الإنزال الروسي على الساحل السوري

                                               

                            د. ضرغام الدباغ*

كيف نفهم التدخل العسكري الروسي المباشر في تصعيد بلغ أقصاه بإرسال قوات مسلحة، بعد فشل قوى بعضها رئيسي في المعادلة السياسية(بحكم كونه يدير البلد وأعرف بخفاياها وزواياها) في تحقيق منجز سياسي / عسكري، بل بتراجع متواصل وإن كان بطيئاً، بلغ حداُ يستوجب إنقاذ الروس النظام السوري بأنفسهم بتدخل عسكري مباشر ؟

هل سينجح الروس فيما أخفق فيه كل القوى الستة مع تمتعهم بأرجحيات واضحة ؟
أين العبرة في كل هذا، طبعاً في حال وجود من يعتبر ....

لاحظ رجاء الجدول التالي لنستخلص معاً نتيجة حساب الخيارات الساقطة :

1.ميليشيا الجيش العقائدي(الجيش النظامي)  / سقطت
2.الشبيحة (ميليشيا النظام) / سقطت
3.قوات الدفاع الوطني(ميليشيا من طراز حديث) / سقطت
4.قوات الدعم الإيرانية(فيلق بدر وبسيج) / سقطت
5.الميليشيات اللبنانية / قوات نصرالله والقوميين السوريين / سقطت
6.ميليشيات : عراقية، حوثية، بحرانية، سعودية، أفغانية / سقطت

 الستة شطب عليهم والسابع الروسي في الطريق ...!

1.ميليشيا الجيش العقائدي : العبرة الأولى في  أنهم رتبوا الجيش العقائدي هذا لمدة أربعين عاماً، لمثل هذه الأيام السوداء، أن يكون ولائه ومارسوا كافة صنوف غسل الدماغ، وتعلموه في أرقى المعاهد العالمية المختصة بتدمير دواخل البشر، في بكين وموسكو وأستكملوها في بيونغ يانغ حيث تتوفر أرقى المعاهد التي تحيل البشر إلى روبوتات، حتى تبكي وتضحك بأوامر ..! ولكن هذا الجيش تبخر لأنه لم يعد جيشاً، عندما حلت الساعة أن يكون ميليشيا، أنتهى ...... وكف عن الوجود ... لأن الجيوش للا تتمثل بملابس خاكي أو مرقط، القضية ليست أصباغ ..!
2.ميليشيا الشبيحة : كنت قد سمعت من أحد العارفين ببواطن الشأن السوري، أن النظام قد رتب موضوع الشبيحة سلفا منذ سنوات بعيدة لمثل هذه الأيام، ولكنه لم يعرضه على الملأ إلا عندما دقت ساعة النظام، فنزل هؤلاء الزعران، والأشقياء، والساقطين وحثالات المجتمع، وعتاولة الإجرام واللصوص والمنحرفين، ككلاب الصيد التي يجوعونها، لتنزل بكلمة سر واحدة : أفتكوا بكل من يصادفكم وانهبوا واسرقوا كل ما تشتهيه أنفسكم الوضيعة، وهنا طغى شعار(الأسد أو نخرب البلد) واستعرضوا كما يفعل الشاذون عضلاتهم ووقاحتهم وقلة حياءهم أمام العدسات للإرهاب، ولكن هذا الجهاز الطويل العريض، تبخر هو الآخر ....
3.ميليشيا الدفاع الوطني : بكثير من الطنين والرنين، وموسيقى ومارشات، مطعمة بالبنات، تقدم من أراد أن يرتزق ويقبض راتبه يوم انتهى البلد ولم يعد هناك لا شغل ولا مشغلة، وأنظم للجوقة. صبيان، وبنات، حملونهن البنادق، وقالوا لهم أطلقوا النار على كل شيئ يتحرك، فلا حساب هناك ولا كتاب. وحقاً فعل أولئك المساكين ذلك، ولكنهم أكتشفوا أن البئر أعمق من اللهو، فأطلقوا سيقانهم للريح ..
4.ميليشيات وقوات إيران : وهؤلاء تنبئنا هزيمتهم بشدة، لأنهم متبجحين بشدة، وجنرال حرب العصابات الرامبو الفارسي سليماني، لم يدخل معركة أفلح فيها، هو جنرال إعلام يحمل رتبة فيها  سيوف ونجوم على كتفيه، ولكنه يا للعار يتعكز على نجوم الأمريكان وسيوفهم ويعيش على أنتصاراتهم، وهؤلاء أيضاً أنسحبوا بعد أن صارت اللقمة أكبر من أفواههم فلا تبلع ولا تلفظ، وتورطوا في ساحات عديدة وها هم يخسرونها جميعاً الواحدة بعد الأخرى ..
5.ميليشيا حزب اللات : البائس حسن نصر الله في ورطة لا مثيل لها، فأنتقل مع حرب بساتين شبعا إلى قصف الشعب السوري، كمدخل ومخرج إلى الممانعة، فأحترف المصارعة ... فهو إن حارب مع بشار خاسر، وإن جلس ينتظر في الضاحية فهو خاسر، مالعمل ... فدخل المحشر، ولا أرى له مخرجاً وقد أضاف على نفسه قائمة حساب جديدة.
6.ميليشيات عراقية وحوثية وبحرينية وأفغانية...الخ ومن كل ثوب ممزق ومهلهل رقعة، الميليشيات الطائفية التي هبت من كل حدب وصوب لتؤكد أممية المعركة، بدأت تنسحب إلى جحورها، فكل منها لديه ما ينشغل به، عن موت مؤكد، فتركت أرض المعركة أو تكاد وبشار ينظر صاغراً ...
7.هذه القوى التي لا ينقصها سلاح ولا طعام، وهي أدرى بالأرض وبالناس بحكم قربها، ولم يكن ينقصها العدد، ولا أي شيئ آخر، كان ينقصها شيئ واحد فقط، هو عدالة القضية، وهو ما تفتقد إليه القوات الروسية أيضاً.

لماذا إذن خسرت قوى المرتزقة وزاد عويلهم عويلاً وعلا نحيبهم ...!
ـ هل سلاح المقاومة السورية أشد وأكثر تطوراً ....؟
ـ هل عددهم أكثر من كل هذا الجمع الخائب ...؟
ـ هل خططهم وقياداتهم العسكرية أكثر تعقيداً وكفاءة وأشد بلاء ....؟
ـ هل لديهم قاعدة مادية وإدارية أوسع وأكثر ثراء ....؟

الإجابة على هذه الأسئلة كلها ... بالطبع لا ... والسؤال الأصعب ... لماذا فشلوا إذن ....! فهم فشلوا ليس بسبب قلة المال أو السلاح والطعام والعلاج .... هذا أكيد .. فلماذا إذن ... وفي محاولة للفهم نرى أن :

ـ ميليشيا الجيش العقائدي هم من العاقين من أبناء الوطن  ياللأسف ..
ـ ونفس الشيئ الشبيحيون ..
ـ وقوات الدفاع الوطني ..
ـ أما الخائب حسن .... فهو خائب ..... والميليشيات التي هبت من هنا وهناك .... فهم مرتزقة لا أكثر ولا أقل، وعاطلين عن العمل يأكل عينهم الذباب ....
ـ المقاومة السورية التي أخرجت طيران الأسد وهو بالمئات (600ـ 700 طائرة) بين إسقاط، أو إصابات هل سيصعب عليهم مواجهة 18 طائرة جديدة، وما همها إن كانت مزودة برادارات قوية  ..؟
ـ من الوجهة العسكرية الفنية، ليس مهماً أن تنزل الدبابة( 92 T)  وميك 31 إلى ميدان الصراع، فهذه طرازات متقدمة يدور الكلام بصددها في مواجهات تقنية عالية جداً، وفي معركة سوريا فأن سلاحاً بدائياً كبرميل الإيراني / السوري الذي يقتل عشوئياً يستخدمه النظام على نحو واسع بهدف إيذاء الناس فحسب أنتقاماً لثورتهم .

القوات الروسية، المتورط الجديد في الكرنفال السوري، هي قوات من عدة صنوف: برية وبحرية وجوية ما زالت تتقاطر بحراً وجواً سراً وعلناً في سفن وغواصات وطائرات مدنية، على أستيحاء وتردد وخجل، وصمت أمريكي / غربي، يميل لتفهم القرار الروسي وتقبله، فهم ما زالوا يلعقون هزيمة أفغانستان، لكن ترى ماذا في أجندة الروس السورية ..؟

الروس لن يدافعوا عن نظام بشار، فقد شاهدنا وسمعنا بأم العين والأذن، بوتين يقول أمام العدسات، أنه يعلم أن عائلة الأسد فاسدة، ولا تقوى حتى على إجراء إصلاحات، وسوف لن يقوم بها أبداً، ولكنه مع ذلك يعارض إسقاط الأسد لأن له مصالح حيوية في سوريا ..! وهكذا فإنهم يرون توسعة لدورهم بعقد تحالف مع الإيرانيين والعراقيين وبقايا النظام في سوريا، طالما صارت الحرب على الإرهاب مدخلاً شرعياً وقانونياً للقضم والهضم ...

نعم هكذا فالروس وقد أدركوا، أن الغرب رغم الجعجعة، لكن لا طحين في الماكنة، وعلى رأي المثل : الكلب الذي يعوي كثيراً لا يعض ..! تلاشى خوفهم من الغرب، عندما أدركوا أن الغرب يتمنى بقاء الأسد في السلطة، أو الأتيان بأقذر منه، وهذا والحق يقال صعب .. صعب جداً، أين يجدون من يحافظ على إسرائيل التي تحتفظ بمحافظة من بلده كما يحافظ على عينيه(وهو طبيب عيون فالصو)، ويقتل شعبه بالألاف دون أن يرف له جفن، فمثل هذا نادر الوجود، والأسد في غاية السرور والحبور لأنه يحتل مرتبة أقذر الموجود،  الروس أدركوا اللعبة منذ البداية، وتعاملوا بصبر، حتى أنتقلوا من موقف المؤيد إلى موقف المساند والداعم، وفي المرحلة الختامية الحاسمة، بدأوا الحرب كمن يغازل فتاة .. يرسلون طائرة، ثم مدرعتين، وأربعة دبابات، .... ثم ثلاث طائرات، قالوا أن مهندسين يوسعون مدارج مطار، ثم قالوا أنهم بصدد بناء قاعدة جديدة ... ثم هاتفوا الوزير كيري،  بعدها استقبلوا نتياهو ... وبشار آخر من يعلم .... بل ليس من الضروري أن يعلم ... لأنه أصبح خارج معادلات القوى الحقيقية ..

الموقف الروسي يتطور بقدر حاجة النظام السوري له، (أو بقدر حاجة المؤامرة) أنتقل من منع إدانة النظام وتوفير الحماية السياسية والقانونية، إلى التزويد بالسلاح رغم القرارات الدولية التي تحضر تسليح النظام السوري، ثم أنتقل إلى التدخل العسكري المباشر ووضع وزن الدولة الروسية في الميزان، لتدلي بدلوها أعمق في المؤامرة الدولية الذي أتخذ له شعار مكافحة الإرهاب والذي غدا شعاراً دولياً ومن يشترك فيه له حصته من المغانم. والموقف الأمريكي يعلو صوته وينخفض بقدر حاجة الموقف العام.

هل يريد الروس من ذلك :
ـ أن يكون لروسيا دور سياسي في التسويات المقبلة وجني المكاسب كدولة إمبريالية، والإنزال في سوريا هو فاتحة هذا العهد، سواء في غاز البحر الأبيض المتوسط، أو ترتيبات الشرق الأوسط الجديدة، تكتلاته وتحالفاته.
ـ تقليص الدور التركي وتأثيراته .
ـ الدخول في لعبة التوازنات والأبتزاز السياسي لتداخل الساحات وتوزع القوى: أوكرانيا ــ القرم ــ سوريا.

هكذا سيكون الدور الروسي بأختصار ...! فالروس يبحثون عن أمجاد في الساحل السوري، ولكنهم سيفشلون في آخر المطاف ويدفعون ثمن هذه المغامرة انكفاء سيطول لعشرات السنين ...!  سيقولون لاحقاً أخطأنا، تسرعنا، بوتين ديكتاتور، مغامرة سيندمون عليها كثيراً في المستقبل القريب والبعيد، وبكلمة واحدة ... لقد أضر الروس بتاريخ العلاقات الروسية / السوفيتية / العربية على نحو لا نجد له مسوغ معقول، فالمكاسب المحتملة لا تساوي الخسائر المؤكدة، وخارج هذه الرؤيا مجازفات ومقامرة في العمل السياسي. الروس تاريخياً (على أيام القيصر رومانوف) شاركوا في المؤامرة الدولية على الشرق الأوسط وكانوا طرفاً في معاهد سايكس ـ بيكو ـ  سازانوف،(1916) أنسحب منها الروس بعيد قيام الاتحاد السوفيتي.

سيدرك الروس أنها مغامرة آخر أيام الصيفية (مع الاعتذار للسيدة فيروز) وعندما تنهمر أولى الطلقات على رؤوس جنودهم، ويشيعون أولى قتلاهم، ستدرك القيادة الروسية أنها دخلت معركة .. وسيقول بعضهم بصوت ودي أن بوتين تسرع، وكانت المغامرة الأفغانية في استباق العصر وكانت حرب حرق المراحل في أفغانستان قد أنتهت بأنهيار كامل النظام السوفيتي: أتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، بل ومنظومة الدول الاشتراكية بأسرها ومجلس التعاضد الاقتصادي للعلاقات المتكافئة، وحلف وارسو، كل هذه العناوين الكبيرة، والتي كان لها أحترامها في أرجاء كثيرة من العالم، أما ماذا يمثل بوتين من قيم تستحق المغامرات ..؟ فهو ليس بالأشتراكي ولا بالرأسمالي على طريقة الغرب .. أم ترى يريد إحياء أمبراطورية روسية (قيصرية من نمط جديد)، وغداً عندما تصل جثث جنودهم وضباطهم .. وتلفظ المؤامرة أنفاسها، ماذا سيقول الروس ومالذي سيفعلونه، ومن سيكون كبش الفداء الذي سينحر على بوابة اللاذقية وطرطوس ... فداء لبوابة الكرملين ...!

1.ستهزم القوات الروسية وتخرج مجلجلة بعار جديد، لقد أختاروا معركة خاسرة.
2.هناك من الروس: سياسيون وبرلمانيون وعلماء، وإعلاميون، يتنبأون منذ الآن بالهزيمة، ويرفعون أعتراضاتهم على المنهج الروسي.
3.إذا كان النشاط الروسي في أوكرانيا مبرراً بعض الشيئ، وقبلها بالقرم، على الرغم من أن الموقف سيئ في الدونباس (أوكرانيا) وغير محسوم نهائياً في القرم، ولكن مالذي يأخذ الروس إلى سوريا ...؟
4.الدخول الروسي في الفخ السوري، مأزق كبير، مفتوح على أحتمالات عديدة، وبالنسبة لمعسكر الثورة السورية، صعيد جديد، سيقود إلى تفاعلات جديدة سياسية وعسكرية، ستعود في نهاية المطاف إلى ما يقوى الثورة ولا يضعفها.
5.أين بشار الأسد من كل هذه الزوابع ...؟ غياب تام ولا يذكره أحد فهو الرقم الذي لا يساوي شيئاً في المعادلة ...!

الحسابات على الورق، غير تلك التي تتحقق في الميدان العملي، والسياسي الذكي لا يدخل مدخلاً لا يرى منه مخرجاً، أو مكللاً بالعار ... فهل حسب الروس حسابات المخرج ...؟
ــــــــــــــــــ
* الأمين العام للمجلس السياسي العام لثوار العراق

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1500 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع