د.عبد القادر محمد القيسي
نشر موقع وكيليكس، في (20 حزيران 2015)، 60 ألف برقية دبلوماسية يقول إنها مسربة من وثائق المؤسسات الدبلوماسية السعودية، وتعهد الموقع بنشر أكثر من 500 ألف وثيقة.
وأعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 3/تموز/2015، تشكيل فريق فني من جهات دبلوماسية ومخابراتية للوقوف على حقيقة الوثائق التي سربها موقع وكيليكس مؤخراً، وحسنا فعلت والعبرة بالنتائج.
ونتوقف مع ما نشره موقع وكيليكس وبيان الحكومة العراقية، لنناقشه في عنوانين رئيسيين:
الأول: كيف يمكن تصنيف تسريبات وكيليكس من زاوية قانونية؟
الثاني: ما مدى قانونية تحركات الحكومة العراقية بصدد من وردت اسمائهم؟
العنوان الأول: ما هي القيمة القانونية لوثائق وكيليكس، وهل يمكن تحريك دعاوى جزائية اعتماداً على وثائق منشورة على المواقع الالكترونية؟
الشق الأول: ما هي القيمة القانونية لوثائق وكيليكس؟
ان قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لعام 1969 وتعديلاته قد أورد نصوص عقابية في الباب الأول والثاني والتي تخص الجرائم الماسة بالأمن الخارجي والداخلي للعراق والتي تعاقب على الأفعال الجرمية التي أتت على ذكرها الوثائق لكن أوامر سلطة الائتلاف المؤقتة قد أوقفت العمل بقسم منها منذ سنوات، ولسنا بصدد ذلك.
لا بد لنا من البحث في القيمة الثبوتية لهذه الوقائع على الصعيد القانوني الجزائي بمعنى آخر ما هي القيمة القانونية لهذه الوثائق وهل تشكل إثباتاً قانونياً يمكن الارتكاز إليه في الإدانة؟ إن إثبات الجريمة يتم عندما يقام الدليل لدى السلطات المختصة بالإجراءات الجزائية على حقيقة قيام الجريمة أو عدم قيامها وبالطرق المشروعة وبيان نسبتها إلى المتهم وشركائه، والإثبات هو صاحب الدور الحاسم في مصير الدعوى الجزائية وهو العصب الرئيس للحكم الجزائي، إذ فيه يكمن السبب الذي يقود القاضي إلى إصدار هذا الحكم بالإدانة أو البراءة.
وفي القضايا الجزائية لم يرسم قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي المرقم 23 لسنة 1971 النافذ، للقاضي طرق الإثبات للوصول إلى الحقيقة ليصدر حكمه خصوصا ما يتعلق بالقرائن، ولم يحصر له قيمة أي من طرق الإثبات، بل ترك للقاضي أن يختار من طرق الإثبات ما يوصل للحقيقة، وله مطلق الحرية في اختيار أي وسيلة ممكنة يطمئن إليها ليكون اقتناعه الذاتي، وهذا ما ذكرته المادة 213/أ من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
القيمة الأولى: وثائق وكيليكس تعد قرائن ضعيفة:
أن قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ لم يتطرق الى مسألة القرائن والأدلة الظرفية، لذا يتوجب البحث في قانون المرافعات المدنية وقانون الاثبات العراقي المرقم 107 لعام 1979 النافذ فـــي هذا المجال لتطبيقه.
فالأثبات بالقرائن نقصد به استنتاج الواقعة المطلوب أثباتها من واقعة أخرى قام عليها دليل اثبات وقد عرفت القرائن بأنها (النتائج التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة) والقرائن نوعان: قرائن قانونية وقرائن قضائية (م98 و102 من قانون الاثبات العراقي)، والقرائن لها أهمية في كل نظام إثبات فمثلا إذا اتهم شخص بسرقة منزل ولم يكن هناك شهود لكن يلاحظ على باب المنزل بصمات تثبت أنها له وكذلك تضبط مسروقات بحوزته، فهناك قرينتين على أنه هو الذي ارتكب السرقة.
ويجب التمييز بين القرائن القانونية والقرائن القضائية فالقرينة القانونية تكون اما بسيطة تقبل اثبات العكس أو مطلقة لا تقبل إثبات العكس فالبسيطة مثلا وجود شخص في محل لبيع المجوهرات فهذه قرينة على ارتكابه جريمة سرقة لكنها قرينة تقبل إثبات العكس والمادة (100) من قانون الاثبات نصت على(يجوز نقض القرينة القانونية بالدليل العكسي ما لم ينص القانون على غير ذلك)، أما القرائن القضائية تُعد دليلاً غير مباشر يستلزم أولاً ثبوت بعض الوقائع قضاءاً؛ وهي مرتكزة على الاستنتاج الفكري الذي يقوم به القاضي، القرائن وقد يُخطئ بشأنها القاضي ولا يصيب، في مرتبة متدنية (بين طرق الإثبات) عن مرتبة الكتابة والإقرار.
والوثيقة خبرٌ وشهادة، اذ انها تبوح بالكثير من الاسرار وتكشف المستور عن الكثير من القضايا لكنها تحتاج الى اثباتات، والوقائع التي وردت في تسريبات وكيليكس ينطبق عليها وصف القرائن لاسيما هناك وقائع قابلة لأثبات العكس وقد وردت في غالبية الوثائق المسربة، ولنأخذ مثال: (إيداع مبلغ... في حساب رقمه ... باسم النجيفي في بنك في تركيا) ان هذه المعلومة عائمة وغير كافية لوحدها، ولان صحة صدورها غير متحققة والوثيقة مستنسخة غير اصلية، وثانيا تحتاج الى مخاطبات للبنك المودع به المبلغ ليؤكد الإيداع او ينفيه، وأخيرا نحتاج اعتراف المودع اليه المال، هذه الوقائع اذا تعاضدت كونت قرائن وادلة ظرفية يقينية تعد بمرتبة الدليل المادي المباشر، وعندها، تصبح حجة اتهام معتبرة قانونا وبعدها تصلح للإدانة.
القيمة الثانية: وثائق وكليكس يمكن اعتبارها ادلة ظرفية:
ان الكثير من الجرائم لا تثبت فيها التهمة على المتهم بأدلة مباشرة ومادية ولكن القضاة يدينون المتهم بالجرم وفق الأدلة الظرفية، والادلة الظرفية تعنى ان هناك الكثير من القرائن والشهادات والملاحظات والمؤشرات التي تشير بشكل قوى الى ان المتهم مذنب أي أنها ترجح كفة ثبوت التهمة أكثر من نفيها، فليس من الممكن توفر اعترافات شخصية او أدلة مادية ويقينية في كل جريمة، فالكثير من الجرائم لا يترك فيها المجرم وراءه أدلة مادية ملموسة ضده ولكن تكفي لإنزال الحكم على المتهم الأدلة الظرفية إذا تكاثرت وتعاضدت بحيث تجعل القضاة يعتقدون في قرارة أنفسهم أن المتهم مذنب بالفعل، لذا فالأدلة الظرفية، عبارة عن عدد من الحقائق البسيطة التي إن نظرت إلى إحداها بحد ذاتها فقط؛ لا تعني لك شيئاً، ولكن قد يكون في جمعها مع عدة حقائق أخرى تُكون قرينة قوية.
ان ما يحدد مستوى الصدقية في الأدلة الظرفية هو مصدر المعلومات الذي خضع لتحليل أتاح استنتاج الدليل الظرفي، ومنهجية التحليل المعتمدة، وما نراه في وثائق وكليكس قد تكون هناك حقائق بسيطة في بعض الوثائق لكنها غير متجانسة مع اخريات يمكن جمعها وتكوين منها دليل ظرفي اقوى من الدليل المباشر مما يجعل غالبية هذه الوثائق تعد أدلة ظرفية قاصرة وغير ذات قيمة ثبوتية.
والدليل إذا تسرب اليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
وهناك مسالة مهمة يمكن على اساسها تقسيم هذه الوثائق إلى قسمين لناحية الإثبات القانوني:
القسم الأول: الوثائق التي لم ينفِ من ذكرت أسماءهم فيها ويعد ذلك إقرار، والأدلة المعتبرة لدى المحاكم هي الاقرار الذي يعدّ سيدها والشهادات العيانية ثم تأتي الأدلة الالكترونية لتعزز ذلك.
القسم الثاني: الوثائق التي نفى من ذكرت أسماؤهم فيها ما ورد على لسانهم تعتبر بدءا بينة خطية يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات لتصبح بينة خطية قاطعة، أي دليل مادي منتج لأثاره القانونية.
حتى الان لا نستطيع ان نعتبر وثائق وكليكس الا قرائن ضعيفة لها قيمة سياسية (توقيتاً ومضموناً) وليس لها قيمة قانونية، وحتى تصبح قرائن لها قيمة مكتسبة إضافية فعالة لا بد من اعتمادها على أدلة تدعمها وتؤكدها وتؤيدها، وتحتاج لكي ترقى الى الدليل الى ان يعترف بها المعنيون بتلك الوثائق اضافة الى وجوب اعلان السلطات المختصة في السعودية صحة صدورها عنها.
الشق الثاني: هل يمكن تحريك دعاوى جزائية اعتماداً على وثائق منشورة على المواقع الالكترونية؟
من المعروف ان وزارة الخارجية السعودية وقبلها الأمريكية لم تنف صحة هذه الوثائق لكنها لم تؤكد مصداقيتها، ورافق ذلك عدم صدور نفي جدي عن الآخرين وإن كان بعضهم قد حاول أن يدلي بتوضيحات ويهرب إلى الأمام بمواقف تذكيرية بالماضي النضالي، أو العروبي أو السيادي، وهناك عدة أسئلة تثار:
هل على القضاء العراقي التحرك وإقامة الدعاوى بحق المتورطين بالتآمر على العراق؟
هل تعتبر هذه الوثائق ادلة مادية ومادة جرمية في تجريم هؤلاء السياسيين بالعمالة لطرف أجنبي؟
هل بإمكان القضاء ان يحقق مع من ورد اسمه في تلك الوثائق ليقدمها الى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى؟
هل بإمكان القضاء العراقي تحريك شكوى جزائية بحق الاشخاص الذين فضحتهم وثائق موقع وكيليكس باعتبارهم هددوا امن واستقرار العراقيين بتطبيق المادة (١٥٦) من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنه ١٩٦٩ المعدل والتي تنص على أن: يعاقب بالإعدام كل من ارتكب فعلا بقصد المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة اراضيها وكل فعل من شأنه أن يؤدي الى ذلك”؟
على الرغم من أن الوثائق التي نشرت على موقع وكيليكس خطيرة، إلا أن القضاء لا يتعامل مع هذه الوثائق كأدلة، من الناحية القانونية، كونها من الناحية القضائية لا تشكل حجة اتهام معتد بها يمكن الاستناد اليها او دليل ادانة او اساس لإصدار حكم ما، والقضاء يتعامل مع ادلة ملموسة وليست وثائق مستنسخة أي غير اصلية ومسربة ومنشورة عبر المواقع الالكترونية، بالرغم من ان هناك بعض الوثائق وردت فيها وقائع تعد في قسم منها حقائق، ولو اجتمعت جميعها لأصبحت ادلة ظرفية بمرتبة الأدلة المادية المباشرة وتدل على تورط بعض الاشخاص بالتخابر او التعاون مع دولة اجنبية وهذا يعد خيانة عظمى.
صحة الدليل تعتمد على مشروعية الحصول عليه:
ان المادة (5) من قانون الاثبات العراقي تؤكد التقيد بمبدأ حسن النية في تقديم الأدلة، والدليل الذي يستخلص بأسلوب غير قانوني لا يجوز استخدامه لأدانه المتهم ولكن يجوز الاستعانة به لأثبات البراءة، ووثائق وكليكس اكثرها ذات طابع تجسسي يطغى عليها التجسس وسرقة البيانات وتوظيفها للنيل من الاخرين، وفي النهاية يمتلك من يقوم بالتسريب إمكانية العبث بما لديه من معلومات وتلفيق البعض الآخر ودمج بعض الصحيح بكثير من المزيف، لذلك فالتعامل مع هذه التسريبات ينبغي أن يكون قائما على الحذر والتمهل وعدم الجزم بصحتها، ويجب توفير أكبر قدر ممكن من الأدلة المقنعة ذات المصداقية، لتكون ذات اعتبار قانوني.
وقضاء محكمة التمييز الاتحادية دائما يذهب باتجاه عدم الركون كليا الى الادلة الالكترونية، لان هذه الوسائل من الممكن افتعالها ودبلجتها وتحريفها.
عليه وبحدود ما سبق وصفه، وهديا بما صرحت به السلطة القضائية يوم 7/7/2015، نعتقد:
ان القانون لم ينص صراحة على اعتبار الوثائق المنشورة على الانترنيت والفيديوهات والتسجيلات دليلا، لاسيما ان التقنيات الالكترونية الحديثة والبرامجيات المتطورة يمكنها التلاعب في الوثائق والمستمسكات والصور، ما يتطلب الدقة في اعتمادها، وعلى هذا الاساس فان جميع الوثائق المستنسخة التي تداولتها وتتداولها المواقع الاخبارية الالكترونية لا تعد حجة دامغة ترتقي لإدانة اي متهم بها.
رجوعا الى بيان السلطة القضائية، والذي اسقطت به أي قيمة قانونية للوثائق المسربة، ولم تعطيها أي مرتبة بالإثبات الجزائي او حتى أهمية بالوسط الاجتماعي الذي تأثر بالتسريبات ويريد ان يرى ما هي الإجراءات القانونية المفترض اتخاذها لخطورة الامر، وذلك في رأي يعتبر خطأ غير مقصود، بعكس ما فعلت الحكومة عندما رأت ان الموضوع اخذ حيزا كبيرا من راي الشارع واستفزاز اكبر من الوطنيين، لما تشكله هذه الوثائق ان ثبتت صدقيتها، من تهديد للنظام السياسي والأمني والاقتصادي للعراق، فامرت بتشكيل فريق فني مخابراتي دبلوماسي(ونتمنى الجدية الوطنية) لأجل الوقوف على حقيقة الوثائق، لاسيما؛ ليس من الصحيح ان نسلم بان ما ورد في الوثائق غير صحيح، كونه منشور على مواقع الكترونية وانه مستنسخ وان في قسم منه مزور، لان في ذلك اهدار لمعلومات قد تكون بوابة لجرائم عديدة؛ لذا كان على السلطة القضائية الموقرة ان تشير في بيانها الى ما قامت به الحكومة من تشكيل فريق فني مخابراتي دبلوماسي، وانها بانتظار ما يتوصل اليه الفريق من نتائج؛ وانها على استعداد للتعاون مع الحكومة لأجل الاقتصاص ممن يثبت انهم متورطين في الوقائع التي أوردتها وثائق وكيليكس، من خلال عرضها على محاكم التحقيق المختصة لتأخذ مسارها القانوني المعمول به.
ان عمل القضاء يجب ان يكون مكمل لما سوف يترشح من عمل اللجنة المشكلة من مجلس الوزراء بصدد وثائق وكيليكس واللجنة اذا كانت جادة وليست كسابقاتها ستقرر في توصياتها ما اذا كان هناك جريمة تتطلب أتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتورطين في ارتكابها، لان ذلك يشكل وفقاً للقانون قرائن أو بداية أدلة قد تكون ثبوتية وقد تشكل في بعضها جرماً جنائياً، وتصبح حجة اتهام معتبرة وعندها تقوم المحاكم العراقية بالنظر فيها بعد ان تم مراعاة الطرق الرسمية في رفع الدعوى القضائية، ويفترض استدعاء ممن أقروا بما ورد في وكيليكس للتحقيق معهم قضائيا، وفي حال ثبوت ما قاموا به أو ما أسروا به إلى السفارة الاميركية او السعودية وغيرها وذلك يجعلهم عرضة للمحاكمة وإنزال العقوبات وفقاً لما نص عليه قانون العقوبات في المادة 156منه وغيرها.
ولأجل ان يكون عمل القضاء مساعد ومنسجم مع عمل اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء بصدد وثائق وكيليكس، هناك ضرورة ان يقوم الادعاء العام بمخاطبة مجلس الوزراء بصدد الإسراع بإكمال عمل اللجنة لان الامر يتعلق بأمن البلد وتهديد للنظام السياسي القائم، وخير من يمثل ذلك جهاز الادعاء العام.
وهناك تساؤل: هل يستطيع القضاء المضي قدما إذا ما رأى ان اللجنة ستكون كسابقاتها بلا نتائج وتخضع للمساومات والتجاذبات السياسية كما حدث في اللجنة السابقة؟ وهل سيبقى القضاء والادعاء العام ينتظر عرض نسخاً اصلية تدين اشخاصاً او جهات بشكل دامغ؟
برأينا وقد نكون مخطئين:
بإمكان القضاء العراقي وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية تحريك الشكوى الجزائية بداية من خلال الادعاء العام وهو اطار قانوني معمول به، تقوم محكمة التحقيق بإجراء تحرياتها وتحقيقاتها حتى بدون ان ترسل بطلب المعنيين والى ان تتكون لديها قوام كامل من الأدلة والقرائن ذات المصداقية، لتقوم بعدها باستدعاء من وردت أسمائهم وتحقق معهم من خلال ما توفر لديها من دلائل تستوجب اتخاذ الإجراءات القانونية، وهذا ما يحصل في تحقيقات جهاز المخابرات ومكافحة الإرهاب والامن الوطني، عندما ترد اليهم معلومات عن اتهامات بصدد جرائم خطيرة يقوم ضباط التحقيق في هذه الأجهزة بعرضها على القاضي المختص، فيوعز القاضي بإجراء التحريات والتأكد من المعلومات ومصدرها، وبعدها اذا تأكد للقاضي هناك مؤشرات او دلائل جرمية، وان الشكل القانوني للدعوى القضائية قد اكتمل، يصدر امره باستدعاء المتهم او اصدار امر القبض بحقه وحسب سلطته التقديرية.
ولي استدراكه أخرى على بيان السلطة القضائية الموقرة يوم 7/7/2015 وعسانا مخطئين، وما نصه:
واضاف البيرقدار أن ((القانون العراقي لا يمكنه اعتماد ما نشر من وثائق لموقع ويكيليكس تتعلق بشخصيات سياسية... كدليل اتهام صريح او وثيقة معتد بها او قرينة، لأنها صدرت على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية وبوثائق مستنسخة وغير اصلية وبعضها ثبت بالدليل انها مزورة او تم التلاعب بها))وأشار الى ان((التقنيات الالكترونية الحديثة والبرامجيات المتطورة يمكنها التلاعب في المستمسكات او الوثائق، ما يتطلب الدقة في اعتمادها، وعلى هذا الاساس فان جميع الوثائق المستنسخة التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية الالكترونية لا تعد حجة دامغة ترتقي لإدانة اي متهم بها...))
ان المؤسسات الإعلامية والمواقع الالكترونية قادرة على نشر أية معلومات أو توجيه اتهامات لجهات معينة او شخصيات، إلا أن الأهم هو اقتفاء صحة تلك الاتهامات بالأدلة والقرائن، والقضاء عموما، يهتم بالوثائق الالكترونية ويتخذ إجراءاته كاملة؛ إذا اعتمدت الطرق الرسمية في رفع الدعاوى القضائية وعرضت على محاكم التحقيق والادعاء العام لتأخذ اطارها القانوني المعمول به، ولكن يعتبره دليلا ضعيفا (ممكن الاستئناس به)، ما لم يعزز بأدلة أخرى، فإذا تزامن المنشور الالكتروني مع أدلة ثانية فبهذه الحالة ممكن الأخذ به، خاصة اذا تعلق بجريمة جنائية او إرهابية، لكن هناك مفوضية نزاهة وأجهزة تحقيقية اخرى تأخذ ما يرد اليها من اخبارات عن طريق الانترنيت وتقوم بالتحقيق به وقد يكون ذات مصداقية(نادرا) وقد يكون مفبرك(غالبا)، ويتم اصدار أوامر قبض وبعدها مداهمات ليلية، ويتبين بعدها ان الاخبارات كانت غير صحيحة وكثير من تلك الشواهد ماثلة في الساحة القضائية، وان تصريح السلطة القضائية بان ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي غير معتد به؛ هذا يعيدنا الى القرار التمييزي الذي صدر قبل فترة والذي اعتبر مواقع التواصل الاجتماعي من المواقع المعتد بها قانونا؛ اليس الامر في ذلك تناقض واضح وكبير ويحتاج الى تصحيح؟ وتعزيزا لذلك، انا كاتب المقال قد تم التحقيق معي بأمر من رئاسة مجلس القضاء الأعلى وحقق معي السيد رئيس محكمة التحقيق المركزية في وقتها(قاضي تمييز حاليا) بسبب منشور مفبرك على الانترنيت تم ارساله لمجلس القضاء الأعلى، وتبين بعدها عدم صدقيته، وكتبت قبل فترة في مقال، عن اتهام لاحد المحامين بسبب منشور على الفيس بوك( منشور به صورة للمحامي بانه داعشي) وتم اعتقاله(العهدة على الراوي)، فالعدالة واحدة وليست انتقائية.
اننا أشرنا لتصرفات وممارسات فردية نتمنى التوقف عندها ومعالجتها.
ولأجل تقييم الوثائق من حيث هيئتها وشكليتها ومضمونها لتكوين رؤية متماسكة يمكن اعتمادها، سنعمل على تقييم هذه الوثائق من الناحية الموضوعية ومن الناحية الشكلية:
من الناحية الشكلية:
ألف: الوثائق في قسم كبير منها لم تكن دامغة لخلل في الشكل من حيث الخط والفورمة واختلاف لون الصفحة أكثر من لون، وحملت تواريخ قريبة، أشارت في غالبها الى العراق والسعودية ومصر.
باء: الوثائق لا قيمة لها من الناحية القانونية لعدم توافرها على ارقام او تواريخ تمنحها الصفة الرسمية.
جيم: بعضها تبدو وثائق مزورة لا تستند الى اشكال الوثيقة ومدى مطابقتها لمعايير الوثائق المتعارف عليه.
دال: يجب مناقشة مشروعية التسريبات من عدمها حيث إنها عملية تعتمد على الية التجسس والاستحواذ غير المشروع على المعلومات والبيانات وتوظيفها، لذا إمكانية تحريفها وحتى تزويرها واردة جدا، فينبغي عدم التعجل في نفي محتواها أو تبريره.
من الناحية الموضوعية (مضمونها): هناك قواسم رئيسية تكتسي هذه الوثائق:
في البدء هذه الوثائق هي مرسلات صادرة عن السفارات واغلبها عن السفير نفسه او من ينوبه او ديوانه، فالسفارات عموما تقوم بقراءة الوضع المنظور وكتابة التقارير حول هذا الوضع وإعطاء اراء، فالوثائق المسربة تشترك في خمسة قواسم رئيسية ولا أحسبني ازيد:
القاسم الأول: وثائق ذات طابع مدني تتضمن تقييما من طرف الدبلوماسيين الذين ليس لديهم تكوين مخابراتي او عسكري ويغلب عليها الانطباع والراي الشخصي، وليست وثائق صادرة عن ملحقين استخباريين وعسكريين، فكل الوثائق مصدرها الدبلوماسيين ولا تحمل أي توقيع، لجهاز مخابراتي او عسكري.
القاسم الثاني: مع افتراض أن الوثائق صحيحة وسرية، ومع الأخذ بعين الاعتبار بان غالبية الوثائق هي تقارير ومراسلات لدبلوماسيين تتحدث عما سمعوه أو عن وجهات نظرهم في القضايا المطروحة وقسم منها مذكرات داخلية او انطباعات شخصية أو تحليلات سياسية لأوضاع الدول التي توجد فيها السفارات السعودية، وبالتالي لا تعبر عن مواقف رسمية مؤكدة، وبالنتيجة يغلب عليها، جمع اراء الاخرين او طرح مقترحات او توصيات للنظر بطلبات عدد من الشخصيات العراقية التي تبحث عن دعم خارجي لأسباب تتعلق بتمويل عملها السياسي او الحصول على المال طمعاً بالغنى، ولا تتضمن الكشف عن أي اسرار حساسة للعراق، وعليه فالكشف عنها يعتبر جريمة جنائية عادية ان ثبتت، مقارنة بجريمة التعاون مع القوات الغازية لاحتلال العراق وتدميره من خلال الكشف عن وثائق واسرار عسكرية ومخابراتية.
كما أنها معلومات تعبر عن حقيقة السياسة الدولية، فهي ليست غريبة عن المُلم بالسياسة الدولية ولكنها قد تثير عجب من يتعامل مع السياسة كعالم من المثل والقيم الأخلاقية
القاسم الثالث: اي انها ليست من الاسرار الخطيرة للدولة، بل ان بعض الوثائق تنطوي على قدر كبير من السذاجة والسطحية، فالكثير منها لا يتعدى كونه مجرد نميمة إعلامية سمجة، او حتى دعاية سياسية.
القاسم الرابع: جميع المعطيات الواردة في هذه الوثائق معروفة لدى المتتبعين والصحافيين بالخصوص، فأهمية الوثائق تتجلى في انها تؤشر رسميا على هذه الاخبار وتجعلها وقائع مبسوطة مكتوبة.
القاسم الخامس: إن ما ورد في قسم من الوثائق من محاضر غير صحيح، إما بسبب كذب قائله أو تحريف ناقله، فرضية يمكن الأخذ بها، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى انهيار القيمة الإخبارية لوثائق ويكيليكس كلها.
العنوان الثاني: مدى قانونية بيان الحكومة العراقية وتحركاتها بصدد من وردت أسمائهم.
تدخل الحكومة في تحد حقيقي لإثبات قدرتها على تطبيق القانون على الرؤوس الكبيرة الواردة اسمائها في الوثائق المسربة التي نشرها موقع وكيليكس، وتشكل حرجاً كبيراً للحكومة في كيفية التعامل مع هذا الملف الحساس بكافة مراحله السابقة واللاحقة، ما حدا بها أن تكون بين نارين الأول تطبيقها للقانون لفرض هيبة الدولة، والآخر سعيها الحثيث لإرضاء جميع الأطراف خوفا من إن تفتح على نفسها أبواب جهنم كونها تعاني من أزمة مالية خانقة، إضافة إلى أنها تواجه حربا ضد الإرهاب.
ان ما قامت به السفارة السعودية (على فرض صحة الوثائق) أمر عادي إن لم يكن روتينياً فهل هناك سفارة لا تقوم بكتابة التقارير عن مختلف النشاطات والتطورات في البلد الذي توجد فيه؟ ألا يكتب الدبلوماسيون لوزارات الخارجية في بلادهم يومياً عشرات المذكرات حول بعض الأشخاص بمن فيهم دبلوماسيون آخرون؟ أليس التجسس هو من بديهيات العمل الدبلوماسي، حتى وإن اكتسى هذا الفعل رداء دبلوماسياً؟ أليس الدبلوماسي هو مصدر سري دائمي لبلده؟ أليست السفارات مليئة بعناصر جهاز المخابرات؟
كل الدول تتصرف مع بعضها البعض بنفس الطريقة التي قدمها لنا الموقع على أنها " سر خطير "؟
وهناك ضرورة بعدم إعطاء شهادة تزكية للمواقع التي تنشر أي وثائق إلا بعد أن تأخذ الوثيقة مسارها القضائي والقانوني، ولا توجد هناك وسيلة حتى الآن للتحقق من صحة الوثائق التي يطلقها موقع وكيليكس.
إن افراج موقع وكيليكس عن نحو نصف مليون وثيقة في حوزته، حصل عليها في عملية اختراق، لاشك أنه يؤذي ويُحرج أطرافاً كثيرة، من خلال اتهامات تخص سياسيين واعلاميين عراقيين، من السلطة وخارجها، ممن تعاملوا مع السعودية، او تعاملت هي معهم، ومن المعلوم ان المملكة السعودية تعاملت مع معظم اطراف بالمعارضة العراقية ومن كل التيارات، واحتضنتهم ورعتهم لفترات طويلة وهي حقائق لم تعد خافية على أحد فضلا عن ان السعودية احتضنت حوالي 5000 لاجئ عراقي معارضين هربوا بعد فشل احداث الانتفاضة الشعبانية 1991 وبقوا في معسكرات رفحا لغاية 2003.
نعتقد بداية أن المهم في قضية موقع وكيليكس والوثائق السرية التي نشرها تكمن في قدرة الموقع على الوصول لهذه الوثائق ونشرها للعموم، وفي هذا السياق نحن أمام ثلاثة احتمالات:
الاحتمال الأول: واهم من يظن أن موقع وكيليكس في حقيقته موقع (شخصي) لشخص هرب من الملاحقات وأتجه لجهة مجهولة في بقاع الأرض، فالموقع هو موقع تابع لوكالة المخابرات الأميركية تستطيع من خلاله جس نبض الرأي العام وإسقاط ورفع شأن من تريد، بطريقة لا تجعل الرأي العام ضدها، وهي من تزود الموقع بكل الوثائق بطريقة التجسس عن طريق الأقمار وغيرها، والدول الغربية لم تتناقل مسالة وثائق وكيليكس وقللت من شانها مما يجعلنا نشك بجميع الوثائق، هشة المصداقية قابلة للتزوير.
الاحتمال الثاني: هناك امر مهم يعزز من فرص عدم صحة هذه الوثائق، وهي ان صاحب وثائق وكيليكس جوليان اسانج كان في السجن الى نهاية 2012، فكيف تسنى له الحصول على وثائق واسرار حصلت خلال السنتين الأخيرتين مثلا؟ وهو مقيما ومنذ قرابة ال3 سنوات في مقر السفارة الأكوادورية في لندن بعد لجوئه لها اثر قضية أُثيرت ضده في السويد وهي قضية تحرش، ومؤخرا طلب اللجوء من فرنسا وتم رفض طلبه.
لا يمكن أن نقتنع بإن التكنولوجيا الأمريكية غير قادرة على منع موقع أنترنت من نشر الوثائق وهي تملك مركز الشبكة العنكبوتية العالمية وتقنيتها وسر الأنترنت والقوة الكافية لإنهاء هذه المهزلة.
الاحتمال الثالث: سبق للموقع وان نشر اربعمائة الف وثيقة في عهد حكومة السيد المالكي حيث تضمنت الوثائق دلالات واتهامات على تورط العديد من قيادات الأحزاب والميليشيات في أعمال التصفيات والتعذيب والقتل والتخريب، موجهة اتهاماً مباشراً لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي بـالتورط في إدارة فرق القتل والتعذيب، كما كشف عن دور كبير تلعبه إيران في تسليح الميليشيات كجزء من حرب خفية مع الولايات المتحدة الأميركية على أرض العراق، وحاول السيد المالكي صرف النظر عن الوثائق المنشورة واعتبرها (وثائق وكيليكس انتقائية وألاعيب وفقاعات إعلامية وتوقيتها يثير علامات استفهام، أن الوثائق المنشورة "ضعيفة القرائن لأنها لم تستطع أن تقدم دليلا واحدا عن سلوك غير وطني قامت به الحكومة العراقية).
بعد ثلاثة ايام من نشر الوثائق وافق مجلس الامن الوطني العراقي على انشاء لجنة تشترك فيها الحكومة لفحص الادلة الخاصة بالتعذيب المستمر والاغتيالات من قبل كافة الاجهزة الأمنية الحكومية.
اين اعمال تلك اللجنة التي لم نسمع بنتائج تحقيقاتها، وماهية توصياتها وما هي أسماء المتورطين، وهل تم احالتهم الى القضاء كونهم متهمين؟
قد تتخذ الدولة العراقية اجراءات بحق كلا من وردت اسمائهم وتثبت ادانتهم وهذا ما تريده اميركا اولاً، ويتم اتخاذ الاجراءات القانونية المطلوبة بحقهم، حينها سوف تظهر الوجبة الثانية من الأسماء، وهذه الأسماء لساسة وقادة كتل وبرلمانيين يتعاملون مع إيران وبنفس طريقة التعامل مع السعودية، حينها لا نعرف ماذا سيفعل قادة العراق الذين اتخذوا اجراءات ضد الوجبة الأولى من الأسماء لأن الوجبة الثانية ستكون من الذين طبلوا وصرخوا وصرحوا بضرورة محاسبة أسماء الوجبة الأولى، ومنهم على سبيل المثال السادة(موفق الربيعي، عدنان الاسدي، شيروان الوائلي) وأسماء كثيرة تحاول الآن اعتبار الأسماء التي ظهرت، ارتكبت الخيانة العظمى والعمالة والتخابر وهم بهذه الحالة هم صادقون، والمهم قطعا، ماهو موقف القادة ورؤساء الكتل الذين ستظهر اسماءهم في الوجبة القادمة وما موقف الدولة العراقية من الذي وبنفس الجرم (التخابر المدفوع الثمن والعمالة) ممن تعاونوا مع المحتل على تدمير العراق.
ان اغلب قيادات النظام السياسي المتبع في العراق منذ عام 2003 حتى الان متهمة بجريمة (التخابر والعمالة) للآخر، ولكل طرف سند اقليمي او دولي يقف الى جانبه، فالتخابر مع السعودية لا يقل خطورة عن التخابر مع إيران ومع إسرائيل ومع أمريكا قبل الاحتلال او بعده الغالبية ضالعة في اتون العمالة ((ولو قرائنا كتاب بول بريمر واردنا ان نصدق ما ورد فيه فانه وحده (وثيقة دامغة صادرة من مسؤول رسمي)، يعادل ما ورد في موقع ويكليكس بعشرات المرات)).
والاخطر من هذا كله ان العميل أصبح وطني ومناضل من وجهة نظر النظام السياسي الحالي، حتى لو ادخل معه الجيوش والمرتزقة الى بلده للاحتراب على ارضه، وسنجد هناك صعوبة للعثور على (هوية وطنية صافية) من بين المنتمين للمنظومة السياسية الحالية، بل ان البعض (يتفاخر) بأنه رهن ارادة بلده لهذه الدولة الاقليمية او تلك، بل ان الدولة العراقية أوقفت العمل بمواد عديدة من قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته والواردة ضمن الباب الأول والثاني والمتعلقة ب(الجرائم التي تمس الامن الخارجي والداخلي) لأجل حماية من تطالهم نصوص هذه المواد العقابية وغالبا ما تكون عقوباتها قاسية وتصل في اكثرها للإعدام.
وأخيرا: هناك تساؤل يطل برأسه وحسب ما طرحه السيد حيدر الملا: لماذا يطلق على من يتعامل مع دول عربية وهي معقل هويته وانتمائه على انه (عميل) ولا يطلق على الدولة المناظرة لها نفس التهمة، بل ان الدولة الاخرى تتدخل في كل صغيرة وكبيرة ويسرح ويمرح أتباعها في بلدنا وكأنهم هم أهل البيت، والعراقيون هم ضيوفه، ولا تثار(ضجة) عن (عمالة) الكثيرين لها وارتمائهم في أحضانها!!
1029 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع