المحامي بديع عارف
رسالة مفتوحة الى ...
معالي السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى
معالي السيد رئيس محكمة التمييز الاتحادية المحترم
السادة رؤساء المحاكم الجزائية
كثرت في الآونة الأخيرة احكام المحاكم الجزائية في نظر الدعاوي الخاصة بإصدار شيك بدون رصيد وفقا لأحكام المادة (495) من قانون العقوبات رقم (1969) وبتقديرنا المتواضع انه يتعين على القضاء في عملية الاثبات الجنائي التقيد بأمرين جوهريين:
الأول-التقييد بمبدأ الشرعي لا جريمة ولا عقوبة الا بنص
الثاني-ضمان حق الدفاع للمتهم
وفيما يتعلق بالمبدأ الأول وأعني به التقيد بمبدأ الشرعية وهو مبدأ دستوري جاءت على ذكره المادة (19 / ثانيا) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 ونصها (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص) وكذلك المادة (1) عقوبات ونصها (لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ...) وبالرجوع الى المادة (459 / 1) عقوبات نجد انها تنص على انه (1 – يعاقب بالحبس وبغرامة ... من اعطى بسوء نية شيكا وهو يعلم بان ليس له مقابل وفاء ...) وحيث ان مبدأ الشرعية الدستوري يلزم المحاكم التقيد به . فذلك يعني وجوب التزام المحاكم بأثبات امرين هما (سوء النية والعلم) ,والعلم بعدم وجود رصيد شيء، وسوء النية عند تحرير الشيك شيء آخر. ولو كان الاثنان امرا واحدا لما نص عليها الشرع في النص المقدم في النص المقدم بعبارة (سوء النية) وعبارة وهو (يعلم) , وسوء النية كقصد جنائي خاص في هذه الجريمة يوجب اثبات توجه إرادة محرر شيك الى عدم سداد مبلغ الدين المحرر في أصل الشيك واما فيا يتعلق بالأمر الثاني والمتمثل بحق الدفاع عن النفس فهو الاخر مبدأ دستوري اشارت له المادة (19) من الدستور ونصها (حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة). وكفالة حق الدفاع توجب على القضاء عدم افتراض ادلة الاثبات بحق المتهم بل لابد من وزن كافة الأدلة من وزن كافة الأدلة المقدمة من طرفي الدعوى والاخذ منها بما يتفق مع العقل والمنطق والرجوع الى الواقع الفعلي لوقائع اصدار شيك بدون رصيد نجد ان هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها تتمثل في دور المشتكي في حصولها بل هو في كثير من الحالات الدافع لها – ولعل من بين تلك الى الحالات امثلة فيما يأتي:
- حث المشتكي للمتهم مراجعة المصرف للحصول على دفتر الشيكات رغم معرفته بانه لا يملك المحرر على أصل الشيك
2-علم المشتكي ان دفتر الشيكات الذي بحوزة المتهم لا يعود له بل لاحد من افراد عائلته ومع ذلك يقبل بتحرير أحد الشيكات لحسابه كضمان لحين توافر المبلغ المالي وتسديده
3-علم المشتكي ان المتهم لا يملك الرصيد الكافي بتاريخ تحري الشيك ولكنه يقبل به املا ان يحصل المتهم على سلفة من احدى الدوائر الدولة عن ثمن مقاولة تعاقد عليها المتهم مع تلك الدائرة غير ان الدائرة المذكورة تعجز عن تسديد ما بذمتها الى المقاول الدائن لها بسبب الظروف الاقتصادية للبلاد فمن تسبب بعدم السداد حقيقة هو عجز الدائرة عن السداد , وفي جميع الأمثلة المتقدمة وغيرها كثير المشتكي على علم مسبق ان المتهم لا رصيد له ويعني ذلك ان المتهم لم يحتال عليه ويفهم مما تقدم أيضا ان سوء القصد الذي تطلبه نص المادة (1/459) عقوبات غير متحقق في الواقعة ,من جانب آخر فان التقيد بمبدأ الشرعية يلزم المحاكم بالتقيد بعبارات النص العقابي وحيث ان المادة (459/1) عقوبات تستلزم الانطباق( سوء النية ) كقصد خاص و( العلم ) بعدم توافر الرصيد ذلك ان عبارة النص جاءت بالشكل التالي (من اعطى شيكا بسوء نية وهو يعلم) لذلك لا يكفي توافر لعلم لانطباق النص على فعل المتهم وصراحة النص توجب توافر العنصرين معا (العلم)و(سوء النية) وبالتالي فان افتراض سوء النية بناء على توافر عنصر العلم هو افتراض في غير محله غير كما ان الافتراض في مسائل الاثبات هو بالضد مما قره من كفالة لحق الدفاع لان الافتراض يعني مصادرة حق دفاع المتهم عن نفسه
ومن امثلة القضاء العراقي في نفس الجريمة قرار لمحكمة استئناف ذي قار الاتحادية بصفتها التمييزية بالعدد 72 هيئة جزائية 2010) جاء فيها ان غاية المشرع من التجريم فعل تحرير صك بدون رصيد هي حماية الصك وتوفير الثقة به كأداة وفاء تقوم مقام النقود في التعامل وليس حماية المستفيد بدرجة الأساس وبالتالي فان قيام المدان بتحريك الصك لمصلحة المشتكي وهو يعلم بعدم توفير في المصرف المسحوب عليه في تاريخ السحب يعتبر دليل على توافر سوء النية ,
هذا التوجه اعتبر العلم دليل على توفر سوء النية ويعني ذلك ان القضاء افترض سوء النية وبالتالي افترض مسؤولية محرر الشيك بناء على توافر العلم فقط وافتراض المسؤولية هو اتجاه يتناقص مع كفالة حق الدفاع عن النفس واعتبار الدستور له من الحقوق المتقدمة التي لا ينبغي اهدارها.
وافتراض سوء القصد و بالتالي افتراض المسؤولية يعد خروجا على القاعدة الدستورية بالمشار اليها آنفا كما هو الحال في افتراض المشرع لمسؤولية رئيس التحرير الصحفية ومحررها عملا بالمواد (81-84) بأمر بريمر رقم 7 سنة 2003 مع الإشارة الى ان المحكمة الدستورية العليا قد قررت بعدم الدستورية النص المقرر للمسئولية المفترضة لرئيس التحرير ومحرر الصحفية الوارد ذكرها في قانون العقوبات المصري لتعارضها مع النص الدستوري المقر لحق الدفاع )
( يلاحظ : د سعد صالح الجبوري المسؤولية الجنائية للصحفي – دراسة مقررة- القاهرة-2013 )
ما تقدم من ملاحظات تدعونا الى القول بوجوب تحقق القضاء من توافر عنصر (سوء النية) والحكم بإلغاء التهمة والافراج عن المتهم كلما لم يثبت لها بالدليل المقنع عدم توافره والشك في توافره كون الشك يفسر لصالح المتهم
898 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع