أ.د. محمد الدعمي
“.. والحق، فقد انتقيت تشبيه التظاهر الجماهيري وردود الأفعال الحكومية بأفلام الصور المتحركة (كرتون) “توم وجيري” الشهيرة؛ لأن ما يحدث في العراق يشبه كوميديا المطاردات الكرتونية حد التطابق، أحيانًا. ودليل ذلك هو شيوع منشور طريف على شبكات التواصل الاجتماعي، “الفيس بوك” بين العراقيين خاصة، مفاده أن الحكومة كانت تطارد اللصوص سابقًا، أما الآن فإن الجمهور يطارد “لصوص الحكومة”، وهي مفارقة تستحق الرصد والتأمل بأناة”.
في المقالة المعنونة “ملاهي التظاهر في العراق” (صحيفة الوطن الغراء، السبت 8 أغسطس الجاري)، ثمة شعور موجع يفرض نفسه، مرده الإحساس بلا جدوى التظاهر تحت درجات حرارة عالية جدًّا، بسبب ما خصت به التظاهرات من إهمال ولا اكتراث ولا استجابة تصحيحية حقة من قبل الدولة. بيد أن تدخل المرجعية الدينية العليا، ذات السطوة الروحية والاجتماعية الكبيرة على كل من الجمهور والدولة في آن واحد، قد قاد إلى شيء من صفة “المصيرية” لهذه التظاهرات وتعابير الاحتجاج الاجتماعي التي لا يمكن اختزالها بالمطالبة بإصلاح النظام القضائي حسب، كما ادعت فضائية “الميادين”، ابتسارًا، لأن هذه التعابير راحت تأخذ مديات أوسع للغاية في ظل رفع المتظاهرين شعار “باسم الدين، سرقونا الحرامية”، كناية عن المسؤولين الفاسدين الذين ما انفكوا ينهبون المال العام ويهدرون ثروات البلاد والعباد على نحو خال من المسؤولية، للأسف.
والحق، فقد انتقيت تشبيه التظاهر الجماهيري وردود الأفعال الحكومية بأفلام الصور المتحركة (كرتون) “توم وجيري” الشهيرة؛ لأن ما يحدث في العراق يشبه كوميديا المطاردات الكرتونية حد التطابق، أحيانًا. ودليل ذلك هو شيوع منشور طريف على شبكات التواصل الاجتماعي، “الفيس بوك” بين العراقيين خاصة، مفاده أن الحكومة كانت تطارد اللصوص سابقًا، أما الآن فإن الجمهور يطارد “لصوص الحكومة”، وهي مفارقة تستحق الرصد والتأمل بأناة.
وإذا كان تدخل المرجعية الدينية النجفية ينطوي على جدية إطلاق أيدي رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، للقيام بالإجراءات اللازمة لتحرير أجهزة الدولة وأذرعها ممن عاثوا بها فسادًا، فإن هذا “التفويض” الاعتباري أساسًا، إنما ترافق بتفويض الجمهور الذي لم يعد يحتمل ما يراه من “فرهود” طال كل شيء وكل مرفق وكل دائرة على نحو الإطلاق، الأمر الذي قاد إلى ظاهرة طريفة بحق، وهي تحول الجمهور إلى قوة كبيرة أشبه بـ”توم” وتحول “الفاسدين” إلى طريدة صغيرة، ولكن قادرة على المناورة والاختفاء وخفة الحركة مثل “جيري”! بل إن ما يزيد من هذا الانطباع الطريف يتجسد في عدم تمكن رئيس الوزراء في أن يضع يده على مواطن العلة بدقة، في سياق برنامجه الإصلاحي المحتوي على حزمة من الإجراءات المهمة المتتالية. وقد تجسد ذلك في شعور الجمهور بالهوان والخذلان؛ لأنه قد باشر التظاهر بسبب عدم توفر الخدمات الأساس كالماء والكهرباء، بأن عزل وزيرًا يعد نزيهًا، فارس يوسف ججو، وأبقى على وزير آخر تحال إلى اسمه عشرات ملفات الفساد، للأسف. وهكذا سيبقى المتظاهرون والمحتجون يحثون رئيس الحكومة بتوظيف تفويض ما يسمى بـ”المرجعية الدينية” لضرب الفساد والهدر واللصوص، بينما تبقى إجراءاته لا تصيب الهدف بدقة، كما مبين في أعلاه، بدليل أن الرجل قد تحرك تحركًا جادًّا عندما قلّص وزارات الحكومة المترهلة، وتخلص من نوابه ونواب رئيس الجمهورية الذين تحوم حولهم شبهات فساد وهدر واختلاس أسطورية، إلا أنه أبقى على عدد من شواخص الفساد الرئيسيين، كما أنه أخفق في تحريك ملفات الوزراء الذين اختلسوا مليارات الدولارات من خزينة الدولة، ثم لاذوا بجوازاتهم البريطانية، فهربوا بهذه الأموال دون رجعة، بطبيعة الحال. واحد من هؤلاء الوزراء الفاسدين، واسمه فلاح السوداني، حاول ابتياع فريق كرة قدم إنجليزي محترف بالأموال المختلسة، “فريق سوانزي”، وللقارئ الكريم تخمين ما خرج به من أموال وثروات الشعب العراقي الجريح.
للمرء أن يحيي حيدر العبادي؛ لأنه يسبح وحده ضد تيار الفساد والترهل اللذين أغرقا الدولة العراقية، للأسف
933 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع