زينب حفني
كان الفنان العالمي عمر الشريف فتى أحلام الكثير من فتيات عصره، بل إنه ظلَّ رمزاً للرجولة عند اللائي لم يعشن زمن الفن الجميل كما يُطلق عليه، لكنهن انجذبن نحوه من خلال متابعتهن لأفلامه العربيّة والأجنبيّة التي برع فيها.
وقد كان هذا الفنان بما يملك وقتها من جاذبيّة فريدة وسحر ورومانسيّة تتميّز بها ملامحه، سبباً قويّاً في أن تفتح له هوليوود أبوابها ليُصبح معشوق عدد من فنانات هوليوود، والتي كانت من أشهرهن وارتبط بعلاقة حب قويّة معها، المغنيّة والممثلة الأميركيّة اليهوديّة باربرا سترايسند. ولولا معارضة اللوبي الصهيوني داخل أميركا ومحاربته لهذه العلاقة التي جمعت بينهما، بسبب كون عمر من أصل عربي ومسلم الديانة، لتكللت بالزواج كما قالت سترايسند بمذكراتها.
لقد شعرت بالحزن وأنا أقرأ خبر موت عمر الشريف. صحيح الموت سيُداهمنا جميعاً عندما يحين الأجل، لكن دوماً رحيل العظماء عن دنيانا يترك غصّة في القلوب، وإن ذوى تأثيرهم مع مضي الأيام، ومداهمة الشيخوخة لأبدانهم، وتلاشي سحر ملامحهم، وخفوت عنفوان شبابهم، لكنهم يظلوا خالدين بأعمالهم المميزة التي تركوها خلفهم.
الفنان العالمي عمر الشريف وصل للقمة التي يحلم بها كل فنان عربي، إضافة إلى حصوله على عدد من الجوائز الدوليّة. كل هذا لم يشفع له، ورحل في هدوء وسط حضور جماهيري باهت وغياب لفنانين كبار، لا تليق بمكانة هذا الفنان العملاق! وهو ما دفع الصحف الفرنسية إلى التعليق على جنازته بالقول إن عدد الكاميرات والمصورين فاقت أعداد المصلين والمشيعين.
تساءلت بحزن: هل الناس ذاكرتها ضعيفة إلى هذا الحد، لينسوا ما قدّمه هذا الفنان من أجل إسعادهم؟ أين زملاء المهنة، ورفقاء الدرب ممن تبقّى منهم؟ هل أصبح الأمر يقوم على اقتناص فرص وضرب الحائط بالمواقف الانسانيّة؟ الناقد الفني طارق الشنّاوي يرى بأن ظهور الجنازة بهذا الشكل يعود إلى عدم وجود من يُحابي ويُجامل خاصة وأن أسرة عمر الشريف التي كانت تتقبّل عزاءه مكوّنة من ولده طارق وحفيديه. قد تكون وجهة نظر الناقد الشناوي واقعيّة، خاصة إذا نظرنا لجنازة الممثل سامي العدل الذي توافق يوم موته مع يوم موت عمر الشريف، حيث توافدت حشود من الناس لتشييع العدل لمثواه الأخير، رغم أنه كان متواضع الموهبة، لكن تكمن أهمية هذا الرجل في أن الفضل يعود له في تبنّي الكثير من المواهب الفنيّة الشبابيّة من خلال شركة الانتاج الفني التي يملكها مع إخوته.
لقد شاء القدر أن يُسقط عقل عمر الشريف في طي النسيان، لتُصبح جدرانه بيضاء لا أثر فيها لأسماء ولا تواريخ ولا مشاهد تتحدّث عن تاريخه الفني العظيم الذي تركه خلفه، ونسيانه لأقرب الناس إليه بمن فيهم ابنه طارق وأم ابنه الفنانة فاتن حمامة، رغم محاولة بعض الاعلاميين إقناع الناس بأنه حزن على وفاة فاتن حمامة التي ماتت قبله بفارق شهور، والحقيقة أنه لم ينتبه لوفاتها!
الناس وإن لم يقوموا بوداع عمر الشريف الوداع اللائق به، إلا أنهم لن ينسوا أعماله الرائعة وستظل علامة فارقة في تاريخ السينما العربيّة والعالميّة. والموقف المخجل الذي تورّط فيه الكثير من الفنانين، يُؤكّد على أن لغة المصالح هي السائدة في الوسط الفني! قد يكون عمر الشريف أوفر حظّاً عن غيره من الفنانين الذين ماتوا داخل حجرات ضيقة دون أن يسأل عليهم أحد، رغم أنهم ملأوا الدنيا صخباً وحضوراً في عز شبابهم، فهل الفنان تنطبق عليه العبارة الشهيرة «شمعة تحترق من أجل إسعاد غيرها»؟
906 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع