آآآه يا بلد

                                     

آآآه يا بلد
وضاقت بنا السبل واشتدت الحال ... حتى اظطررنا الى الرحيل حيث المجهول...

الغربه بعد اغتراب...
الحياة في وطن ضاعت فيه مقومات الحياة الحرة الكريمه... لم نكن نعلم ما كان يعانيه المغتربون حتى عشناها ...غربة بعد اغتراب ...لم نستطع ان نكيف انفسنا جهد امكاننا ...لم نستطع لهول المعاناة ... وشدة الضائقة النفسيه التي عانيناها معاناة ادت ببعضنا الى حدود اليأس من الحياة ....غبت في نفسي وغرقت فيما عشت فيه حتى انتقلت الى مشاهد الحت علي بالوقوف عندها...
دموع تسيل على صفحات رسمت عليها اخاديد كالغضون التي على جباهنا من هول الواقعه...
اثناء الكتابة استوقفتني العيون لكي اعطيها الدور لتذرف مائها ليروي خدودي القاحلة الحزينة على بلدي واهلي ...
اذن الى اين المفر؟!
لم يكن بين ايدينا الا الخروج  بأجساد انهكتها المعاناة...
الى حيث المهجر...
وأي مهجر لم تكن السبل امامنا ميسرة سوى باب واحد هو باب الجارة (تركيا).
والتقيت من سبقنا ممن هجر البلاد عنوة ًفألفيت على وجوههم علائم الحزن والأسى..
تأخذهم الحسرات والعبرات والأهات..
يستذكرون ماضيا عاشوه قبل المحنه وينتظرون مستقبلا في الغيب يستشرفون رحمة أله بعده...
ويعتور في اعماقهم صراع عميق حول العودة او البقاء او الهجرة الى (اوربا).
بحثا عن الامان والعيش الرغيد...
لم يمهد للنظر الى الهجرة الى اوربا ...الا ما حصل من صراع مع الذات  وألحاح الاخرين من ابناء الجلدة الذين يذوقون مرارة العيش في الغربة من صعوبة الحصول على اسباب الحياة  من مأكل ومشرب وسكن لائق الا لفترة قصيرة...
بسبب ارهاق كاهلهم  بالفواتير التي لم يعتادوا عليها...
هذا فضلا عن حرب ذوي الشأن في البلد الام في موضوع الرزق (الرواتب والمستمسكات الرسميه) بين الحين والاخر مما يهدد بقائهم ...
كل اولئك دعاني الى التفكير مليا مرجحا ضياء الهجرة الى اوربا بحثا عن حياة جديدة تضمن لي الكرامة والعيش  بسلام ...
بعد هذا وذاك قررت الرحيل الى اوربا ابتداء بمدينة (ازمير) التركية الساحليه المواجهة لليونان للمغادرة الى المجهول حيث البحر وأهواله ومخاطره ...
ورغم كل التحذيرات  من بعض المحبين والأصدقاء قررت الرحيل...دخلت المدينة فوجدت العجب...
لقد رأيت فيها مجاميع من العراقيين تنوي الهجرة الى اوربا لما ضامها الضيم مثلنا _ شيخ كبير وأمرأة وطفل...
كل اولئك عازم على الرحيل...
ولكن  لماذا؟؟ ولأي شئ ؟؟ وما السبب ؟؟
 اليس هذا انتحارا؟
وإلقاء بالنفس في التهلكة؟؟
ولكن يخاطبك الراحلون((اش جابرك على المر غير الأمر منه))
التقيت ببعض العراقيين الذين كانوا متهيئين للسفر الى اوربا...
فحاولت إقناعهم  لضمي  اليهم مسافرا الى حيث يسافرون...
وأخيراً وافقوا.
وركبنا البحر عند منتصف الليل  يصحبنا (مهرب) كان على متن زورق مطاطي (جوب)...
كنا اكثر من ثلاثين شخصا...مرت بنا لحظات دقيقه فيها من الهول مالا يذكر...
صرخات اطفال وصعوبة المشي لدى الشيوخ وبعض النسوه المسناة...
فضلا عن الرعب المرتسم على الوجوه ولا سيما النساء...
يا لها من رحلة مخيفة...حتى وصلنا الى جزيرة تابعه لليونان... شطر من الليل وكثير من الرهبه ...لنفاجأ بخفر السواحل الذين لم يحسنوا معاملتنا  وقتادونا الى خفر السواحل (مخفر الشرطة) وأبقونا يومين ...ثم رحلنا مشيا أياما تجاوزت السبعة ايام حتى وصلنا المانيا عبر عدد من الدول...
وبطبيعة النفس البشريه تسعى الى الحياة... ولكننا في ارض الغربه لا نعي اننا مهددون في كل وقت بالموت غريبين بعيدين عن ارضنا...هجرنا الديار ليس لأجل السياحة وحب السفر؟ لا!!
لقد هجرنا البيت وملاعب الصبا والشباب والحي وكل ما يربطنا بالتراب في ارضنا...
هجرنا الجاره والاحبة والقهوة التي لما  تزل رائحتها في انوفنا غير انها امست بطعم العلقم  ممزوجة بلون القهر وامست بلا عبير...
تركنا سماءاً ونهراً تنبض عروقه على لحن اثيره ...
هجرنا رفاقنا وذكرياتنا التي تربطنا بهم... منهم من هاجر.. ومنهم من رحل ..ومنهم من ينتظر هناك بين الموت والموت انتظار موت ...
بين الألم والحرقة هناك  غصة ...
بين قطرة الماء والأخرى حكاية عطش لا تنتهي...
ما بين نور ونور ظلمة حالكة تنيرها الطلقات والمدافع...
لا يعرف الاوربيون الفرح كالعراقيين ؟!!
العراقي اليوم يعيش افراحاً لا تنتهي ؟؟!!
وفي كل صباح يشرق عليه يحمد الله انه لم يزل حيا؟؟!
ويحمده عندما يوارى الثرى جاراً له او صديقا لأنه مات شهيد الظلم...
يحمد الله حين يصل ماء الاسالة كل عشرة ايام مرة لمدة ساعة او ساعتين وأنها نعمة نحمد الله عليها ...
يحمد الله حين يسعفه صاحب صهريج الماء  بألتار من الماء غير الصالح للأستعمال...
والحمد لله أجسامنا قوية...
بما يكفي لإعادة  تكرير كل شئ الى صبر حتى الجمر وحتى البرد...
يحمد الله حين تدخل الكهرباء زائرة كل يوم ساعتين..
يستثمرها للطبخ والغسل والكي  وكل شئ  لشحن الموبايلات..
لأجهزة  التبريد او التدفئه...
مشاهدة اخر مجزرة... وآخر حوار سياسي على احدى القنوات الفضائية المرتزقه من الدم العراقي...
يستثمر الكهرباء لغسل الملابس من غبار الألم ورائحة الدم والقهر..
((في الجاهلية كانت في بلاد العرب توأد البنات ... واليوم توأد الحريات والرجال))
العراقي حين ينجو من الموت على الطرق المؤديه الى اوربا تنتظره غربان البؤس والأنين وملاجئ آمنه إلا من الذل...
عليك أيها اللاجئ ان تنتظر هنا دورك ساعات وساعات واقفا او جالسا في البرد او الحر..
ليست مشكلتنا انما هي مشكلتك؟!!!!
تحمل الملعقة في جيبك كي لا تحرم متعة طعام كنت روضت نفسك لتقبلها..
ولا مناص من قبولها ..وتنتظر الحظ .. من جديد .. تنتظرك افراح كثيرة..
يوم تحصل على حظ قريب بنيل قطعة ملابس تستر نفسك  بها او علبة عصير تروي ظمأك بها (مجانا)...
يسعدك سماع صوت عربي يلهج بلغة هي لغتك وأنت في حيرة من أمرك تبحث عن دليل الى مكان ما...
كنت أشبه  بالتائه.. في شوارع برلين او محطات القطار...
انت في مقاييس الاوربيين لاجئ
المهم انت لاجئ سواء اكنت استاذاً او عالماً او قائداً او لصاً او صعلوكاً..
ليس هذا مهما...
عليك اذن تسعد نفسك  بلون طلاء غرفتك ورائحة المطابخ  وصباحات جيرانك المتجددين دائما...
احسب انك عند سماع كلمات الاستهجان (ارجع الى بلدك)
تعيش ساعات من الذل..
والاحساس العميق بالغربه...
ارجع الى بلدك لا تشاطرنا (الحياة والنعمة)...
كنت تحدث نفسك بحوار داخلي...
يا ليتكم تعيدوني الى ارضي وأهلي خير لي منكم ...الى  وطني الذي يجري حبه في دمي...
وطني الذي أفاخر انني فيه عزيز لست متسولا ولا مستجدياً
من احد الايواء...
بلدي الذي ارضعتني فيه امي الكرامه ...وأورثني ابي الشموخ وعزة النفس والاباء...
أعدكم انني سأكون انساناً بمعنى الانسانيه...
لست كما تظنون...
انني خلقت حراً ولست ذليلاً ...هذه هي لحظة بؤس مرت بنا وليس التشرد طبعا فينا...
إنها لحظة من لحظات الغضب والجنون الذي يسيطر على الشهوات في بعض بني البشر...
ستعود الامور كما بدأت ...
والى ذلك فأننا نشكر الله تعالى على نعمه والشكر موصول الى كل من مد يد العون...
والمجد للأنسانيه  المجد للانسانية في اي مكان.
 الأعلامي
أ.د.علي احمد المعماري

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1188 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع