أ.د. محمد الدعمي
” لقد خرجت الولايات المتحدة من العراق، بعد أن كان احتلاله يمثل الخطوة الأولى لمشروع رسم ملامح شرق أوسط جديد، بيد أن ما جرى بين الموصل والبصرة لم يتمكن من تشكيل ملامح إقليم جديد، ربما بسبب حال طوارئ ظهور ما يسمى، جزافا، بـ”الدولة الإسلامية” وشبكتها الإرهابية. لذا فقد توقف المشروع حتى آن آخر يعلن في حينه،”
ـــــــــــــــــــ
لايمكن للمرء إلا أن يشك في معرفة هؤلاء الذين كتبوا أو حاضروا عن “الشرق الأوسط الجديد” أو “الشرق الأوسط الكبير”، حقيقة مجريات الأمور وما ستؤول اليه في نهاية المطاف. ربما حتى إستراتيجيي الولايات المتحدة ومديري مراكز بحثها المهمة لا يملكون أدنى فكرة عن صورة الشرق الأوسط القادم الذي يتطلع اليه الكثيرون من داخله ومن خارجه. لذا اشاركهم ملاحظة ما يلف هذه المفاهيم من غيمية لا تعكس سوى النظرة الدونية التي تحتفظ بها الدول القوية المهيمنة حيال دولنا وشعوبنا، لشديد الأسف.
للمرء أن يستذكر حقيقة مفادها أن الشرق الأوسط العتيق (أي الحالي) إنما هو بلورة موضوعية لإرادات القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، بعد سقوط الدولة العثمانية (الرجل المريض)، إذ تمت عملية تقاسم ممتلكات تلك الدولة البائدة بين المنتصرين، كما كانت تقسم غنائم الحرب، خاصة بين بريطانيا وفرنسا. لذا فان معظم دولنا القائمة الآن لا تمثل إرادات شعوبها، فقد رسمت حدودها وتقررت تسمياتها بين لندن وباريس، اي في منأى عن العرب والعجم، الترك والكرد. المهم في هذا السياق هي حقيقة مفادها ان الإقليم الذي نحيا بداخله إنما هو بلورة لمصالح المنتصرين بالحرب الكونية الأولى.
أما الإقليم “المنتظر” أو “المتوقع” فقد رفع الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الإبن، رايته تحت عنوانين، هما: الشرق الأوسط “الكبير” أو “الجديد”، فينتظر أن يكون بلورة لمصالح الدولة الكبرى الوحيدة في عالمنا المنفرد القطبية، وأقصد الولايات المتحدة الأميركية. ولكن للمرء أن يتساءل هل يتطلب الإقليم “الأميركي” الجديد إزالة كيانات سياسية وتشكيل أخرى، إضافة على التلاعب بوحدات وتجانس الكيانات الأكبر، على النحو الذي يخدم مصالح واشنطن فقط في نهاية المطاف.
لقد خرجت الولايات المتحدة من العراق، بعد أن كان إحتلاله يمثل الخطوة الأولى لمشروع رسم ملامح شرق أوسط جديد، بيد أن ما جرى بين الموصل والبصرة لم يتمكن من تشكيل ملامح إقليم جديد، ربما بسبب حال طواريء ظهور ما يسمى، جزافا، بـ”الدولة الإسلامية” وشبكتها الإرهابية. لذا فقد توقف المشروع حتى آن آخر يعلن في حينه، في انتظار “غودو”، بمعنى في إنتظار حسم المعركة مع الشبكات الإرهابية، كي يتفرع راسمو الخرائط القديمة والجديدة على سبيل التلاعب والعبث بمصائرنا في شرق أوسط قادم.
إنها مأساة القهر والقسر اللذين يفرضهما القوي على الضعيف. ولكن الأمر لا يمكن أن يتحدد بهذه الخلاصة المؤلمة، نظراً لأن الشرق الأوسط القائم يحتوي على أعمدة بقاء وثبات تقاوم التغيير، متشكلة من دول قوية، لايمكن لرغبات وتيارات التغيير أن تزيلها في سبيل رسم خرائط جديدة كما حدث إثر الحرب العالمية الأولى على ايدي الوزيرين سايكس وبيكو.
إن الشرق الأوسط لابد أن يستجيب لقوى تغيير متواصلة تعمل على تفتيته كما تعمل عوامل التعرية الطبيعية على تفتيت الجبال والصخور، كما أنه لابد وأن يقاوم تيارات التغيير عبر وجود أعمدة بقاء وثبات من النوع الذي يعصى على قوى التعرية، برغم قوتها وتواصلها.
وعليه، لايجد المرء بداً من الافتراض بأن تشكيل الإقليم على نحو جديد لا يمكن أن يكون من احتكار الولايات المتحدة الأميركية فقط، كما حدث سابقا مع بريطانيا وفرنسا، لأنه سيتحقق من خلال تفاعل قوى داخلية وأخرى خارجية، قد تتفاعل أو ترتطم مصالحهما لتقود الى تقسيمات دول وتشكيلات دول جديدة على سبيل الاستقرار على شكل جديد لإقليمنا، “إقليم المفارقات” المربك هذا.
1039 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع