الطالبة والمُدرسة .... (الجزء الاول)

                                                                        

                                     بدري نوئيل يوسف ـ السويد

حدثني صديقي الشيخ في احدى الامسيات أن حفيدته وهي طالبة في الصف الخامس الاعدادي عادت من المدرسة في أحد الايام ورمت حقيبتها المدرسية في زاوية الغرفة وجلست حزينة تبكي . قال لي : سألتها عن السبب ، أجابت بنبرة باكية والغصة في حنجرتها أنها قررت عدم الذهاب الى المدرسة بعد اليوم ، وبعد الإلحاح والطلب منها أن ترد على السؤال ، قالت : مُدرسة اللغة العربية طلبت من الطالبات ان يكتبوا انشاء عن الفقر والفقراء ، وبعدما قدمت شرحا عن الفقر رفعت اصبعي وقلت لها : أستاذة لا يوجد فقر . وبدون فهم ما اقول وأكمل حديثي غضبت المُدرسة وصاحت بصوت عالي لا اسمح لكِ بدخول الصف حتى تثبتي لي كيف لا يوجد فقر .

قلت للشيخ مستغربا : أنا مع المُدرسة لان الفقر مشكلة عالمية ولا يخلو مجتمع من الفقراء والمحرومون من الحدود الدنيا لفرص العيش الكريم ، والفقراء يقدرون بخمس سكان العالم ، ونجد الفقر في الدول المتقدمة بالإضافة الى دول العالم الثالث وله ظواهر خطيرة على المجتمع والفرد . شرائح كثيرة من المجتمع العراقي تعاني من ويلات الفقر ، هل سألتَ حفيدتك عن سبب جوابها ان الفقر غير موجود ؟
أجاب الشيخ : نعم سألتها وتناقشنا بهدوء وفهمتُ منها ماذا كانت تقصد ، واستمر الشيخ بالحديث قائلا : في صباح اليوم التالي ذهبت بصحبة حفيدتي الى المدرسة وقابلت المُدرسة ودارنا بينا نقاش ساخن وكان مزاجها حاد ومتوتر في ذلك اليوم ، سألتها مازحا : يا استاذة أنتِ فهمتي ما تقصده هذه الشابة من أن الفقر غير موجود ، ببساطة كان عليك أن تسمعي ما تقول ثم تهدديها بالطرد من الصف .
ردت المُدرسة بعصبية موجهة سؤالها لحفيدتي : تفضلي يا باحثة اجتماعية سمعينا ماذا كنت تقصدين من أن الفقر غير موجود . قالت حفيدتي وقد احمر وجهها خجلا وخوف : إذا كان العراق بلد غني اذن ليس هناك فقر .
وقفت المُدرسة منفعلة ورفعت صوتها قائلة : وهؤلاء الفقراء المتسكعون في الشوارع والطرقات وبيوت الصفيح والعوائل التي ليس لها مورد رزق ، وهؤلاء ذو الدخل المحدود الذين لن يقدروا أن يتذوقوا اللحم حتى في الاعياد .
أجابت حفيدتي بنبرة هادئة : استاذة لو استفادت الحكومة من ثرواتها لما بقى فقير .
امسكت المُدرسة ياقة قميص حفيدتي تهزها قائلة بعصبية : اصبحتِ تتكلمين بالسياسة والثروات ، تفضلوا يا معلمات اسمعوا ما تقوله طالبة في الخامس الاعدادي .
تجمع بعض المعلمات المتواجدات في الغرفة حولنا و سمعنا اراء مختلفة  منهن ، وأخيرا قلت لها : استاذة هل تريدين أن تسمعي مني شيئا عن الفقر ،  قالت المُدرسة  تفضل يا شيخ ماذا تريد أن تقول .
قلت له : تعاقبت على العراق الكثير من الحكومات والأنظمة الحاكمة ولسنوات وعقود ، التي جاءت للحكم بطرق مختلفة للسلطة ، دخلت الانظمة الحاكمة على مر التاريخ بحروب دولية وصراعات داخلية ونزاعات اثنية ، هذه الحروب اغرقت البلد في مديونية كبيرة وأصبح الاقتصاد في حالة انحدار ، والكارثة الاقتصادية جاءت نتيجة الحصار الذي دام أثنتا عشر سنة ، وكانت البنى التحتية للبلد هشة رافقتها سياسات خاطئة ، وقع المجتمع في اقسى أنواع الفقر والحرمان والجوع هذه الاسباب أدت الى ظهور مظاهر الفقر ، مع العلم أن العراق يمتلك احتياطي نفطي كبير تؤهله للوصول الى الدول الغنية في حال استثمار النفط بالشكل المطلوب ، وخلال السنوات الاخيرة تردى الوضع الامني واضطراب الحركة السياسية للكيانات الحاكمة ، ومظاهر الفساد بشتى أنواعه واستشرائه في أغلب مرافق الدولة ، كل هذه الاسباب لم تساهم في نجاع القضاء على الفقر  وإصلاح أخطاء الماضي .
ردت المُدرسة مبتسمة : من خلال حديثك اعترفت أن الفقر موجود وتضع اللوم على الحكومات .
أجبت :يا استاذة تعلمين أن انخفاض دخل الفرد اليومي يرافقه النقص في توفير ما تحتاجه الاسرة من ملبس ومأكل ومسكن بالإضافة الى المستلزمات التعليمة والصحية ، وهناك علاقة بين الفقر والفساد الذي يكون احد المسببات المساعدة على انتشاره الفقر ، فقد ازدادت ظاهرة الفساد في البلد بشكل مخيف وأصبح للفساد بنود في الموازنة ويأخذ موظفو الدولة حصتهم من الشركات أو المقاولون وظاهرة الاعتداء على المال العام وسرقته واستغلال المنصب من قبل المسئولين لتحقيق مصالحهم الشخصية بطرق شتى منها عمليات تزوير والغش وتبيض العملة والرشوة ، لان هؤلاء المسئولين يميلون الى زيادة دخلهم الشهري بأي طريقة كانت ولهذا ينعكس الفساد سلبا على المجتمع ، وليس هناك رادع قوي من قبل الحكومة يضع حداً للفاسدين.
تدخلت في الحوار احدى المدرسات الواقفات حولنا وقالت : يا شيخنا الجليل اصبحنا نعاني من مظاهر الفقر التي تفتك بالناس ، والعائلة الفقيرة تعاني من عدم حصولها على ما تحتاجه لاستمرار الحياة ، فأين الماء الصالح للشرب ، وصعوبة الحصول على المواد الغذائية ، وعدم اقتدار العائلة للعلاج وشراء الدواء بالإضافة الى امور اخرى تحتاجها العائلة من الطاقة الكهربائية والوقود والتقنية الحديثة التي اصبحت شريان الحياة وفرضت على المجتمع وغيرها من المستلزمات التي يحتاجها الفرد من وسائل الراحة والترفيه في كثير من المجالات ، وأصبح الفقر احد المسببات للمشاكل التي يعاني منها المجتمع ، فتدني دخل العائلة ادى الى حرمان الالاف من الاطفال من دفع تكاليف الدراسة وتدني المستوى التعلمي للفرد ، هذه الظاهرة ادت الى ابتعاد الاطفال عن مجال التعليم والانخراط في العمل مما ادى الى انتشار عمالة الأطفال ، والمجتمع اليوم يعاني الكثير من الامراض الاجتماعية منها الاختطاف التي يجني منها ورائها الخاطفون الحصول على المال ، و انتشار مظاهر الجريمة المتمثلة بالسرقة والقتل وترويج المخدرات وجنوح الاحداث وعمليات الغش والتزوير في الانتاج التجاري والصناعي والزراعي وقلة الراتب الشهري وزيادة الاسعار وجشع التجار.
ردت عليها حفيدتي قائلة : نعم استاذة أنت تثبتين بانعدام قدرة الفرد للحصول على الخدمات الأساسية سببه الحكومة التي لا تقدر على ادارة المؤسسات وهذا الذي قلتيه كله ناتج من الفساد وهو السبب الرئيسي للفقر .
نكمل الحوار في الجزء الثاني

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

785 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع