د.سهام علي السرور
الأردن 15\9\2015
منذ متى توقفت عن الكتابة؟ لا أعلم تحديدا لذلك, ولكنني أدرك أن توقفي عن الكتابة يعني حالة شبيهة بالموت وما هي بموت. نعم نموت دفعات ونترك أشلاء منا في سنوات عمرنا الممتدة منذ الصرخة الأولى إلى الشهقة الأخيرة، إنني بصدق يا عزيزي أعاني من حالة من الصمت التي باتت تخيفني من فقدان شيء من ذاكرتي المتمردة على حاضري، وحاضري الجاثم على صدر مستقبلي، ومستقبلي المتلعثم بين حروف أمسي ويومي.
قبل أن أشرع بخط حروف ما بعد صمتي وما بين تأملاتي، أريد أن أوبخ نفسي، نعم أوبخ نفسي على طيبة مفرطة، وعلى ثقة أمست خوفا سرمديا، أريد أن أوبخني على إهمالي لتلك التي تدعى أنا، أنا التي غسلتها بالقهوة، وشربتها مع البنادول، فنومتها ليحل مكانها كل ما للآخرين، على حسابها تلك الأنا المسكينة.
وبعد الشروع بخربشة حروفي وأثناء صمتي المتقطع وما بين كلماتي، أريد أن أقف مع نفسي على مفرق حلمي وواقعي، المتشعب بين أودية الظلم، والمتعثر بحفر الواسطة، وأريد أن أسألني في ليلة استجواب حاسمة، عن حقوق متناثرة بين مكاتب وزارة التربية ومديريتها، وعلى طاولات الجامعة، وبين جدرانها وأدراجها، ويبدأ الاستجواب منذ الخطوة الأولى التي درجت فيها قدماي طالبة في الجامعة أي منذ تم ضرب العراق، أي منذ بدأت الكثير من المآسي العربية بثلم أرض قلبي، وصدع جدار ما يدعى أمل، أي منذ عام 2003 حين كنت في السنة الثامنة عشرة من عمري، حين كنت أحلم بالسفر إلى بغداد.
بماذا أبدأ؟ ومن أين أنتهي؟ وكيف لي أن أصمد أثناء استجوابي؟ نعم سيبدأ المحضر الآن، أيتها الأنا اجلسي حيث يجلس المجرمون هناك في زنزانة المشردين منهم تحديدا، ماذا فعلت حين تم رفض طلب انتدابك إلى وزارة الثقافة؟ وماذا قدمت حين شطب اسمك من سجلات الإدارة؟ وهل نطقت حين علمت أن رتبتك لم تتقدم بسبب إهمال موظف؟ وهل قلت شيئا حين تم نقلك دون تقديم طلب؟ وهل علقت على رفض تعيينك في الجامعة؟ وهل نطقت حين نافسك الجميع على حقك بحجة المساواة؟ وماذا عن اللغة العبرية؟ وإلى أين وصلت معاملة المجلة؟ وهل عرفت شيئا عن نصوصك المرسلة للنشر في مجلة يقال أنها أدبية لأبناء الوطن؟ وماذا عن علاقتك بالدبلوم؟ وماذا عن النااااااس؟ وبعد الإجابة تحياتي لدرجة الدكتوراه التي جرجرتك إلى حيث الفقر والقهر.
صمت.... أيكفي هذا جوابا على كل ما قد قيل! إن الإنسان بطبيعة الحال لا يصل إلى ما وصلت إليه من الصمت المفرط، إلى الصمت المصحوب بابتسامة شاحبة ساخرة من كل شيء، إلا بعد مشوار من الصدمات المتتالية، التي ختمت قبل أشهر قليلة بوفاة جدتي التي ربتني، لأصل إلى حالة من عدم الاكتراث حتى بالقلم صديق عمري الأكثر وفاء.
وبالنسبة لضحكات الطفولة ورقصاتها وصخبها وكل ما كنت عليه في طفولتي، لا تعليق مني على ذلك سوى أن أغني مع فيروز حين تدندن "يا زمان الوصل بالأندلس"، ولا مفر من ذلك إلا حبتي بنادول وساعات طويلة من النوم، وفنجال كبير من الشاي مع النعناع صباحا أغسل به ذاكرتي من كل ما يدعى ماض، وصمت تتعلق أثناءه عيناي بشجرات السرو المجاورة بيتنا من الجهة الجنوبية، ويوم أضيع فيه بين متطلبات الوظيفة والعائلة، ويعود الليل ثانية فأقول "غب لك شي ليلة يا ليل".
يرفع الاستجواب إلى هيئة مكافحة الإنسانية للحكم على "خير زائرة" بجريمة "أما خشيت من الحراس في الطرق!".... أو على أحسن تقدير إلى إدارة المنكوبين لفرض النفي إلى حيث لا عين تعرفني "وش لي بعد ظلمه تبقى!".
بقلم د.سهام علي السرور
15\9\2015 ليلا.
976 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع