هل تكمن محركات التاريخ في حبة القمح؟

                                                           

                                   أ.د. محمد الدعمي

يميل النوع الآدمي إلى مواشجة التغير والتحقيب التاريخي بالأحداث الرئيسة، مثل الحروب وظهور الحركات والأديان، أو إلى مواشجته بالشواخص الفردية، من نوع ظهور عبقريات أو إرادات فردية عظمى قلبت مسارات التاريخ كشخصية الرسول الكريم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)، أو شخصيات فلاسفة كبار وقادة مبرزين، من بين سواها من الشواخص التي تزدحم بها تواريخنا المتاحة. بيد أن أحدًا لم يفكر بإضافة “عامل الغذاء” كمحرك أساس في صناعة التاريخ وفي تشكيل منعطفاته.

للمرء أن يلاحظ هذا وهو يستذكر الوقت الذي كان يقرأ كانت فيه تواريخنا المدرسية، وهي تتحدث عن انتشار التصحر والقحط عبر أواسط جزيرة العرب (باعتبارها الموطن الأصلي للأقوام السامية) وتسببهما بانطلاق الهجرات السامية الكبيرة من الجزيرة شمالًا نحو بلاد الرافدين أو بلاد الشام سعيًا وراء الأراضي المروية أو الوفيرة الأمطار، كي يفعّل الإنسان ساعده وعقله على الأرض الخصبة كي يحيا من أرزاق وأنعام ما يزرع ويربي.
وحسب محدودية تفكيرنا، صغارًا، لم نكن نصدق أن شعوبًا سامية بكاملها كالأكديين والكلدانيين والآراميين والأموريين والفينيقيين والكنعانيين والآشوريين تهجر مواطنها الأصلية في جزيرة العرب بسبب الجدب وما يليه من مجاعات. إلا أن الذي حدث في تلك الحقب الغائرة بالقدم يمكن أن يحدث من جديد في حقبتنا الجارية، نظرًا لتغيرات مناخية موازية تشهدها الكرة الأرضية الآن. لهذه الأسباب يشعر علماء البيئة بمخاطر التغيرات المناخية على نحو أكثر دقة مما يشعر به عامة الناس العاديين، لأن الفريق الأول يدرك جيدًا أن التاريخ، بما يحمله في طياته من حروب وانقلابات، إنما هو من صناعة الجوع. لذا هم يخشون الانفجارات السكانية في دول كالصين والهند، كوريا واليابان، من بين سواها، لأن آثارها قد تفوق آثار القنابل الذرية. “الجوع كافر” كما يقال؛ لذا يؤسس العلماء ومختصو البيئة اهتمامهم وتحذيراتهم للحكومات وللبشرية عامة، على الخوف من حدوث تغيرات جذرية على الغلاف الجوي والبيئي للأرض، الأمر الذي قد يقلب الحياة على هذا الكوكب المزدحم رأسًا على عقب عبر انقلابات سكانية لا يمكن السيطرة عليها، لا بالجيوش ولا بالتعليمات والمؤتمرات والتوصيات. بل إن بعضهم ينحي الآن بلائمة ظهور الشبكات الإرهابية الآن، كالقاعدة و”داعش” و”الدولة الإسلامية”، على ذات التغيرات المناخية التي تؤدي، من بين ما تؤدي إليه، إلى انحسار مساحات الأراضي الصالحة للزراعة، الأمر الذي يجعل الأقوام المعتمدة عليها للغذاء إلى المعاناة، ثم إلى البحث عن أراضٍ خصبة جديدة، كما يحدث الآن ومنذ سنوات عدة في ولاية كاليفورنيا (الولاية الذهبية) التي لم تزل تعاني من جفاف فظيع درجة موت مساحات هائلة من مزارع الإنتاج الواسع التي كانت الولايات المتحدة برمتها تعتمد عليها، للغذاء أو للصناعات والتجارة، من بين سواها من الأنشطة الاقتصادية. هم يذهبون بعيدًا حد توقع ظهور شبكات إرهابية أخرى، سوى المعروفة لدينا في العالم الإسلامي اليوم بسبب وطأة التغير المناخي على مساحات الأراضي المزروعة أو القابلة للفلاحة، ناهيك عن إشكالية تواشج “الأمن الغذائي” بما يمكن أن نطلق عليه تعبير “الأمن المائي”، باعتبار استحالة إنتاج الغذاء بدون توفر المياه الصالحة لسقاية المزروعات. من هنا ينبع الخوف من يوم تكون فيه الدول المنتجة للنفط، درجة صعود معادلة “الماء مقابل النفط” بحاجة ماسة للمياه، بديلًا عن “النفط مقابل الغذاء” في آنِ منظور.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

980 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع