حقائق جريئة كاشفة جريئة لتاريخ مزرٍ....

                                                    

                                   محمود سعيد

حقائق جريئة كاشفة جريئة لتاريخ مزرٍ ..قراءة في كتاب التّشيّع والتّحوّل في العصر الصّفوي ..لـكولن تيرنر
ترجمة: حسين علي عبد الساتر

قليلة هي الكتب التي تحاول تقديم حقائق عن قضيّة من قضايا التّزييف والخداع والكذب المتعمّد، الذي يعمّر عقول بعض من يدعي الإيمان بالأديان، وبخاصّة الإسلام، بحيث يصبح الفكر الإسلاميّ في نظر البعض نظريّات مبنيّة على أكاذيب مختلقة، وحيث تشوّه مبادئ الإسلام وتنزل إلى دركة من السّوء والانحطاط لا مثيل له، ويصبّح الكذب والاختلاق صفحة سوداء مزيفة لا علاقة لها بالدّين، وأسسه، وأركانه، ومبادئه التي جاء به محمّد "ص". صفحة لا علاقة لها مطلقاً بأيّ مبدأ من مبادئه، وبعيدة عن نضاله في سبيل الإسلام، وبما جاهد لتحقيقه، هو ورفاقه الذين التفّوا حوله، لإقامة صرحه. هذه الصّرح الهائل من التّزوير والتّضليل والغش، ينمو يوماً بعد يوماً ليثبّت منهجاً للعمل، منهجاً اقتبسه غوبلز، وساسة العالم في كلّ مكان وزمان، ويجري تثبيته إلى حدّ الآن في غير مجتمع تدّعي إسلاماً لم يجء به محمّد مطلقاً، ولا علاقة له بالإسلام إلّا بالاسم فقط.
من هذه الكتب كتاب التّشيّع والتّحوّل في العصر الصّفوي. فمن يقرأ الكتاب يهمّه أن يفهم كيف حدث التّحول في إيران وكيف انقلبت المفاهيم عند الشّعب الفارسي مئة وثمانون درجة. كان الشّعب الفارسيّ مسلماً كباقي الشّعوب الإسلاميّة، ملتزماً بمذهب الأكثرية المتسامحة، لكنّها بعد تسلم الصفويّين زمام الحكم انقلبت إلى شيعيّة. حدث هذا لأن الحكام الجدد قاموا بموجة إبادة هائلة لمعارضيهم، واستئصال كامل لكلّ من يعتنق مذهباً غير مذهبم. جرى ذلك في خضم حملات هدم وتدمير وحرق وتهجير واغتيالات بدأت منذ ذلك الوقت ولم تنتهِ حتى الآن، فقد طبّقت السّلطات الإيرانيّة خطّة تجويع الشّعب البلوشيّ منذ 1980 وحتى الآن، ولم تقدّم له سوى 30% من حاجته للطّعام، فانتشرت أمراض فقر الدّم، وسوء التّغذية، وتدهورت المناعة، وكثّرت الوفيّات، وأصيب الأطفال بالتقزّم، وأخذ الكثير منهم يبيع أطفاله لمقتنعي مذاهب أخرى وقوميّات أخرى، وبدأت المقاومة وكثرت الإعدامات .


 لا تكشف الكتّب القديمة حقائق ذلك التّحول الرّهيب في الفترة الصّفوية، ولا تفصح عن عدد الضّحايا الحقيقيّ أو التّقريبي، ولا الوسائل التي اتبعت بالإبادة، والإرغام بالتّفصيل. وما ورد عبارة عن نتف قليلة جداً لا تغني القارئ، ولا تطلعه على مجريات تطور الأمور . كلّ ما ذكر جمل قصيرة في كتب متعدّدة ضمن موضوعات بعيدة، ولهذا فمن يقرأ هذا العنوان يتلهّف لمعرفة حقيقة إحداثيات ذلك العصر الرهيب المفزع، ويتوقّع أن يسدّ الكتاب فراغاً في المكتبة العربيّة.
والغريب أن العنوان الأصليّ للكتاب هو "إسلام بدون الله" واعترف المترجم بأنّه استبدله إلى العنوان الحالي وهي "نبو الذوق العربي عن هذا العنوان"  الأول. وهي حجة لا تبدو مقنعة مطلقاً، العنوان الأصلي الذي وضعه المؤلف ينطبق على معنى الكتاب قلباً وقالباً، واستبداله بالعنوان الحالي لا يعبر عن حقيقة الكتاب مطلقاً. فالكتاب لم يتناول التّشيع الصفوي ّكتاريخ، وحوادث تفصيليّة كما يوحي العنوان، ولم يُضء من تلك الفترة المظلمة التي طبعت عصرها بطابع القسوة والفتك، كما لايتحدث الكتاب عمّا رافق ذلك التّحول من قسر وإكراه وحوادث دمويّة ووحشيّة ولاإنسانيّة مؤلمة ومدمّرة معاً، ولم يدرس طبيعة المجتمع في إيران قبل وبعد ذلك الانقلاب، لا، لم يتطرّق إلى ذلك. كان همّ الكاتب فكريّ عقائديّ في الدّرجة الأولى، وهو كشف زيف العقائد والأفكار التي غزت عقول الفقهاء وشططهم وانحرافهم عن الإسلام، والطرق المزيّفة التي اتبعوها، لإقناع ملوك الصفويّين لتنفيذ الانقلاب وتصفيّة معتنقي المذاهب الأخرى، وتزيّين العمليّة لهم بما لفقوه من أحاديث نسبوها إلى الرّسول. وأخرى يتسلّسل رواتها إلى بعض "المعصومين"، وفلسفوها وتعمّقوا بها، ووسعوا دئرتها بحيث أصبحت عالماً واسعاً بحدّ ذاته لا يمت إلى أيّ أصل مطلقاً، سواء أكان ذلك إسلام محمّد أو صورة أخرى لأيّ نوع من الإسلام يرتبط به. هذا العالم الواسع تمّ فرضه على الشّعوب الأخرى.
ركّز المؤلف على دور محمّد باقر المجلسي على هذه الانحرافات وانتهازيّته وشغفه بالمادة وطموحه إلى التّقرب إلى الشّاه، من خلال رسالة "جهارده حديث" وهي "وسيلة تقرّب بها المجلسي إلى الحاكم الجديد. تلك الحيلة غاية في الذّكاء، فقد آتت أكلها  سريعاً، كأحسن ما يكون. "ص344".
أهمّ خطوة اتّخذها المجلسي هي تزلّفه للحكام، من خلال تعظيم الصّفويين وتنزيههم ووضعهم في مرتبة تعلو على اقرانهم من ملوك فارس السّابقين، والملوك الآخرين المعاصرين، المتواجدين حول فارس، وفي العالم الإسلاميّ، وبالتالي إعطاءهم نوعاً من الكاريزما وإلباس حكمهم لبوس الحتميّة" والرّشاد وكانت تلك الحيلة بالغة الذّكاء حيث تمّ إدراجهم في "سيناريو" آخر الزمان، ليصبحوا مقدّسين، محترمين، أقرباء للمهدي. كلّ ذلك من أجل "الفوز بالحظوة لدى الحكام الجدد مهما  كانت أفعالهم." "الصّفحة نفسها"
لم يكن المترجم المذنب الأوّل بطبيعة الحال إذ شاركه بهذا التّزييف المتعمّد كاتب المقدّمة، والنّاشر على حدّ سواء، في عمليّة تبديل العنوان وتزييفه أيضاً، واستغفال القارئ، فبعد أن أشار مقدّم الكتاب "بتحليل خاطئ إلى تطوّر الفكر الشيعيّ إلى العقلانيّة والصوفيّة" عاد فوصف مختلق الأحاديث ومزيّف الأفكار المنحرفة "المجلسيّ" بالعلّامة.
تمكّن المجلسي من هندسة وصناعة سلّم ذهبٍ ليرتقي إلى غايته تمثّلت باختراعه كلمتين: "جوّاني وبرّاني"، والتعّمق في تحليلاتهما، والتّفلسف في مدياتهما، عازياً ورودهما في حديث للرّسول "ص"، ورد في أمالي الشّيخ الطّوسي، ويبدو أنّ الأخير هو مخترع الحديث: "ما من عبد إلّا وله جوانيّ وبرانيّ، فمن أصلح جوانيّه أصلح الله برّانيّه، ومن أفسد الله جوّانيّه أفسد الله برّانيّه" "91". وبتعبير آخر أنّ الجوانيّة هي الإيمان الكامل، أما البرانيّة فلا تعني إلّا التّظاهر بالاسلام من دون فهمه، بعيداً عن الحقيقة. ويُتبع المترجم عمليّة التّزييف بقوله "أمّا صحة إسناد الحديث، فتلك مسألة أخرى". وكأن الحقيقة غير مهمّة إطلاقاً، لأنّ المهمّ هو قيادة قطيع ماشية في اتجاه معيّن، مهما كانت أخطار ذلك الاتّجاه وانحرافه عن الطّريق الصّحيح. ويبدو أن المجلسي لم يكن يهمّه أن يُتهم بالتّزييف بتاتاً، حتى لو جاء بافتراء واضح مكشوف. ولست أدري كيف يفطن، أو يتنبّه من درس كتب "العلامة" المجلسيّ، إلى حقيقة أنّ كلمتي جوّاني وبرّاني لا يمكن أن تصدرا عن الرّسول "ص" بأيّ شكل من الأشكال، لسببين شديدي الوضوح أولّهما أنّهما "الكلمتان" ليستا كلمتين عربيّتين صحيحتين مطلقاً، ولا تندرجان في أي قاموس فصيح في اللغة العربيّة المكتوبة، منذ صدر الإسلام وحتى الآن. ولم يذكرهما أيّ معجم معتبر، وثانيهما أنّهما لم تظهرا إلّا بعد ظهور الإسلام بقرون طويلة، وأقتصر استعمالهما على اللّهجة الدّارجة في العراق وبعض الشّعوب العربيّة الشّرقية، وهنا تبرز شخصيّة المجلسي الذي لم يكن يهتم بالحقيقة مطلقاً، وما يهمه سوى تقربه للسلطة وملء جيوبه حتى لو تسبب ذلك بمئات آلاف الضحايا، والخوض بالدم حتى الحزام، وربما يكون ذلك أجرأ موقف ضد الإنسانية لا يعادله سوى موقف من تعاون مع المغول لاجتياح الشرق الأوسط.
ولو كان لـ"العلامة" المجلسي ذرة من العقل لما بنى فلسفته، واجتهاده، وحكمته على حديث بيّن التّزوير، ولو كان له ذرة من العقل لما بنى فلسفته على وهم لا أساس له. وينطبق الشّيء نفسه على من روى الحديث، أي الشّيخ الطّوسي الذي يقترن اسمه عادة بـ"قُدّس سرّه" ولعل المراد بسره قابليته على اختلاق الأحاديث، وبتشجيع من السّلطة انغمس معظم الفقهاء في ابتداع ما يتنافى مع العقل من دون الالتزام بالدّليل، فالمفسر أبو القاسم الشّريفي شرح ثلاثمائة آية يدعي انّها نزلت في المعصومين الأربعة عشر 197، الأمر الذي جمع رأي الفقهاء "آنذاك" فأصدروا الحكم بأنّ السّنة كفار نجسون، 198، وكان وتجرأ أحد الفقهاء، وتغوط في موضع صلاة الأحناف في مكة، وقتل بسبب ذلك. 198. أما الفقيه علي العامليّ الشاميّ فتغوّط على قبر "معاوية  سنة كاملة، وكان يظهر بركة ذلك العمل للنّاس 199 .
ولعل تزوير حديث عن الرّسول لا يلفت نظر النّاس العاديّين، إلّا ما ندر، ولا يهمّ المتديّنين كذلك، لأنّ آلاف الأحاديث اختلقت، وإسيئ تفسيرها، بحيث اضطر الفقهاء إلى استحدث نهج يكشف ذلك "علم الجرح والتّعديل، لكنّ ما ترتب عل من تأويلات تطعن بعقائد معظم السكان، وتتهم ولائهم للمذهب والحاكم، مما أدى إلى موجة إبادة جماعية تتبعها إبادة، في متوالية بدأت في العصر الصفوي واستمرت حتى العصر الحاضر، علماً بأن الأمور تطورت خلال مدة طويلة، بدأت بالسب واللعن، وهو محرم عند معظم المسلمين ثم انتهت بعمليات الأبادة. السب واللعن منكر في الإسلام، لكن ورود اللعن في خطب البعض شجع على التركيز عليه، فألفت كتب كثيرة في تبريره فهذا شمس الدين محمّد الخفري الشيرازي يفتي لمن يتلكأ بلعن الخلفاء الثلاثة الأول: "هلم والعنهم، ففي نهاي المطاف، هم ثلاثة من أرذل العرب."171    
لم يكتف المجلسي بسن هذه السنة المسعورة بل تجاوزها إلى لعن أعلام مسلمين شعراء، علماء، صوفيين مشهورين كالغزالي، وجلال الدين الرومي، ومحي الدين ابن العربي، والحلاج، ثم طوى صفحة أخرى أسوأ بنسبة بعض أحاديث الرسول إلى علي، وتفسيرها، 294 . ذلك الجهد العظيم جعله لا مقرباً من السلطة والحكام حسب بل من أثرى أثرياء إيران أيضاً، فحصل على مزارع وبيوت وثروة هائلة جعلته من مترفي عصره ليس هو حسب بل أولاده وإخوته وأقاربه جميعاً.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

848 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع