فلاح ميرزا
لعل اكثر المسائل الشائكة التى لازالت معلقة ومفتوحة للنقاش منذ يقارب النصف قرن هى مسالة الديمقراطية وبنية الاحزاب السياسية فى الوطن العربى وربما يعود السبب فى تاخر الوصول الى موقف منها متفق عليه نسبيا رغم ان ادبياتها كانت تشير اليها فى سنوات العمل والنضال السلبي ضد الاستعمار
وان غياب الحوارالموضوعى بل انقطاعه ببن اطراف تخندقت فى مواقع متناقضة ومتقابلة الى حد التقاتل والصراع العنيف يمكن ان يكون احد الاسباب التى حالت دون التعبير عنها سلوكيا ومن خلال تجاربها خارج السلطة اوفى ظلها وخلال الفترة الماضية نحن نضع فرضية ونحاول ان نثبتها على طول الخط التى تقول ان كل الاخطاءوالانحرافات والانتكاسات والمأسي التى نسبت الى احزاب السلطة قبل الاحتلال هى بالحقيقة تنسب الى الاجهزة التى تديرها وقد تفرض المتغيرات اسلوب جديد للمواجهة بل انها تفرض ذلك حتما وحاليا جرى مايشبع النقاش والحوار والتجربة التى لم تصل فيها الى الفهم والمعنى الذى كان بامكانه ان يكون احد اهم الوسائل للتعاون والعمل المشترك بين الاطراف المختلفة بل على العكس من ذلك انحدر مسرعا نحو الاسوء مما وفر للاخرين فرصا غير مسبوقة الى التدخل وزرع بذور الخلاف والتخلى عن القيم والمبادىء التى اتت بها الرسالة السماوية وتاريخ الامة العظيم وقد يكون من المفيد الان الحاجة لتلك الرؤية الموضوعية اذ بماذا نفسر انكسار مشروع النهوض والتحرر والتنويرالعربي فالحديث عن الديمقراطية فى واقع كالذى تعيشه الامة لايمكن فصله عن الواقع الاجتماعى والانظمة القائمة واتجاهاتها السياسية والاقتصادية واختلاف انظمة الحكم والتخلف والامية اضافة الى مشكلات الغزو الخارجى والاحتواء الذى تمارسه قوى اجنبية عظمى . ولابد من القول مقدما هل تعتبر حدود سايكس بيكو هى الحدود الثابتة والشرعية لمجتمعات حقيقية وهل القوانين التى تحميها شرعية ومشروعة ام انها غير ذلك وهل تعتبر الدعوة الى تحقيق كيان سياسى واحد للشعب العربى دعوة مشروعة واذ ولابد من القول مقدماً ، أن أي حديث عن الديمقراطية ، لن يأخذ أبعاده الكاملة ، إلا عندما يتاح للشعب العربي على أرضه المحررة والموحدة أن يختار النظام الاجتماعي والسياسي ويحدّد مفهوم الحرية والديمقراطية لصياغتها في قوانين نافذة تتيح للشعب العربي أن يستخدم إمكانياته الاقتصادية وثرواته المادية وقدراته البشرية لصياغة نموذجه الحضاري المعاصروصياغة هذا كله في قوانين تحمي الشرعية وتردع الاعتداء عليها لكن هذا لا يعني أن مشكلة الديمقراطية يمكن أن تنتظر إلى ذلك الحين بل لعل التطورات الأخيرة والتجارب المرة أكدت أن مشروع التحريروالنهوض والتنوير يبدأ بالديمقراطية وينتهي إليها ، وهذا يقودنا للحديث عن الشرعية والديمقراطية والحرية ضمن ظروف التجزئة حيث لا بد من بحث القوانين السائدة في كيانات التجزئة العربية من حيث مشروعيتها ومن هو صاحب القرار في هذا ؟ أليس الشعب العربي ؟ وإذا كان الشعب العربي هو صاحب القرار فإن العديد من القوانين الاستثنائية والمقيدة للحريات العامة والسائدة في الوطن العربي لابد من إسقاطها من خلال نضال متواصل يستهدف من خلاله المثقفون واصحاب الفكر من العرب تشريع كل مايؤدى الى تحقيق النهوض وإزالة العقبات ولكن هل هذا يعنى الدعوة الى وحدة الامة والشعب مقبولا اجتماعيا وبشريا واقتصاديا هل هذه الدعوة مشروعة فى ظرف تواجة به الامة دعوات للتقسيم والطائفية والعنصرية والانتماء الى دول خارجية . انه موضوع شائك ومتشعب كان بالامكان الترويج له فى القرن الماضى عندما كان هناك قطبان دوليان الاتحاد السوفيتى ومعسكره الاشتراكى الذى يؤيد بصورة ما هذا التوجه على العكس من ذلك الولايات المتحدة ومعسكرها الغربى الراسمالى الذى ترفضه تماما فى الوقت الذى كانت فيه الانظمة الثورية والوطنية واحزابها تعيش نشوة الانتصارمصحوبة بالغرور بانتصارها على شركات النفط من خلال عمليات التاميم وتحقيق بعض الانجازات لشعوبها ومن ذلك التاريخ وحتى الآن لم تهدأ التساؤلات والتفسيرات عن المستقبل السياسي للاحزاب العربية التقدمية، ولماذا اغلقت على نفسها الابواب ولم تراقب مالذى يحصل فى دول الجوار ايران وفلسفتها الدينية المتشددة وتركيا تحت قيادة الاسلاميين العلمانيين الاكثر اعتدالا اللتان وضعتا برنامجا لاعادة التاريخ الامبراطورى لهما ايران تدعوالى التوازن المذهبى فى المنطقة وتركيا الى تحقيق المصالح الاقتصادية ردا على رفض انتمائها فى المجموعة الاوروبية وهو بالتاكيد سيكون ذلك ليس فى مصلحتهما فى الامد البعيد بل فى مصلحة السياسات الامبريالية والصهيونية الذى استغلت ظروف انتعاش التيارات الاسلامية فى افغانستان وتفرعها فى المنطقة العربية وبواسطة الانظمة الداعمة وتدريجيا وبعد احداث 11 سبتمبر2001 اصبح لتلك التيارات شأن يذكر فى دول عربية وخليجية (مصر , الجزائر, تونس, ليبيا, قطر,) وفى العراق بعد الاحتلال وكانت الولايات المتحدة مسرورة لهذا الاحتلال وهذا التغيرالذى خططت له منذ سبعينيات القرن الماضى وتم خلاله تسليمه الى القوى ذات الاتجاه الدينى المتاثر بنظام الملالى وليس لها من الخبرة ولا المعرفة ولا الادوات والكفاءات المطلوبة وسلمتهم ادارة الدولة بعد أن انهت الجيش العراقي وضربت كل الأجهزة الأمنية والسياسية السابقة، وقرار اجتثاث حزب البعث الذى كان يقود مؤسسات الدولة، كى تفسح المجال أمامهم لإعادة بناء النظام والدولة من جديد على اسس مرتبكة وفوضوية وغير معروفة فى التاريخ لكن بطريقة العقل الثأري والتوجه الطائفي وعدم الخبرة السياسية فضلاً عن صراعاتهم الداخلية و أوصلت العراق إلى ما هو عليه اليوم من تفكك على المستوى الاجتماعي، وتقسيم عملي بين شمال وجنوب ووسطه على أسس طائفية وعرقية وبعد أكثر من عشرة اعوام من الاحتلال وأكثر من ثلاثة اعوام من انسحاب القوات الأميركية، لم يستطيعوا تأمين مستلزمات الحياة واهمها الطاقة الكهربائية ولا الماء،والامن ولا أبسط الخدمات فضلاً عن معالجة الخلل في المؤسسة العسكرية و ملايين النازحين والمهجرين الذين ضاقت بهم بلاد ما بين النهرين، وهي من أغنى البلدان العربية بالثروة النفطية والمائية والبشرية. وكان على الولايات المتحدة الامريكية ان تتدارك الامر اذا كانت جادة بموضوع التغيير نحو الاحسن بل فعلت ماهو اسوء وامرمما زاد الطين بله حسب المثل الشعبى فانتفض الشعب فى المدن والساحات والشوارع معلنا سخطه واستياءه من تصرف الولايات المتحدة بتركها الامر يصل الى هذا الحال رغم ان كثير من المحللين يشيرون الى انها هى التى ارادت ذلك سعيا وراء مشروعها الجديد الذى يجعل من العراق وسوريا تخضعان الى خريطة جديدة اى سايكس بيكو اخرى تحت الوصايا الصهيونية , مما اضطر رئيس وزراء المعين من قبلها العبادى وتلبية الى تلك الرغبة إلى الاستعانة بالمرجعية الدينية كي يمرر «إصلاحات» وهي من اولويات الأمور في أي دولة، فمحاربة ترهل السلطة وفساد الطبقة الحاكمة لا يحتاجان إلى حروب إلا حين يختلف زعماء المافيات على تقاسم المغانم وهذا ما هو حاصل في بغداد فعلاً ولولا التظاهرات الحاشدة والدعم المعنوي الكبير الذي قدمته مرجعية النجف إلى العبادي لما تجرأ حتى على طرح فكرة الإصلاح وهذا مما يؤكد فشل التجارب بالنسبة للاحزاب الاسلامية فى الحكم ربما كان أهمها أنها لم تتطور لا على مستوى الفكر ولا على مستوى النظرة إلى تحول المجتمعات. وهذا الجمود يتركها على هامش الحياة السياسية أو يضطرها إلى الانعزال وتكفير الجميع والتحول إلى دعم الحركات المتطرفة ولان تلك الحالة هى التى تؤفر لتلك القوى على مختلف مصالحها تغيب الشعب عن القرار وافتقاده للارادة وهكذا يستمر الاستبداد وتسود افكار التخلف وهكذا تسود عصابات المستغلين ويكون الوطن قابل للاجتياح وينحسر مشروع التحرر والتنوير عن الامة , ان الديمقراطية بمعناها الانسانى هى الجوهر فى عملية تفعيل عناصر قانون تطور المجتمعات وتطور الانسان كما انها ليست صندوق اقتراع وليست معزوفة طرب يعزف عليها المستغلون وترقص على انغامها قوى الهيمنة الخارجية من الفضائيات والجيوش, المطلوب مراجعة عميقة لما جرى ثم الكف عن البكاء على الاطلال ثم الكف عن المحاولات العقيمة لاسترجاع الماضي أو التمرّس في أساليبه التي لم تعد تناسب الظروف الموضوعية الراهنة ومن ثم بناء مؤسسة وطنيية مؤسسة ثورية بأفكارها ، ومنهجها ، وشفافيتها ، وأساليبها ، مكوناتها الأساسية مستمدة من مواقع مختلفة المنشأ لكنها موحدة الرؤية والهدف والسلوك نتيجة للخبرة والمعرفة واذا كان لابد من تغيير الصورة المأساوية الراهنة فان عملية التغيير المرجوة تبدأ من التعامل مع الواقع كما هو دون الاستسلام لظواهر المرضية ودون الانزلاق الى خنادق الصراعات المشبوهة بين قوى تتصارع حتى الموت وان عملية احتواء الاخرين حالة مطلوبة ومفروضة،
905 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع