصحف على أي نوع من أنواع التحريض على العنف والكراهية، وتعميق الاختلافات الطائفية والقومية والدينية بين العراقيين.
- إحالة جميع أصحاب الشهادات المزورة، والحكم عليهم بإعادة ما أخذوه من المال العام بتلك الشهادات، وبأثر رجعي.
-وضع أنظمة ولوائح محكمة واضحة لتعيين الموظفين، وتحديد سلم رواتبهم.
-إلزام الوزراء والنواب السابقين بإعادة الأموال التي صرفت لهم كتعويضات ورواتب تقاعدية، من العام 2003 وإلى اليوم، وتحديد رواتب الدرجات الخاصة ومكافآت أصحابها.
- مطالبة حكومات الدول الشقيقة والصديقة، بعد إصلاح العلاقة معها، بتزويد الحكومة العراقية بكشوف أملاك المواطنين العراقيين، واموالهم في مصارفها ومؤسساتها المالية كافة
-أعادة تقييم ظروف تعيين أقارب الرؤساء الثلاثة والوزراء والمدراء، وطرد من يثبت أن تعيينه تم مجاملة أو تنفيعا، وبدون استحقاق، من عام 2003 وإلى اليوم.
-إلغاء جميع العقود التجارية والعسكرية والصناعية التي وقعها وزراء مشكوك في نزاهتهم، لحين قيام الحكومة الجديدة بتدقيقها وإقرارها.
- تنظيم العلاقة الإدارية والاقتصادية والأمنية والعسكرية بين حكومة المركز والإقليم والمحافظات، وحصر العلاقة بالعالم الخارجي بالدولة ومؤسساتها.
-محاكمة أي مسؤول، كبيرا كان أو صغيرا، ثبت عليه جرم من أي نوع، سواء كان اختلاسا أو إساءة استخدام سلطة أو تآمر أو تسهيل احتلال أو تهجير مواطنين أو اعتقال آخرين بدون حق.
-الأمر باستعادة قطع الأراضي والمباني العامة التي احتله حزب أو زعيم تنظيم أو رئيس مليشيا، أو أهداها رئيس أو وزير.
- وقف ضخ النفط من جميع موانيء العراق، مؤقتا، إلى أن يتم تعيين مسؤولين آخرين من أصحاب الخبرة والكفاة والنزاهة.
-السماح بإجراء تحقيق شامل مع عناصر المخابرات والجيش والأمن والمليشيات حول ما نسب إليهم من جرائم خطف وقتل ونهب واغتصاب، على مدى السنوات العشر الماضية، وخصوصا في المدن والقرى التي تم تحريرها من داعش.
- توقف الرئاسات الثلاث عن الانفراد باستخدام أجهزة الإعلام، والكف عن تهديد دول الجوار، وشتم حكامها.
- وأخيرا، منع السفراء والقناصل العرب والعجم والأجانب من الابتعاد عن مقرات عملهم بأكثر من خمسة كيلو مترات في فترة الانتخابات الجديدة.
- وأخيرا إجراء انتخابات حرة نزيهة، وبإشراف دولي حقيقي، لانتخاب قيادة، والإقرار بنتائجها.
..........................
فهل هذا ممكن... كاكا فؤاد؟؟
1727 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع