د . تارا إبراهيم – باريس
المعهد الكوردي في باريس الذي تأسس منذ ثلاثة وثلاثين عاما في فرنسا كان وما يزال صدى صوت هذا الشعب في دولة فرنسا واوربا بل والعالم باجمعه. فهو يساعد ويوثق كل ما يتعلق بالكورد ويطلع الصحفيين والباحثين والطلاب والجمعيات والبرلمانيين في العالم على مشكلاتهم وقضاياهم ، إلا أن هذا المعهد هو الآن ضحية لأسوأ انواع الظلم في الوقت الحاضر، ومحكوم عليه بالإغلاق بسبب حجب السلطات الفرنسية للتمويل .
أنشىء المعهد في شباط (1983) بدعم من الحكومة والرئيس الراحل فرنسوا ميتران للتعامل مع التدفق الكبير لللاجئين الكورد ولاسيما خلال الحرب بين إيران والعراق والانقلاب العسكري في تركيا ولايصال رسالة من خلاله الى المجتمع الدولي حول الثقافة العامة والتاريخ والوضع السياسي للشعب الكوردي، لذا أصبح مرجعا ذا أهمية في أوروبا وخارجها لجميع الباحثين والمهتمين بهذا الشأن .
الندوات والمؤتمرات والإتصالات مع منظمات حقوق الإنسان التي كان يقوم به المعهد من اجل البحث عن حلول سلمية للقضية الكوردية كانت محط تقدير وتكريم من قبل عشرات الحائزين على جائزة نوبل وكثيرمن الشخصيات البارزة مثل مانديلا ودانييل ميتران وساخاروف، والعديد من وزراء وبرلمانيي الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
استطاع المعهد تأمين الحصول على زمالات للعديد من الطلاب الكورد في فرنسا والدول الاوربية الاخرى الذين اصبحوا فيما بعد محامين واطباء ومهندسين ودبلوماسيين واساتذة جامعيين ولعبوا ويلعبون دورا مهما في بناء مجتمع ديمقراطي في كوردستان الكبرى، وفي الوقت نفسه هنالك من بقي في المجتمع الفرنسي واعتنق مبادىء فرنسا الجمهورية وحصل على مناصب رفيعة فيها.
المعهد هو منظمة علمانية وغير حزبية ويعتبر سفارة الكورد غير الرسمية في البلاد ، لتسهيل الحوار والتفاوض بين القيادة الكوردية والحكومة الفرنسية وهو بمثابة جسر بين كوردستان وفرنسا. ودوره لا يمكن قياسه بدورأي منظمة اخرى، والانجازات التي حققه على مر الزمن تعتبر ثمينة ونافعة للحكومة الفرنسية، كما لعب دورا كبيرا في متابعة ومرافقة اللاجئؤون الكورد الذين جلبتهم دانيال ميتران الى فرنسا، هؤلاء اللاجئين الفارين من بطش النظام السابق والذي مورست بحقهم حملات الابادة الجماعية كانوا بأمس الحاجة الى هذا العون.
ونظرا لاهميتة ، قررت حكومة ليونيل جوسبان ان تموله ماديا بـ (600000 ) يورو سنويا، هذا المبلغ بدأ بإلانخفاض تدريجيا سنة بعد اخرى وخصوصا في ظل حكومة ساركوزي بحجة ، أن هذا الامر يجب ان يترك لحكومة إقليم كوردستان لتمويله .. وهذا المعيار كان يجب ان يطبق على معهد العالم العربي في باريس أيضا، والذي يمول من قبل الحكومة الفرنسية مع وجود اكثر من عشرين دولة عربية تسنطيع تمويل معهدهم، على الرغم من ان الامر غير قابل للمقارنة.. والامر الاكثر خطورة هو أن المعهد الكوردي يحافظ على أكبرمكتبة في أوروبا هو مركز مصادرفريدة من نوعها ومكان الذاكرة لـ(250000) كورديا يعيشون في ربوع فرنسا، والذين يعتبرون مواطنين مندمجين مع المجتمع الفرنسي ويدفعون الضرائب المستحقة عليهم، فهؤلاء لهم الحق في التعرف على ثقافاتهم وتراثهم الأصلي.
وبما ان المعهد حرم من التمويل لكنه استطاع الإبقاء على وجوده من خلال مساعدات حكومة اقليم كوردستان، إلا أن الاخيرة باتت تعاني منذ اكثر من عام من ازمات مادية جراء مماطلة بغداد وعدم ارسالها لمستحقاتها المالية. وفي الوقت نفسه حكومة الاقليم منهمكة في ايجاد الحلول اللازمة لللاجئين اليها والفارين من الحرب والذين يبلغ عددهم (8 ,1 ) مليون من سوريا وجميع انحاء العراق، بالاضافة الى ذلك الحرب المكلفة التي يخوضها الاقليم مع تنظيم داعش لوحده على امتداد (1500) كم وعلى الرغم من وجود هنالك ستين دولة متحالفة معه على الورق !! ، ولكن دعمهم من الناحية المادية والعسكرية والانسانية يكاد لايذكر، بالاضافة الى رواتب الموظفين التي تتأ خر لشهور جراء الازمة المالية الخطيرة التي يمر بها الاقليم.
يقول (د. كندال نزان) مدير المعهد الكوردي في باريس " أن المرء عندما يرى هذه الظروف، يخيل اليه ان الحكومة الفرنسية سوف تتضامن مع الكورد من خلال مساعدتها في استدامة المعهد، ولكن مع الاسف لا يوجد شيء من هذا القبيل (...) و قمنا بمحاولات عديدة منذ اكثر من عامين مع قصر الاليزيه وماتينيون في الحصول على التمويل ولكن جهودنا باءت بالفشل بسبب الازمة المالية التي تمربها فرنسا"..." الحجة التي يتذرعون بها انهم لايستطيعون تأمين 4% من التمويلات التي يمنحونها الى العديد من المؤسسات الثقافية لمجتمعات اخرى، وهذا يعني ان الحكومة لاتستطيع تمويل مؤسسة كوردية واحدة لـ ( 40 ) مليون كوردي يعيشون في الشرق الاوسط، ولكنها تستطيع منح 12,8 مليون يورو لمعهد العالم العربي في باريس !!",,
كما يردف " ان الايديولوجية اليسارية تدعو الى الدفاع عن الناس الأكثر فقرا، والأضعف ، وتسعى لثقافة اشمل وتشجع الجمعيات التي تمد الجسور بين ابناء الوطن الواحد لخلق العلاقات الاجتماعية البناءة ،وتحث على المثل العليا للحياة ، مما يبعث على الامل " (... ) لكن يبدو ومع الاسف أن الحسابات المالية تفوقت على الرؤية السياسية للاشياء، وتهمل النتائج الوخيمة على الحياة الاجتماعية، وعلى حياة الاندماج ما بين الاقوام المختلفة، وعلى حرمان الناس من الحصول على وظائف .. وفي الوقت نفسه فهي عاجزة ليس لها حول ولاقوة امام المنظمات الاسلامية وافكارها التي تستثمرها هذه المنظمات ثقافيا واجتماعيا بكل حرية على ارض فرنسا "
" ولمواجهة هذا الموقف غير العادل من الحكومة الفرنسية تجاه الكورد، ندعو المواطنين الفرنسيين الذين كانوا يدعموننا خلال العقود الثلاثة الماضية، لدعمنا في هذا الموقف الصعب، والذي سنعتبره إمتدادا لمواقفهم المشرفة السابقة في التضامن مع الشعب الكوردي ..." كما نهيب نحن أيضا بمواطنينا في الداخل والخارج وكل حملة الافكار النيرة ان يقفوا الى جانب هذا الصرح الثقافي الكبير قبل إنهياره ونقولها بكل أسى (ان معهدكم في خطر) !!.
1181 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع