د.منار الشوربجي
من المشروعات الإسرائيلية التى تستحق التأمل ذلك الذى أنشئ خصيصاً لربط يهود العالم بإسرائيل لحظة زواجهم، حتى ولو كان شريك الحياة غير يهودي.
فتحت عنوان «شهر عسل في إسرائيل»، تم الإعلان مؤخراً عن برنامج يهدف لتقديم رحلة «شهر عسل» مجانية للمتزوجين حديثاً بشرط أن يكون أحد الزوجين على الأقل يهودياً، وأن يكون ما بين الخامسة والعشرين والأربعين من العمر. ويُعرّف البرنامج «اليهودى» بأنه إما الابن لأبوين أحدهما يهودي بالمولد، أو ذلك الذي قد أتم الإجراءات المعقدة للتحول للديانة اليهودية. ورحلة شهر العسل التي تصل تكلفتها إلى نحو عشرة آلاف دولار أميركى لا يدفع منها الفائز سوى ألف وثمانمائة دولار فقط.
والبرنامج ليس جديداً في هدفه، ولكنه جديد من حيث الفئة العمرية التي يستهدفها. فالهدف سياسي بامتياز، وهو ربط يهود العالم بإسرائيل وجعلها جزءًا رئيسياً من هويتهم اليهودية والسعي لإزالة الخط الفاصل بين اليهودية كديانة والصهيونية كأيديولوجية. وتلك الأهداف نفسها ليست جديدة؛ إذ هي نفسها الأهداف التي نشأ من أجلها منذ أكثر من عقد برنامج صار ناجحاً بدرجة كبيرة اسمه برنامج «حق المولد»، ولكنه يستهدف فئة عمرية أخرى.
وبرنامج «حق المولد» نشأ في عام 1994. وهو عبارة عن رحلة مجانية لمدة عشرة أيام للشباب اليهودي من أي مكان في العالم ما بين 18 و26 عاماً لزيارة إسرائيل. وقد أنشأ البرنامج اثنان من رجال المال والأعمال اليهود الأميركيين، مايكل ستايندهاردت وتشارلز برونفمان، لشعورهما بالقلق إزاء انحسار اهتمام الشباب اليهودي بإسرائيل والميل الواسع لدى الأجيال الشابة لعدم التدين وللزواج من غير اليهود.
وقد نشأ البرنامج بالتنسيق مع حكومة إسرائيل والوكالة اليهودية ومتبرعين يهود من حول العالم. ويتقدم للحصول على الزيارة/ الجائزة كل عام آلاف اليهود. وفى الزيارة/الجائزة، فضلاً عن زيارة المعالم التاريخية، ترتب لقاءات بشباب إسرائيليين من نفس الفئة العمرية، يكونون في الأغلب من جنود الجيش الإسرائيلي. وقد زار إسرائيل من خلال البرنامج أكثر من 400 ألف شاب يهودي من أكثر من 64 دولة حول العالم، وإن كانت أغلبيتهم الساحقة من الولايات المتحدة وكندا.
ويعتبر الملياردير اليهودي الأمريكي اليميني، شيلدون آدلسون، أحد أهم ممولي البرنامج في السنوات الأخيرة، حيث أنفق الملايين من أجل إتاحة الفرصة للآلاف من المتقدمين للزيارة في العام نفسه بدلاً من بقائهم على قائمة الانتظار فترة طويلة بعد اختيارهم من جانت الهيئة القائمة على البرنامج. والبرنامج يحقق نجاحاً ملحوظاً. ففي دراسة حديثة أجراها أستاذ يهودي بجامعة برانديز الأميركية، وقدمها في ندوة في إسرائيل، ثبت أن هناك ميلاً متزايداً بين الذين شاركوا في برنامج «حق المولد» للزواج في مرحلة متأخرة من عمرهم بالمقارنة بمن لم يشاركوا فيه، لاقتناعهم بضرورة البحث عن شريك حياة يهودي وهم في أحيان كثيرة يتزوجون من آخرين شاركوا في البرنامج.
بل تشير الدراسة إلى أن الذين لم يشاركوا في برنامج «حق المولد» لا يطالبون شريك الحياة إذا ما كان غير يهودي بالتحول لليهودية، بينما ترتفع نسبة من يطالبون بذلك التحول بين المشاركين في البرنامج.
وبرنامج «حق المولد» ليس مجرد ربط ثقافي ليهود العالم بإسرائيل. فالمعنى الإيديولوجي والسياسي حاضر بقوة طوال الوقت. فعلى سبيل المثال، يتحرك المشاركون في الرحلة، التي عادة ما تضم في المرة الواحدة أربعين شاباً، بشكل جماعي طوال الوقت، ويلتقون بمسؤولين إسرائيليين، وشخصيات مهمة. حتى برنامج زيارة المعالم التاريخية، فمحظور فيه الذهاب للضفة الغربية أو غزة، بينما تنظم لهم رحلات للقدس لا يرون فيها الأوضاع في القدس كلها، وإنما يزورون المناطق اليهودية فقط.
والزائرون الذين يزورون حائط المبكى كجزء لا يتجزأ من الزيارة، كما قالت إحدى الصحف، لا يسمح لهم برؤية الحائط العنصري الذي بنته إسرائيل في الضفة. والبرنامج نفسه، كما قالت عنه بعض الصحف الأميركية الموضوعية، لا يتورع القائمون عليه من المرافقين للشباب الزائر عن إلقاء تعليقات معادية للفلسطينيين. وقال بعض المشاركين فيه إن من بين الأمور التي كانت تلقى عليهم طوال الوقت من جانب الجنود الإسرائيليين هي حتمية هزيمة الفلسطينيين، بينما يتحدث آخرون عن كيفية مساعدة الشباب الزائر لإسرائيل بعد عودتهم لبلادهم عبر الدعاية الإيجابية لها في الجامعات وغيرها.
لذلك، يأتي برنامج «شهر عسل في إسرائيل» ليكون برنامجاً سياسياً بامتياز. فهو يستهدف الفئة العمرية الأكبر مباشرة من تلك التي يستهدفها برنامج «حق المولد». ولعله يتميز عن الأول بأنه يتعلق بخلق ذاكرة «شخصية» مرتبطة مباشرة بإسرائيل. فمكافأة الزواج التي تأتي من إسرائيل تربط بين العام والخاص، وبين ما هو سياسي وما هو إنساني بشكل يزيل كل الخطوط الفاصلة بين إسرائيل والمشاركين في البرنامج.
1171 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع