كتابة - إيمان البستاني
كنا قد اعتدنا ان نقضى صيفنا التموزي كل سنة ايام كان لنا وطن وجد وجدة في مدينة الموصل متنعمين منهم بالحب والدلال جرعة تكفينا سنة, ونعود لبغدادنا الحبيبة بعدها , حيث لا دار ولا عيش مثلها
صادف احدى السنين وكنت صغيرة بعمر ست سنوات او اقل ان نزلنا في دار جدي بالموصل وكان يومها رمضان قد صادف كهذه الايام في عز الحر
وكان تقليد اهل الموصل ان يراقبوا مرقد النبي يونس عليه السلام من على اسطح المنازل فأن انار مصابيحه معناها قد أذّن المغرب وكأنه بهذا مدفع افطار لأشعار الصائمين بوجوب افطارهم
اجبروني اهلي بالصيام بتلك السن المبكرة والحر يشوي جمل بسمومه وانا المدللّة الكسولة فكنت في حال لا يسّر عدو ولا صديق
اضافوا لمعاناتي مهمة اخرى وهي ان اصعد للسطح كذا مرة لأبلاغهم هل النبي يونس اضاء مصابيحه ام لا لكي يفطروا
وكانوا جدي وجدتي من الكبر والوهن لا يستطيعون اداء هذه المهمة فأوكلوها لي
وذات يوم لازلت احمل ذنبه في رقبتي لحد الان , وقد اخذ مني الجوع مأخذ , فناديت عليهم وانا بالسطح والوقت مبكر بساعة ونصف ويزيد انه تم اضاءة المصابيح ولم يبق الا ان نفطر
هرولتُ للمائدة وانا على يقين بأنه لن يستطع احد الصعود خلفي للتأكد لكون الاهل معزومين على افطار عند احد الاقارب وقد خلى الدار الا مني ومن جدي وجدتي , فأخذت اكل بكلتا اليدين وسط دهشة ضحايا فعلتي وهم يأكلون معي المساكين قائلين - سبحان الله اليوم ولا شعرنا برمضان كان اقصر يوم برمضان
فيرد جدي يقول - اكيد الله رحيم بعباده جعلنا نشعر بأن اليوم قصير
ويلتفتون للتأكد مني - هل رأيتي المصابيح بالفعل ؟؟- فأهز رأسي وقد حشوت فمي بما افترش المائدة مؤكدة بهزة رأس فقط و عين مذنبة
لم تفارقني هذه الحادثة في كل رمضان, رحلوا جدي وجدتي لعالم أفضل و رحل مرقد النبي يونس بيد جرذان هذا الزمان ورحلت انا لديار الغربة ولكني لازلت اقول كل رمضان - ربي ارحمهم برحمتك واغفر لهم افطارهم المزيف ذلك اليوم واغفر لي طفولتي الشقية التي لم اكررها بعد هذه الواقعة
كل رمضان وانتم بخير
في أمان الله
1040 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع