د.عبدالقادر القيسي
الجنسية رابطة قانونية وسياسية بين المواطن والدولة التي يحمل جنسيتها، ترتب حقوقاً والتزامات، وتعتبر تجسيدا فعليا للانتماء والولاء للوطن، وشعور بالاعتزاز بالانتماء إليه، وإحساسا بالمسؤولية تجاه قضاياه الوطنية، والدفاع عن مصالحه وأمنه القومي، والاستعداد للتضحية في سبيله، والولاء لا يكون إلا للمكان الذي ولد فيه الشخص،
وتربى وعاش فيه سنوات عمره، والانتماء غريزة فطرية، وكل دولة تكيف قوانينها في ضوء مصالح شعبها، وكثير من دول العالم تسمح بتعدد الجنسية، وقوانين كل الدول التي تعمل بازدواج الجنسية، تنظم العلاقة بينها وبين حاملي جنسيات دول أخرى، بوضع ضوابط من أجل حماية مصالحها الوطنية وقواعدها الدستورية ومواقعها السيادية، كأن يسمح للمواطن المتجنس بالانتخاب ولا يسمح له بالترشيح، والدول والشعوب تريد الحفاظ على أمنها الوطني وتأمين حقوقها السيادية والدستورية، لهذا ترفض أن ينوب أي مواطن أكتسب الجنسية الأجنبية أو أي أجنبي أكتسب جنسية بلدهم مناصب سيادية، فالمواقع السيادية كالسفراء والوزراء وغيرهم، لا يسمح بتوليهم تلك المناصب مالم يتم تنازلهم عن الجنسية المكتسبة او التنازل عن قبول المنصب من اجل الاحتفاظ بالجنسية الأخرى، وهذا ما تعمل به مصر وفرنسا واغلب دول العالم.
أن المهاجر في مرحلته الانتقالية، التي يعيشها في الوطن البديل، يعيش ازدواجية وتتنازعه هواجس عدة بين وطنين، وربما تطول وتقصر المدة كلما توفرت له بيئة الاندماج والتأقلم والمساواة، فالمعيشة الامنة والجيدة وحدها لا تكفي لخلق انتماء إذا كان خالياً من الكرامة والعدالة الاجتماعية، وكلما شعر بنقص ما في كيانه أو مركزه الاجتماعي والعلمي أو افتقد شيئاً من العدالة، او يتولد لديه احساس بانه، قد تنتهك كرامته، يعاوده الحنين مجدداً إلى وطنه الأم حتى وإن كان وطنه في أسوأ أحواله وهذا ما احسست به شخصيا.
ان الدستور حدد قضية التخلي عن الجنسية المكتسبة بفقرة لا عودة فيها امام من يتسلم أي منصب سيادي او أمنى، فهناك ضرورة لوقف تبعية التجاوزات على الحقوق السيادية للدولة، من خلال سن القانون لتفعيل الدستور في المادة 18 الفقرة (4) والتي تنص على ان (يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصباً سيادياً او أمنياً رفيعاً التخلي عن اية جنسية اخرى مكتسبة وينظم ذلك بقانون) ومن خلال القانون يجب تعريف المناصب السيادية والرفيعة التي يجب فيها التخلي عن الجنسية، والنص في القانون على الاجراءات والاليات التي من خلالها يتم التخلي عن الجنسية، والمشرع العراقي رأى انه من باب الاحتياط والاحتراز والأمان؛ ولأن المسؤول في الموقع الامني والسيادي لديه اسرار البلد ومصالح البلد وهو صاحب قرار فربما التزامه بجنسية اخرى نتيجة قسم معين او تأثير خارجي قد يؤثر على هذه الحال، وكل منصب له امتيازات وحقوق وبنفس الوقت عليه ضرائب فضريبة الاخلاص للعراق هي التخلي عن الجنسية لمن يريد ان يعمل في هذا المنصب، وعملية بناء البلد لا تتم الا من خلال تطبيق القوانين والدستور.
وعودا على عنوان مقالنا، كنت جالس في العام الماضي في لندن بعد تولي د. حيدر العبادي رئاسة الوزراء، في جلسة مع اكاديميين عراقيين واخرين، تم التطرق لموضوع تخلي السيد العبادي عن الجنسية البريطانية في مواقع التواصل الاجتماعي في 15/09/2014، وذلك بعد ايام من تقديمه التشكيلة الحكومية الحالية الى مجلس النواب، واخبرنا احد الاخوة وهو من الأصدقاء المقربين للسيد العبادي في لندن(حسب ادعائه)، بان تخلي السيد رئيس الوزراء عن الجنسية البريطانية كان تضليل اعلامي وتخلي فيسبوكي لا قيمة له ولم يأخذ طريقه عبر القنوات الرسمية، وليس له أي اثر قانوني في دولة بريطانيا العظمى؛ لان هناك سياقات يجب اتباعها ونحن في بريطانيا نعرف ان السيد العبادي لا زال مواطن بريطاني، وانتبهت لكلامه وتذكرت ان النائبة حنان الفتلاوي في 8/9/2014 طالبت في جلسة التصويت على الكابينة الحكومية ان يتخلى حيدر العبادي والوزراء الاخرين من جنسياتهم الأجنبية، وكانت التفاتة موضوعية جديرة بالتطبيق لكن الحاضرين من المستفيدين من ازدواجية الجنسية اعترضوا؛ وتم تمرير الحكومة بدون التخلي عن الجنسية الاجنبية، وفي الإثنين29 ديسمبر 2014 وامتثالًا لما جاء في الدستور العراقي تخلي رئيس الجمهورية فؤاد معصوم عن جوازه البريطاني وجنسيته بكتاب رسمي صادر من رئاسة الجمهورية الى السفارة البريطانية يؤكد ويفصح فيه عن تنازله عن الجنسية الأجنبية، وكانت خطوة مهمة باتجاه تطبيق بنود الدستور العراقي من أعلى هرم السلطة والتعبير عن الولاء للوطن.
مع التأكيد، ان الطريق الرسمي الذي من المفترض ان يقوم به السيد رئيس الوزراء، اذا رغب بالتخلي عن جنسيته، عليه ان يقدم تعهدا مكتوبا امام كاتب العدل ومعنون الى رئاسة الجمهورية ومجلس النواب وهيئة النزاهة يفصح فيه انه تخلى عن جنسيته التي يحملها واذا ظهر خلاف ذلك فانه سيتحمل التبعات القانونية، فضلا عن ذلك، عليه ان يرسل كتاب الى السفارة البريطانية مرفق به جوازه وجنسيته الأجنبية يعلن فيه تخليه عنهما، وأن يتعهد كذلك بصفة رسمية بأن لا يعود إلى جنسيته المكتسبة بعد أن تزول عنه نعمة المنصب الرسمي والجاه ولأي سبب كان(فحسب علمنا، ان قوانين الدول الغربية فيها فقرة خاصة يستطيع الذي اسقط جنسيته بان يعود للمطالبة بها لأسباب خاصة)، وبعدها يقوم بتبليغ وزارة الخارجية كي تعمل وفق السياقات الدبلوماسية والإدارية على ابلاغ الدولة التي يحمل جنسيتها وتشعرها برغبة هذا المسؤول بالتخلي عن جنسيتها؛ كونه في منصب سيادي في العراق، وتنويها، لم نشهد أي وثائق أو مستندات رسمية تعود للدكتور العبادي رئيس مجلس الوزراء، منشورة تثبت صحة الادعاء بالتخلي عن الجنسية.
ويرد هنا سؤال: كيف سيتعامل ذلك المسؤول في حال نشوب خلاف بين دولته والدولة الأخرى التي منحته الجنسية؟ والتي لا يمكن ان تتم اجراءات المنح مالم يؤدي يمين الولاء، ففي بريطانيا لا تمنح الجنسية البريطانية الا بعد ترديده قسم الولاء للملكة اليزابث الثانية كما ينص الدستور والقانون البريطاني.
فإذا كنت عراقياً بريطانياً وكنت وزيراً مخيراً بين منح العقد أو المناقصة الفلانية لشركة بريطانية تنافسها شركة فرنسية، فلمن ستنحاز؟ بغض النظر عن مصلحة العراق الأم.
فاذا كان هناك قائد عسكري من حملة الجنسيات الأجنبية لدولة من دول الجوار وحصل اعتداء من تلك الدولة، كيف سيتصرف هذا القائد العسكري؟ هل سيحرك قواته لصد الاعتداء الصادر من دولة يحمل جنسيتها وأدى قسم الولاء لها؟
بالتأكيد سيتم التشكيك في أي قرار يتخذه المسؤول العراقي حامل الجنسية الأجنبية؛ لكونه نابع من حقوق تجاه تلك الدولة المانحة للجنسية، إن لم يكن قد يتهم بالخيانة والعمالة لتلك الدولة.
فماذا يفعل ديفيد كاميرون لدى زيارة السيد رئيس الوزراء الى بريطانيا فهل يستقبله كمواطن بريطاني أدى يمين الولاء للملكة وهو رئيس وزراء دولته؛ وانه ملزم برعاية مصالح بريطانيا (ويمين الولاء البريطاني قاسي بعباراته وصارم لدى منح الجنسية) ام يستقبله كرئيس وزراء دولة العراق؟
والقانون البريطاني يطبق ما زال السيد رئيس الوزراء قد دخل الأراضي البريطانية، وماذا يعمل القضاء البريطاني إذا قام مواطن بريطاني بإقامة الشكوى على السيد العبادي؟ والقضاء البريطاني لا يعرف المجاملات ولا يعرف المراتب والمناصب السيادية لان الكل سواسية امام القانون؛ وقطعا سيتخذ الإجراءات الأصولية المطلوب اتخاذها في الحالات الاعتيادية؟ فاذا أصدر القضاء البريطاني امرا بحق رئيس وزراء العراق، سيتم تطبيقه فورا خصوصا إذا كان متواجد على الأراضي البريطانية؛ باعتباره مواطن بريطاني.
كيف سيكون موقف العراق كدولة ذات سيادة ورئيس وزرائها مثلا تم توقيفه بناءا على شكوى او دعوى؟ او تم مطالبته بدفع تعويض مادي؟ او أي حكم اخر ما هو موقف الدولة العراقية؟ أسئلة نطرحها وتحتاج الى إجابة وافية خاصة في ظل بقاء الجنسية الأجنبية بحوزة رئيس وزراء العراق ولا يريد التخلي عنها.
وقد طرحت هذه الأسئلة على محامي في محكمة ليفربول (ليفل 3) أي مستواه متقدم، واكد لي ان القانون البريطاني يطبق ولا حصانة لرئيس الوزراء كونه يحمل الجنسية البريطانية، إذا كانت هناك شكوى من أي مواطن بريطاني خاصة ذات الطابع المدني، وكررت السؤال على محامي في محكمة أدنبره في أسكتلندة واجابني نفس الإجابة تقريبا لا حصانة لرئيس الوزراء، طالما يحمل الجنسية البريطانية وحامل للرقم الوطني البريطاني، وتطرقت معهم لموضوع الحصانات الدبلوماسية الدولية التي تمنح لرئيس الدولة ورئيس الحكومة، والتي تكفل لرئيس الدولة حصانات قضائية وامتيازات يتمتع بها عند سفره الى بلاد أخرى نظرا لوضعه السامي حيث يأتي على قمة النظام السياسي للدولة ويعد الدبلوماسي الأول لها ورمز سيادتها، وقسم من هذه الحصانات ترتكز على المجاملات الدولية، ولا ترتكز على أسس قانونية، ورئيس الدولة الأجنبية يتمتع على أراضي البلد الذي يزوره، بالأمان الكامل المطلق سواء في مواجهة السلطات المحلية او المؤسسات الصحفية والإعلامية، وتلتزم السلطات المحلية بعدم التعرض لشخصه بالاستيقاف او القبض او باي إجراءات من الاجراءات الجزائية الأخرى، أي تلتزم الدولة المضيفة باتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع الاعتداء عليه، خاصة اذا كانت القوانين العقابية الداخلية تنص على نصوص تتعلق بتحريم التعرض لرؤساء الدول الأجنبية، كما في قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته في نص المادة (227) منه وهي المادة التي تم وفقها اصدار الحكم بحق منتظر الزيدي عندما تعدى على الرئيس الامريكي (بوش)، وسئلتهم بعد هذه المداخلة؛ ان هذه الحصانات تنصرف لرئيس الدولة او رئيس الحكومة العراقي الجنسية مثلا؛ أي لا يحمل جنسية ذلك البلد الذي يزوره، فاذا كان يحمل رئيس الدولة او رئيس الحكومة جنسية البلد المضيف؟ فاخبروني ليس هناك حصانة حتى لكاميرون ان هو انتهك القانون، لأنه مواطن بريطاني والقانون البريطاني يطبق عليه؛ وهذا الامر ينصرف لأي شخص مهما كانت صفته.
أنى اضع تلك الأسئلة واجوبتها امام من لديه راي اخر يخالف ذلك، وعسانا مخطئين.
لا يعتقدُ وطني منصف، أن رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية او الوزير، يمكن أن يعيش بجنسيتين، واحدة يستحقها بالولادة، وأخرى اكتسبها بالهجرة، وهناك ضرورة لحسم القضية لصالح الانتماء الوطني وليس مصلحة الشخص، وإلا فليترك المسؤولية العامة، ويعيش وفق ما يريد.
أصبحت قضية ازدواج الجنسية للبرلمانيين العراقيين والمسؤولين في مختلف مفاصل الدولة تثير كثيرا من التساؤلات بشأن إمكانية عملهم بجدية وإخلاص لبلدهم وهم يجتهدون للحفاظ على جنسية بلد آخر، وأن السماح بازدواجية الجنسية بالترشح للمناصب السيادية، يشكّل خرقاً خطيراً للسيادة الوطنية، وقد يشكّل منفذا لخيانة الوطن، والخرق إن حدث سيهدّد مستقبل البلاد وسيادتها الوطنية، ويمهّد لجعلها تابعة لدول أجنبية، يمكنها صناعة رئيس الجمهورية او رئيس وزراء بالخارج.
إن قضية ازدواجية الجنسية ساعدت بعض السياسيين -ممن تسلموا مناصب وزارية في الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد بعد عام 2003على الهرب خارج البلاد والتمترس بالحماية الاجنبية من الدولة صاحبة الجنسية التي توفر له الحماية، وعجزت هيئة النزاهة العراقية عن ملاحقتهم قانونيا في تهم فساد تورطوا فيها أثناء توليهم المنصب الحكومي.
ان غالبية هرم السلطة في العراق من القمة الى القاعدة من التبعيات الاجنبية ومن مزدوجي الجنسية والولاء ابتداء من رئيس الوزراء الى سبعة عشر وزير وثلاثون سفير واكثر من خمسين نائب في البرلمان وغيرهم الكثير من قادة الكيانات السياسية الذين يتبوؤن مواقع سيادية في الدولة العراقية، والنواب والوزراء اللذين يمتلكون جنسيتين يشكلون أكثر من 20% من المسؤولين (تصريح أسامة النجيفي) الى جانب حوالي 70 نائبا في البرلمان وعوائلهم متواجدة في الخارج وابنائهم في المدارس واسقاطهم للجنسية يؤدي حرمان عوائلهم من هذه الامتيازات( تصريحات نواب البرلمان بهاء الاعرجي وامير الكناني).
في 16 تموز من العام الماضي، اقر مجلس الوزراء، قانونًا يقضي بإلزام الذين يشغَلون مناصب سيادية بالتخلي عن جنسياتهم المكتسبة والإبقاء على الجنسية العراقية، لكن هذا القانون لم يطبَّق، ولو تم تطبيقه لاضطر عدد كبير من المسئولين إلى مغادرة مناصبهم إذا لم يتخلوا عن جنسياتهم، ولو تم التصويت على هذا القانون، لكنا اسسنا لمبدأ (ان من لا يثبت وطنيته بقبوله بالجنسية العراقية وحدها لن يكون مؤهلا لتولي مناصب رفيعة).
ان الدستور العراقي صريح وواضح بان المناصب السيادية والامنية لا يمكن أن تعطى للأشخاص مزدوجي الجنسية, والزم بان يسن قانون لتبيان هذه المناصب، وعدم سن القانون لا يعني منح الدستور الخيار للشخص المزدوج الجنسية ان يكون في صدارة المناصب السيادية؛ لان القاعدة التي اقرها الدستور هي منع ازدواجية الجنسية للمناصب السيادية ولا يجوز اسقاط هذه القاعدة بالتذرع بتشريع قانون لان الأصل موجود ويجب عدم تجاوزه لان هذه المناصب سيادية وحساسة وتمس الامن القومي للبلد فلا يجوز التساهل او اسقاطها لأسباب شكلية تتعلق بأعمال تنظيمية لا تسقط الازدواجية كقاعدة دستورية، وكان من المفروض العمل بهذا النص من تاريخ اقرار الدستور، ولا يمكن التعذر بعدم صدور قانون بهذا الشأن لأنه في حالة عدم وجود قانون تفصيلي ينظم ذلك، فان المحكمة الاتحادية العليا هي المعنية بتفسير الدستور وتعيين ماهية المناصب السيادية وتفصح عن ممن تنطبق عليهم هذه المادة.
والموقع السيادي لا يحتاج توصيفه الى قانون او فتاوى قانونية لان اغلب دول العالم اجمعت على ان كل عنوان وظيفي يتطلب أشغاله اصدار قرار رئاسي أي (مرسوم جمهوري او ارادة ملكية) يعتبر موقع سيادي لذلك صنفت قوانين تلك الدول مناصب السفراء والوزراء والمدراء العامون ورجال القوات المسلحة ومن هم بدرجة وزير فما فوق مواقع سيادية ولا يسمح بتوليها من حاملي الجنسيات المزدوجة مالم يتم تنازلهم عن الجنسية المكتسبة او التنازل عن قبول المنصب للاحتفاظ بالجنسية الأجنبية، وبإمكان مجلس النواب مخاطبة المحكمة الاتحادية العليا بصدد تحديد ماهية المناصب السيادية لاسيما هي معنية بتفسير الدستور.
ان عضو مجلس النواب لا يمثل دائرته الانتخابية وإنما يمثل الشعب فلا يمكن لهذا العضو المزدوج الجنسية أن يكون مجزئ الانتماء والولاء، ويعد خلافا للقوانين ومبادئ الدستور وقفزا على المبادئ والقيم الوطنية.
ان العمل بازدواجية الجنسية أدى الى تخمة بسفارات العراق في العالم بسفراء يحملون جنسيات الدول المضيفة، وقد برزت هذه الظاهرة على نحو لا يقبل الشك عندما خَيرتْ الحكومة الأميركية سفيرتنا المعينة بواشنطن بين الاحتفاظ بجنسيتها الأميركية أو التنازل عنها مقابل منصب سفيرة، وكان خيارها الاحتفاظ بالجنسية الأميركية بدلاً عن سفارة بغداد، ولكن مع هذا لم تفعل وزارات الخارجية في دول كبريطانيا والدانمارك وغيرها، مثل هذا الإجراء الأميركي، الأمر الذي أدى إلى امتلاء سفاراتنا بأصحاب الجنسيات المزدوجة، ومن عجائب الأمور أن يظهر سفير العراق بلندن، بين الفينة والأخرى، على شاشات الفضائيات وهو يضع العلامة الحمراء لحزب العمال البريطاني على صدره، كناية عن تأييده لهذا الحزب بدلاً عن حزب المحافظين:
فهل هذا الرجل سفير عراقي ام بريطاني يعمل في لندن بالنيابة عن حكومته؟
وهديا بما تقدم، كشف السيد سليم الجبوري، الاثنين/ 2007، إن “السبب الحقيقي في تأخير امر التصويت على السفراء هو ان نسبة 90% منهم يمتلكون الجنسية غير العراقية فضلا عن الجنسية العراقية”.
وأشار الى ان “البعض منهم ما زال يقيم في الدولة التي يراد ان يكون سفير فيها والبعض منهم لم يأتي للعراق اصلا حتى في ظل هذا الظرف الموجود وانما كان قد رشح من قبل كتلة سياسية ليكون سفيرا بناء على ما تعتقد هذه الكتلة بما لديه من مؤهلات”.
والكارثة تكمن في أصرار هؤلاء العراقيين (الاجانب) في الاحتفاظ بتلك الجنسيات الاجنبية رغم عودتهم الى العراق وتبوئهم أعلى المناصب ورغم أعدام صدام وسقوط حكم البعث؛ السؤال هنا:
لماذا يحتفظ الاخوة بتلك الجنسيات؟
انهم لن يستغنوا عن جنسياتهم الاجنبية والدليل ان عوائلهم لا زالت تعيش في تلك الدول وان رواتبهم ومخصصاتهم وما يحصلون عليه، كلها تحول الى البنوك الاجنبية للعائلة يعني ما عندهم بالعراق لا ناقة ولا جمل وغالبيتهم لم يترك المنطقة الخضراء الا عند الايفاد أو السفر للأهل، وعليه فانهم يدركون بانهم مسؤولين مؤقتين، ولو حصل أن القي القبض على أحدهم فانه يبرز الجنسية الاجنبية ويطلب قنصل بلاده للدفاع عنه أو تهريبه مثلما حصل مع أيهم السامرائي وغيره.
وأخيرا: انقل لكم أروع قرار قضائي يجسد حالة ازدواجية الجنسية بكافة زواياه وبدقة، صادر من هيئة مفوضي مجلس الدولة المصري المعروفة بقوة حججها الفقهية والتي تحظى باحترام شديد من قبل فقهاء القانون، في حكم لها ((ازدواج الجنسية هو ازدواج الولاء، ... أن الحصول على جنسية أخرى غير الجنسية المصرية يعني أن الولاء أصبح منقوصا، في حين أن النيابة عن الشعب المصري تتطلب ولاءا مطلقا لمصر، ... أن الدستور ينص على الإيمان العميق بالوطن لنائب البرلمان وليس مجرد أن يكون من أبويين مصريين. .. ان هدف القانون المصري من الأخذ بازدواجية الجنسية، هو طمأنة المصريين الذين يقيمون في الخارج على حقهم في العودة الى الوطن الأم، وهو ما يمنحهم قوة نفسية في كفاحهم في دول المهجر، فإذا ما انتهت إقامة المصري وعاد وأقام في مصر ومارس العمل فيها، هنا تزول الأسباب الداعية الى احتفاظه بالجنسية الأجنبية، إلا إذا كان حمله للجنسية الأجنبية يمثل شرفا له يرفض التنازل عنه أو يمثل له حماية من دولة أجنبية، وكلاهما اعتراف صريح بعدم الولاء للوطن الأم، والمصري الحقيقي المعتز بجنسيته المصرية يرفض أن ينازعه في ولائه أي وطن آخر مهما كان )) .
885 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع