بدري نوئيل يوسف ـ السويد
في احد الايام كنت في زيارة صديقي الشيخ الجليل في شقته الصغيرة والتي لا يغادرها الى للضرورة نتيجة تعرضه لذبحة صدرية ، كما الفته وجدته منكبا على المطالعة ، استقبلني بفرح وسرور وجلست معه في غرفة الضيوف ، لاحظت انه وضع على طاولة الغرفة مجموعة من الكتب ، منها ثلاثة اجزاء لكتاب باللغة الكردية عنوان الكتاب( سليمانى شاره گه شاوه گه م ) للسيد جمال بابان ، أي (سليمانية مدينتي الرائعة أو البهيجة ) ، اخذت الجزء الثالث اقلب بصفحاته والذي يحكي عن شخصيات كردية منها رجال دين وشعراء وأدباء ...
سألته : بما أنك تطالع هذا الكتاب الحافل بأسماء الوجوه ذو العلم والجاه والسلطان والمشاهير من اسماء الحكام والقضاة والشيوخ والشعراء ، لدي مشكلة تدور في مخيلتي واستعصت عليّ حلها وها أنت ملاذي الاخير ان احصل على جواب شافي لسؤال يشغل بالي منذ عدة سنوات ، فأرجو منك يا شيخ أن تنوري ما المقصود من ( الجاه والوجيه والوجهاء) .
ابتسم وسأل : كيف صعب عليك اجابه هذا السؤال ؟ فالقواميس تحوي تفسير للمعنى الكلمات .
أجبته : لا يخفى عليك يا شيخ اختلطت عليّ المعاني من كثرة ترددها هذه الايام اظن ان الوجهاء صنف اخر وليس من بني البشر ربما لهم ميزة تميزهم عن امثالنا نحن الضعفاء .
سأل مبتسما : كم وجيه تعرف ... بحث اختلطت عليك الامور .
اجبته مبتسما : اعرف أنه كان في العراق ممثلا كوميديا بطلاً لمسرحية الدبخّانة وهو إنسان وفنان رحمه الله اسمه
( وجيه عبد الغني ) والمسرحية قدمتها فرقة 14 تموز عام 1967 . ولكن البلد ملئت بالوجهاء والوجيه هذه الايام .
قال بهدوء :ان كنت تبحث عن المعاني خذ هذا القاموس العربي (المحيط ) وابحث عن كلمة وجيه ... تلقفت القاموس من فوق الطاولة ، بعد البحث عن الكلمة ومعناها وجد ان الوجيه جمعها وجهاء بمعنى سيد القوم ووُجُوهُ القوم : سادتهم والجاه بمعنى المنزلة والشرف وسمو المكانة .
بحلق بنظره نحو بإمعان وسأل : لماذا مستغرب ومبتسم ؟ يبدو لي انك غير مقتنع من تفسير القاموس .
قلت له : القاموس لن يخطئ لكن تستطيع ان ترشدني على وجيه تنطبق عليه هذه الاوصاف .
فهم الشيخ قصدي وما اعني بسؤالي وبدأ يستعرض بعض الوجوه والأسماء وكلما يذكر اسما يهز رأسه نافيا مرددا لا تنطبق عليه الاوصاف المدونة في القاموس ، ثم قال بجدية فهم ليسوا بتلك المنزلة والقدر . ولا يوجد وجهاء بالمعنى المتعارف عندنا ، ربما نستثني ذو الثراء المالي وهي حالة شخصية لا علاقة لها بسيادة القوم ، والمنصب الوظيفي ليس تشريف فهو تكليف مهما اختلفت درجاته الوظيفية .
عندما رآني غير مقتنع وغارقا في تأمل الاسماء قال بتوضيح : هذه الصفات الموروثة والتي اطلقت على البعض هي من بقايا الموروث الشعبي للمجتمعات القديمة ، بدوره التقليدي مازال الوجيه عند هذه المجتمعات يحاول أن يساهم في حل النزاعات القائمة بين افراد العائلة أو العشيرة من حل مشاكل الطلاق والقتل والعنف الاسري ويتدخل ويتوسط في التوظيف ولا تنتهي مهمة الوجيه فدوره يصل الى فوضى السلاح وحل المشاكل الاخلاقية والاجتماعية التي اصبحت منتشرة في البلد ، ومرات يتدخل للمطالبة بتوفير الماء والكهرباء الى قبيلته وأحياناً ينصح المسئولين ويرشدهم ، فهو الرجل الحديدي الخارق لأنه مقتنع أن يتدخل في كافة الشؤون ويحلها .
وهذا الوجيه لا يدري أن العالم قد تغير ودخل عصر المعلومات ولا يهتم إلا بدور المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تعمل ضمن الدولة لتحقيق سياستها الوطنية في صنع القرار . ومازال البعض يحي هذه الشخصيات لإغراض خاصة ومنفعة شخصية ، ففي المجتمعات المتقدمة والمتطورة لا تجد هذه الصفات فالكل متساوين في الحقوق والقانون والدستور الحاكم .
قلت له : هل تشاهد التلفزيون وكم وجيه ظهر فوق السطح ، فمن خولهم بذلك وهل بقية الناس لا تشملهم الوجاهة .
ابتسم الشيخ وقال : هؤلاء متطفلون ومتطاولين على الوجاهة وليسوا وجهاء حقاً ، وإذا ورثوها من آبائهم فالوجاهة الحقيقية لا توَرَّث فهم ليسوا وجهاء باقتدار ، هم وجهاء سلطة طاغية مغتصبة لحقوق الشعب نسجوا قناعا لوجوههم الكالحة من الوجاهة المغتصبة فهم لا يملكون السلطة وليسوا وجهاء للمجتمع ، هم على حساب الشعب والمستضعفين اصبحوا وجهاء مالٍ بعيدين عن مكارم الاخلاق فما جوع الفقراء إلا بما متِّع به غني ، هم ليسوا وجاهة فنٍّ أو علمٍ أو مهنةٍ أو شريعة لبسوا رداء العلم والأدب والفنون نفاقاً وسموهم المنافقون الطبالون المنتفعون منهم عالماً ، أو أديباً ، أو دكتوراً ، هم لا يحملون القيم والمبادئ فهم وجاهة سلطة القوة على المجتمع الضعيف ، تستطيع ان تقول لي من منهم وجيه حقا .
قلت له :اصبحنا نرى الوجهاء بأثواب وحلل جديدة يتباهون بوجاهتهم الزائلة وألقابهم كمثل الذي يقف فوق الشاطئ ويرى الاجسام الطافية فوق سطح البحر أو المحيط ولا نرى ما في الاعماق من لؤلؤ وأحجار كريمة احتفظت بوزنها ونقاوتها في القاع وأبت أن تطفو .
قال لي : رأينا الكثيرون من الوجهاء بالأمس وهم يتباهون بوجاهتهم كانوا يوما اصحاب الشأن لكنهم رحلوا واللبيب بالإشارة يفهم .
ودعته على امل اجتمع معه ونناقش موضوع جديد .
1404 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع