سرور ميرزا محمود
ظاهرة الهجرات البشرية والنزوح الجغرافي هي بشكل عام عالمية الطابع وقديمة العهد، عرفت في الحرب كما عرفت في السلم، واختلف شكلها باختلاف ظروف البلدان المصدرة والمستقبلة بحقبها التاريخية، فالهجرة انواع منها اختيارية ومنها اجبارية ومنها مؤقتة ومنها دائمة ومنها داخلية من الريف الى المدينة ومن المدينة الى مدينة اخرى و من المدينة الى الريف وكل هذه الهجرات لها مسبباتها وظروفها.
الهجرة هي أن يترك شخص او جماعة من الناس مكان إقامتهم لينتقلوا للعيش في مكان آخر فالهجرة بمعناها المتداول اليوم للشباب، هي الانتقال من دولة نامية ذات إمكانات وقدرات ضعيفة، إلى أخرى تتوفر فيها إمكانات اقتصادية عالية ومستوى معيشي مرتفع يفتقدهما الشاب المهاجر في بلده، عادة ما ترتبط أحلام المهجر في رؤوس الشباب بالثراء السريع والكفاءة العلمية والوجاهة الاجتماعية، إضافة إلى متعة الانتماء إلى الحضارة الغربية، حيث ازدهار الاقتصاد الحر وعدم وجود أية قيود على الحريات الفردية، لو تمعنا بسطور تلك المقدمة وتسألنا أين العراق من هذه المعطيات؟ فالعراق فيه عدم استقرار وغياب لمفهوم الدولة المتماسكة بموؤسساتها وقوانينها، فداعش مسيطر على أكثر من ثلث مساحته ونزوح وتشرد بفضل المليشيات التي عاثت في الارض وجعلته متشققاَ تملأه الافاعي والعقارب، والسياسيين والمعممين منهم من سرق مال العراق وثرواته وأرثه التاريخي والحضاري وهم الطلقاء تحرسهم آلهة المافيات والمصالح من حكومات ودول أفرغوا العراق من مؤوسساته العسكرية والأمنية ومن كفائاته ونخبه بين قتل وتهديد وتشريد، وماذا بعد هل هناك تخطيط لتفريغ العراق من شعبه؟، الشواهد التي نراها ليست إلا مدلولاً حاداً على شيوع اليأس والأحباط لدى الشباب وعمق الأزمة والضغوط الحاصة عليهم، وفقدان الإنتماء للوطن أو الثقة به في ظل تردي الأوضاع بعد أستمرار تفكك بلدهم.
ولهذا يمكننا القول بأن تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية الحالية للشريحة الشابة في العراق وسورية لم يثنهم عن التفكير فيها بعد أن سدت الابواب أمامهم لطلب الفيزة أو اللجوء من البلدان الاوربية وامريكا وكندا واستراليا وغيرها، وأصبحوا يبحثون في كل مكان عن "سماسرة" الهجرة، وهو الأمر الذي يوقعهم كثيرا ضحية لإعلانات الهجرة المضللة التي تنشر في الجرائد، وتستغل الطموح الزائد وقلة الخبرة لدى الشباب لتحقيق مكاسب غير مشروعة، معتقدين أنّهم طوق النجاة الذي ينتشلهم من صعوبة خوض الإجراءات الرسمية للهجرة الشرعية، واصبح هذا الحلم يتناثر سريعا إما على يد خفر السواحل، أو بالموت غرقا، وعلى الرغم من الحوادث المتكررة في الفترة الأخيرة، بالرغم من المخاطر الجمّة التي باتت تكتنف رحلة العبور، رغم تكلفة الرحلة التي ارتفعت بشكل كبير مؤخراً ورغم مخاطر تعرض المهاجرين لعمليات احتيال أو تعرضهم للاعتقال أو الغرق فإنهم يصرون على خوض التحدي معتمدين على مساعدة مافيا التهريب التي لا ترحم أحداً.
البحر الابيض المتوسط كان شاهد عيان ايضا على هجرات العراقيين والعرب من دول المغرب العربي بالاضافة الى الافارقة، ولربما يستحق البحر الابيض المتوسط لقب بحر الظلمات عن جدارة لكثرة ما نقل من لاجئين وفارين بدمهم ولحمهم واعراضهم، ولكثرة ما ابتلع من عائلات وهاربين في اعماقه، فقد انقذ الالاف، وغدر بالالاف، وبقي شاهد عيان على كوارث ضفته الجنوبية
بين زرقة السماء وزرقة البحر تبدأ دراما الحلم وهم هائمون بالوصول الى بر النجاة ولكن القدر بانتظارهم، حين هاج البحر أدركوا كم هم قريبون من الموت الذي بات يخطف الصغار والكبار منهم ، بعدها ابتلعتهم لجات البحر وقضوا ضحايا لحلم اغترابي لم يكتمل، وصار الموتى منهم بدلا من أن يهاجروا إلى الأرض الجديدة يهاجرون إلى أعماق المحيط مما دفع لبعض الأقلام من إثارة الراي العام حول تلك المآسي ولكن الصرخة الكبرى والاثارة التي هزت صداها العالم وبألهام تصوري ليعبر عن معاني عجزت الحــــــروف أن تنطقها لصورة كانت لطفل لا يتعدى عمره الأعوام الثلاثة يرتدى قميصا أحمر وبنطالا قصيرا، وهو يستلقى على بطنه وسط رغوة الأمواج المتكسرة على شاطئ يقع قرب مدينة بودروم السياحية بتركيا، ومما لا شك فيه أوقدت الضمائر ولهذا فأن الكثير ممن كتبوا في هذا المجال أبدعوا وأثروا في وصف صورة ومشهد ماساوي أوجعت ضمائر الجميع وأدمت القلوب، يالها من روعة الحس التعبيري الذي صاغ بإرهاف وترجم ما حملته شعورهم بحميمية وصدق، وفي حينها قامت المستشارة الالمانية كمسؤولة وانسانة تدافع عن قيم التعامل عن الحق وما يتطلبه لنصرة حقوقه بشان استعداد المانيا لاستيعاب اللاجئين مما خلق صيحة اخرى من قبل الآخرين في دول اوربا وكندا واستراليا، في حين ابدى يوها سيبيلا رئيس وزراء فنلندا إنه سيعرض منزله الخاص
الواقع في كيمبيلي بشمال فنلندا يمكن أن يستضيف طالبي اللجوء ودعا كل الفنلنديين لإظهار التضامن مع اللاجئين المتجهين إلى أوروبا هربا من الحرب والفقر مما سجل موقفا انسانيا ونبيلاً.
في حين ان بغداد وبلسان الجعفري، صاحب الكلمات السفسطائية الذي لا يصلح للعمل السياسي بقدر ما هو رادوداً، متهماً المستشارة الألمانية بانها تستولي على الطاقات الشبابية عن طريق باب فتح اللجوء لهم، يا لها من مضحكة تشمئز منها العقول، المهم تحولت السيدة مركل بطلة في عيون المتظاهرين في بغداد مما دفع الشباب العراقيين إلى رفع صورها في كل مكان في بغداد، وبعضهم عكف على تصميم صورها مع شعارات وصلت إلى الشعر الشعبي العراقي مدحا وثناء ومنها ما هو جميل انقله نصا
والاسلام البيه دعونه... قتل ورهاب وسلاح
شربي بيرة......... عافيه وتنكر عوافي
عاجز اكتب ... ووصفج بأحلى القوافي
انتي اول كافرة ........ تلبس *الحافي
وانتي اول سافره ....... تلبس *جفافي
شربي بيرة..... بنخب دولتنه الرشيدة
والاماني ..والسوالف .. والشعارات *الجديدة
الناس تصعد للكمر ... واحنه نكعد ع
الحديدة
شردوا نص الشباب .... وشدوا اسنان الذياب
اكلوا سنين بلحمنه..... واحنه ندفع بالحساب
شرد اكلج صرنه امة... لا علم لا ثقافه ولا *كتاب
هو مو صوج الحكومه .... ليش حاكمنه الومه
صوج الشعب الي نتخبهم... وشكك عليهم هدومه
شربي بيرة........ بنخب دولتنة * الحقيرة
ليس هناك شك بأن الدول المتقدمة تبحث دوما عن مصالحها وهي تنظر بمقياس المستقبل بأطر صحيحة ومدروسة ولهذا فأن كثير من دول أوروبا فتحت ذراعيها أمام الشباب المهاجر للإستفادة منهم كطاقة بشرية خاصة أنها تفتقد الى نسبة الشباب فيها فهى بلاد أصابها العجز الانجابي.
لاشك أن الهجرة من العراق تكاد تستوفي كل أغراض التعبير لوصف واظهار حزن وأسى وشوق وحنين وعتاب ووصف لما يحدث في عراق اليوم، عراق الحضارة وعراق الطبيعة وعراق دجلة والفرات وضفافه وسهوله وجباله وبحيراته واهواره ونخيله، الا أن ماحصل له منذ 2003 وما بعدها، ولهذا فأن فئة الشباب هي الأكثر تضرراً، فهم مستهدفون في كل مكان بالقتل والاعتقال والتشريد والبطالة وضياع مستقبلهم واستمرار تدهور الأوضاع الأمنية، تجبره الى الهجرة خارج البلد، فالمهم والاهم إن شبابنا واولادهم تخلصوا من شبح الموت الذي يلاقونه منذ فترة الاحتلال في العراق وما يحدث الآن في سوريا وليبيا وهلما جرا، انهم جيل يحملون ارثاً مهما وفي شراينهم كروموسومات أجدادهم القدامى والعنقاء بانتظارهم مع الآخرين ممن حوتهم بلدان أخرى!، لقد علمتنا الحياة درسا لن ننساه بما يعني ان لا نندم على ماضينا بل نحن اليه وان لا نخاف من المستقبل، ولكن نخاف ما نحن فيه عالقون الآن، نحن لا نملك تغيير الماضـــــي ولا رسـم المستقبل بالصـورة التي نشاء، هي صرخة تحذير لأن ماحصل قابل ومرشح للازدياد بسبب ما يحصل لبلدنا وسورية وليبيا وهكذا، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
1711 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع