أ.د. محمد الدعمي
بل إن المثير للملاحظة والتقدير كذلك، يتمثل في ذلك التماسك والتعاضد بين الهنود في العالم الغربي: في الولايات المتحدة يحيلك الطبيب الهندي، إن اشتكيت من علة خارج تخصصه، إلى طبيب هندي آخر ولا يحيلك إلى طبيب أميركي أشقر طويل. وكان هذا التضامن غير المعلن من أهم أسرار تفوق الهنود في أميركا عبر ميادين العلم والطب والهندسة والاقتصاد والزراعة، من بين سواها من ميادين الحياة الأساس.
كما حجّم العقل الاستشراقي الإنسان العربي واختزله في صورة “حادي العيس”، فأسماه the Camel-Driver، منتقيًا أسماءً عربية شائعة لإطلاقها عليه: فهو إما أن يكون “عبد الله” أو “محمد” أو “علي”، من بين سواها من الأسماء العربية الشائعة، فإنه لم يتوانَ عن خص الشخصية الهندية بالنظرة الدونية، فصورها فقيرة، سمراء، تستجدي، إلخ، كما أن هذا العقل لم ينسَ إطلاق اسم “راج”، تحجيمًا، على جميع الهنود. وهكذا ظهرت شخصية الـ”راج” في أدبيات الاستشراق، كناية عن الإنسان الهندي الذي بقي يرزح تحت نير الاستعمار البريطاني لعشرات السنين، حتى “انقلب المركب على الملاح” منذ نهاية القرن الزائل.
لقد عمدت الحكومات الهندية المتتالية منذ تقسيم شبه القارة والاستقلال إلى الاستثمار، ليس في النفط ولا في الفحم الحجري، وإنما في التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي. وإذا كان الغازي البريطاني قد خرج الهند بحفنات من الملح التي رماها “غاندي” في عيون ضباط الاحتلال، فقد دخل الـ”راج” بريطانيا والولايات المتحدة من الشباك ليري العقل الغربي قدرات الإنسان الهندي اللامحدودة، متأبطًا العلم والمعارف وقالبًا معادلة عصر الكولونياليات رأسًا على عقب.
اذهب إلى بريطانيا أو إلى الولايات المتحدة، وسجل في دفتر ملاحظات صغير كم من الهنود ستلتقي: في المستشفيات ووسائل الإعلام والجامعات والصيدليات ومراكز البحث العلمي، بل وحتى في الوظائف الحكومية الرفيعة هناك، بدليل أن حاكم أريزونا الهندي الأصل، السيد “بوب جندال” Jindal، قد رشح نفسه عن الحزب الجمهوري ليكون، إن فاز في الانتخابات، رئيسًا للولايات المتحدة بأسرها. وهكذا صار الـ”راج” ضحية الاستعمار سابقًا، هو الذي يهيمن على الاستعمار من خلال الإمساك بأهم مفاصل الحياة العامة وضرورات الحياة، ممتطيًا العلم.
بل إن المثير للملاحظة والتقدير كذلك، يتمثل في ذلك التماسك والتعاضد بين الهنود في العالم الغربي: في الولايات المتحدة يحيلك الطبيب الهندي، إن اشتكيت من علة خارج تخصصه، إلى طبيب هندي آخر ولا يحيلك إلى طبيب أميركي أشقر طويل. وكان هذا التضامن غير المعلن من أهم أسرار تفوق الهنود في أميركا عبر ميادين العلم والطب والهندسة والاقتصاد والزراعة، من بين سواها من ميادين الحياة الأساس. والأطرف من كل هذا، فقد بقي العرب يخصون الهنود بنظرة دونية، ففي جامعات ودوائر الخليج العربي، هم لا يوظفون أستاذًا هنديًّا ويفضلون عليه “الأشقر الطويل” القادم من صحارى المناطق المتجمدة! فما هذه العقدة النفسية التي تخص العرب وحدهم؟
وإذا ما حصل وأن تابع المرء الفضائيات الأميركية، فإنه لا بد وأن يشاهد بعينه كيف راحت المرأة الهندية السمراء الممشوقة النحيفة، ذات البشرة الصافية والشعر الأسود الداكن تطرد المرأة الغربية الشقراء المشابهة “لمارلين مونرو” أو لـ”جين مانسفيلد”. وراح الجمال الهندي ذو الخصر النحيل يغزو المسلسلات والأفلام الأميركية، زيادة على ما سبق ذكره من محاور، ناهيك عن غزو نموذج المرأة الهندية الحسناء، التي احتكرت لقب “ملكة جمال الكون” لعدة مرات، لعالم الإعلان والدعاية، فهي تظهر اليوم في إعلانات لسيارات نوع “كاديلاك” وليس “موسكوفيتش”! فما معنى ذلك؟
تركت بريطانيا هند “غاندي” فقيرة تعاني من المجاعات، إلا أن الأخيرة استثمرت في التنشئة والتربية والتعليم. والحق، فقد فعلنا في العالم العربي الغني بالبترول خاصة، شيئًا مشابهًا، إلا أننا أنفقنا المليارات وبقينا بحاجة ماسة لاستيراد الخبرات والخبراء، وبقينا نرسل مرضانا إلى مستشفيات بريطانيا أو الولايات المتحدة كي يجري طبيب هندي العملية الجراحية عليه هناك! هذه إدانة واضحة المعالم لأنظمتنا التربوية.
1097 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع