د.منارالشوربجي
ذكرتني أحداث قمة السبعة الكبار بفيلم عربي كوميدي، لعب فيه الفنان نور الشريف دور شاب في مقتبل عمره، انتهى به الأمر إلى مصحة نفسية، لأن خطيبته ظلت تتحدث معه عن زواجهما بلغة الأرقام الخاصة بالتكاليف المطلوبة منه حتى كاد يفقد عقله.
والقمة كانت حافلة بالأرقام، فالكبار بمجلس الأمن خمسة، لأن نظام الأمم المتحدة الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية جسّد المنتصرين، لذلك فإن ألمانيا واليابان ومعهما إيطاليا، المهزومين في تلك الحرب، ليسوا من الخمسة الكبار. لكن الواقع العملي بعد عقود من الحرب فرض نفسه في شكل اجتماع غير رسمي في عام 1975، أطلق عليه اسم «مجموعة الستة».
لم يضم دول الكتلة الشرقية، بمفاهيم تلك الفترة، أي الاتحاد السوفييتي والصين، وإنما ضم كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى جانب المهزومين سابقاً، أي إيطاليا واليابان وألمانيا، باعتبارها من الدول «الغربية». وناقش الاجتماع القضايا التي تهم «الدول الصناعية». ثم انضمت كندا إلى المجموعة بعد عام واحد، فصارت تعرف باسم «مجموعة السبعة».
ثم انهار الاتحاد السوفييتي، فاستغرق الأمر نحو عقد كامل تم بعده دعوة روسيا «لمجموعة السبعة» في عام 1998 فصار الاجتماع السنوي يسمى «مجموعة الثمانية». وظل الأمر كذلك، إلى أن تقرر عدم دعوة روسيا بسبب أزمة أوكرانيا، فعاد الاسم هذا العام إلى «مجموعة السبعة». وقد قرأت مقالاً طريفاً في إحدى الصحف البريطانية، يدعو إلى إلغاء المجموعة أصلاً، لأنه لا توجد لدى دولها الإرادة لتقوم بعمل قوي مشترك أو تقدم التزامات قوية.
لكن قصة الخمسة، ستة، سبعة، ثمانية ثم سبعة تلك ليست عزيزي القارئ هي نهاية دوخة الأرقام، فإليك بالمزيد، فالبيان الختامي كان مليئاً بالتعهدات المهمة والأرقام الكبيرة، سواء في مجال تغير المناخ أو مساعدة دول الجنوب.
فعلى سبيل المثال، تعهد البيان بإنقاذ 500 مليون شخص في الدول النامية من الجوع وسوء التغذية مع حلول عام 2030، لكن دون أن يصف التزامات مالية محددة للدول المتعهدة بتحقيق الهدف. وتعهد الكبار بالبدء بتوفير أكثر من 100 مليار دولار لمساعدة دول الجنوب على التكيف مع التغيرات المناخية، دون أي وضوح بشأن استراتيجية توفير تلك الأموال.
لكن لعل أهم ما تعهدت به تلك الدول بعضها لبعض، كان المضي قدماً نحو المزيد مما صار يعرف بـ«اتفاقات التجارة الحرة». وهنا، يقفز على الفور رقم «الآلاف» من المتظاهرين الذين سعوا لمحاصرة زعماء تلك الدول الكبرى احتجاجاً على تلك الاتفاقات على وجه الخصوص. وهي اتفاقات «ثلاثة» مزمع إبرامها في الفترة المقبلة، ويثور حولها الكثير من الجدل، ليس في مجتمعات «السبع» الكبار فقط، وإنما حول العالم.
وقد اضطر البرلمان الأوروبي بالفعل، بعد نهاية قمة «مجموعة السبع» إلى تأجيل التصويت على قرار يتعلق باتفاق الشراكة العابرة للأطلنطي «بسبب الضغوط الشعبية»، كما قالت شبكة الإذاعة البريطانية.
وقد جرت ضجة مماثلة بشأن اتفاق شراكة المحيط الهادي في الولايات المتحدة، حيث يسعى الرئيس الأميركي للحصول من الكونغرس على الموافقة على «إجراءات التفاوض السريع» بخصوص الاتفاقية. ونشرت «نيويورك تايمز» شرحاً لنص الوثيقة التي سربتها ويكيليكس وتأثيرها في قدرات مؤسسات الدولة على مواجهة الشركات العملاقة في مجال الصحة العامة.
ومما يدعو إلى القلق فعلاً هو أن قمة السبعة، برغم تعهدها بالمضي قدماً في اتفاقات التجارة الحرة، فإن الالتزامات غير المحددة في ما عدا ذلك من قضايا قد تجعل من قضايا الصحة والحصول على الرعاية الطبية اللازمة في الدول النامية قضية أكثر تأزماً، خصوصاً في ما يتعلق بالأسعار الباهظة للدواء والعلاج بالنسبة «إلى الملايين» من الفقراء.
1016 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع