سالم ايليا
قال الفيلسوف الهولندي/ البرتغالي الأصل (1632-1677م) باروخ سبينوزا:
"إن القوانين التي تلجم الأفواه وتحطم الأقلام تهدم نفسها بنفسها" .
لا يخلتف إثنان على القول من ان اصحاب الفنون والأدب والإعلام قد واكبوا تظاهرات الشعب منذ انطلاقها في السابع من آب الماضي ولحد الآن، فالجميع في سباق لرفد الثورة المدنية بالكلمة والأغنية والأهزوجة والشعر، إذ زادت فعالياتهم من حماس الجماهير المنتفضة على الفساد وادواته مؤكدة رفضها لديماغوجية ودوغماتية (دوغمائية) السياسيين المنتميين للأحزاب الدينية، وحيثُ ان جميع هذه الفعاليات تعبّر عن اعلى درجات الإحساس الإنساني والتفاعل الوجداني مع المحيط الوطني وبأجمل صوره، نرى في الجانب الآخر ركود السياسيين وتخبطهم بمحاولة التملص من مسؤولياتهم تارة أو الإعتراف الصريح بفشلهم تارة أخرى.
فما ان اندلعت الشرارة الأولى للغضب العراقي حتى تسابق المطربون والمنشدون الى تسجيل أغانيهم وأناشيدهم الحماسية وعلى نفقتهم الخاصة وارسلوها الى القنوات الفضائية او نشروها في حساباتهم وعلى مواقعهم في الشبكة العنكبوتية لبث روح التحدي وتعزيز الحراك الشعبي وادامة زخمه.
كذلك فعل الشئ ذاته الشعراء واصحاب الأدب والقلم من الأدباء والكتّاب والصحفيين فراحوا يضخون المواقع الألكترونية والقنوات الفضائية بسيلٍ من المقالات والأشعار التي أججت مشاعر المتظاهرين واعطتهم الزخم والدعم اللوجستي للمطاولة والصمود.
وقد تجلى هذا التلاحم بمشاركة الشريان الرئيسي لتلك الفعاليات من دور نشر وقنوات فضائية ومواقع أعلامية الكترونية حتى من كان منها محسوباً على الحكومة واتباعها، حيثُ ارغمتها قوة الإنتفاضة بعفويتها على الإعتراف بتأثيرها على الرغم من المحاولات اللئيمة لبعض تلك القنوات في التقليل من اهمية الإنتفاضة محاولة بذلك احباط المشاعر الثورية مما حدا ببعض منتسبي تلك القنوات الى الإستقالة وترك العمل والإنضمام الى المتظاهرين (ومنها قناة العراقية الفضائية التابعة لشبكة الأعلام العراقي الشبه رسمية) فأعطوا نموذجاً رائعاً للتلاحم الشعبي بكل شرائحه وطبقاته.
لقد أثبتت السلطة الرابعة سيطرتها على الموقف وتأثيرها على السلطات الثلاثة (التشريعية، التنفيذية والقضائية) واضعة اياهم في قفص الإتهام لمحاكمتهم من قبل الشعب على الأخطاء التي ارتكبوها ضد العراق وشعبه والتي تسببت على مدار العشر سنوات الماضية في إهدار المال العام وادخال العراق في دوّامة الإقتتال الطائفي فأوصلت البلد الى حافة الإنهيار الكامل بكل مؤسساته التي تقاسمتها الأحزاب الدينية ضاربة عرض الحائط الثوابت الوطنية في ادارة تلك المؤسسات.
في ذات الوقت شاركت جموع منتسبي القنوات الإعلامية والأدبية والفنية (المتواجدين في الداخل) الشعب الثائر في ساحات التظاهر متمثلة بالمراسلين والمحررين والفنانين والشعراء والأدباء، اضافة لقرار البعض منهم للعودة الى الوطن للتواجد الميداني في قلب الإنتفاضة ومؤازرة المتظاهرين ومشاركتهم الفاعلة في تأجيج وادامة الإحتجاجات .
بقي ان أذكر بان العراق يُعتبر اخطر بلد في العالم على المراسلين الصحفيين ومن له علاقة بالإعلام بسبب مافيات الأحزاب الحاكمة، ويأتي من بعده في التسلسل العالمي المكسيك بسبب مافيات المخدرات.
تحية إجلال وتقدير لكل الفعاليات الأدبية والفنية والإعلامية التي رفدت ساحات التظاهر بالفعاليات واعطت للجماهير جرعة اضافية للمطاولة لتحقيق الأهداف التي من اجلها خرج المتظاهرون الى ساحات التظاهر والإعتصام، وتحية لشهداء الكلمة الحرّة، وهنيئاً للشعب الثائر بمناصريه من السلطة الرابعة سلطة الشعب.
1176 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع