أحداث لها صدى في الذاكرة

                                           

                        نجم الدين الصميدعي


خلال خدمتنا الطويلة في سلك الجيش والمفارقات التي كانت تواجهنا وكيفية التعامل معها حيث كانت المؤسسة العسكرية يشار لها بالبنان لصلابة رجالها المقاتلين وشجاعتهم ونزاهتهم.

كون القيادات العسكرية العليا تتسم بالمسؤولية وكانت شديدة وحازمه إزاء حالات الفساد والتماهل والتخاذل وسرعان ما يتم محاسبة كل من يثبت تخاذله أو جبنه في المعارك.وخلال الحرب الطويلة مع إيران تسلق بعض الأشخاص لتقلد المناصب رغم أنهم غير مؤهلين وتنقصهم الخبره والكفاءة مما أدى إلى فشلهم  بقيادة وحداتهم في بعض المعارك .مما حال إلى الحكم عليهم بالإعدام وقسم أخر حكم عليهم بأحكام شديدة.أما ما نلاحظه في وقتنا الحاضر إن  المؤسسة العسكرية  مسيسه لصالح كيانات معينه دون الاعتماد على الكفاءة والمهنية والخبرة العسكرية بل يتم الاعتماد على ولاءات حزبيه وعند حصول تخاذل لتلك القيادات لا يتم  محاسبتهم كونهم ينتمون إلى كيانات سياسيه متنفذه في السلطة.ولهذا السبب نرى أن المؤسسة العسكرية متفككه وفاسدة للغاية. بل وهناك أجندات معينه لا تريد أن تبقى المؤسسة العسكرية رصينة وشجاعة وتتسم بالوطنية.وتكون ولائها للعراق. لذلك نرى المسؤولين في السلطة يعدون العدة لتشكيل جيش بديل بعنوان طائفي كما هو حال مايسمى( بالحشد الشعبي )والأصح هو (الحشد الشيعي). بعيدا عن الوطنية وعن القيم والأخلاق والشهامة والنزاهة .وهذا ما نراه من خلال تصرفات أفراد هذا الحشد وتصرفات مسؤوليهم. والغاية واضحة هو إسقاط شركائهم السياسيين والتفرد بالسلطة لصالح طائفة بذاتها دون غيرها. ومن خلال تصرفاتهم السيئة والمشينة نجد سرعان ما يلقوا بظلالها  على عناوين وهميه  كما يدعون دائما لتبرير تلك التصرفات والخروقات بأن هناك مندسين أو مايسموها في بعض الأحيان غير منضبطين وهذه هي الطامة الكبرى لان قيادات الحشد الشعبي غير منضبطين وليس لديهم السلطة على المنتمين إليهم ولا يستطيعون محاسبتهم أو توجيهم  وأجزم القول بأن ما يجري في داخل هذا الحشد هو (نظام الغاب) كما تمارس في غابات الوحوش والحيوانات (القوي يأكل الضعيف), ومن هنا لابد من استذكار بعض المواقف التي عشناها خلال خدمتنا الطويلة في الجيش.في عام 1987 كنت اشغل منصب آمر السرية الثانية للفوج الثاني لواء المشاة 707وكان اللواء ماسكا موضعاً دفاعياً في منطقة أم البحار وعلى ضفاف شط العرب القريبة من مدينة الفاو.ولغرض تسليط الضوء على خصوصية ذلك القاطع  وقسوته  ورداءة طقسه لابد أن نبين  مايلي:-
أولا درجة الحرارة :- ترتفع حرارة الجو إلى 55درجة مئوية وتزيد في فصل الصيف وترتفع نسبة الرطوبة مما يسبب ضيق في استنشاق الهواء وزيادة تعرق الجسم بحيث تلتصق الملابس على أجسادنا.
ثانيا المسافة بين قطعاتنا والقطعات المعادية أقـل من( 500 متر) وحسب عرض شط العرب مما يجعل الطرفين في حالة تأهب شديد تحسبا من مباغتة الأطراف فيما بينها وخشية من القنص المعادي نختبئ داخل الملاجئ ويتم الرصد والمراقبة من خلال المزا غل أو الثقوب الموجودة في خنادق النار.
 ثالثا خصوصية شط العرب له ميزه خاصة يختلف عن جميع أنهار العراق ألا وهي(ظاهرة المد والجزر) وتحدث كل 12 ساعة ارتفاع وقتي وتدريجي في منسوب مياه سطح البحر. وتحصل حالات استثنائية تتعلق بحركة القمر والشمس والأرض عندما تكون على استقامة واحده  وهذه الحالة مثيره جداً  تسمى بالمد الأعظم لذا ترتفع مناسيب الماء بارتفاعات عاليه تسبب أغمار  المواضع والخنادق وطرق المواصلات مع العلم إن معظم المواضع مبنية من جذوع النخيل  وتنجرف مع جريان الماء.
 رابعا. تغطي أكتاف شط العرب من كلا الجانبين مساحات من القصب والأدغال تحجب الرؤيا, ولجعل أمام مواضع الوحدات ساحات رمي جيده تقوم الوحدات بإدخال مجاميع من المقاتلين ليلاً إلى النهر لقص القصب. ومن الجدير بالاشاره إن نمو الأدغال سريع جداً بحيث إن الوحدات لم تتمكن من إهمالها حيث أصبحت شغلها الشاغل وكنا نسميها (أم المشاكل)
خامسا تقوم الوحدات بإخراج كمائن ليليه داخل شط العرب وأمام مواضعها  وذلك بعمل طوافات من براميل فارغة غير مثقبه ويربط بعضها ببعض على شكل مربع بواسطة (قضبان حديديه ملحومه) تطوف على سطح الماء ويتم ربطها بواسطة حبال متينة بجذوع النخيل لمنع انجرافها وتكون مرنه ترتفع نسبيا عند ارتفاع مناسيب الماء في حالة المد والجزر وتقوم السرايا الأمامية بإخراج 3-4 مقاتل بعد الضياء الأخير للدخول إلى الماء سباحة ليرتقوا على سطح هذه الطوافات حتى انبلاج الفجر لمراقبة قاطع السرية وإنذارها في حالة سماع أصوات أو مشاهدة أي تحركات للجانب المعادي مجَهزين بأجهزة الرؤيا الليلية.
للأسباب أعلاه إن معظم منتسبي الوحدات العاملة في ذلك القاطع يعانون اشد المعاناة لسوء الطقس ورداءة القاطع وكثرة الأعمال  والواجبات المتواصلة ليلاً ونهاراً .نجد إن معظمهم في حالة شد نفسي مما يؤثر على سلوكهم وتعاملهم مع بعضهم وهناك قسم منهم يظهر عليهم حالات الإعياء الشديد والتعب.  وفي تلك الفترة التحق مجموعة من الجنود إلى الفوج ممن كانوا محكومين وأطلق سراحهم لشمولهم بقرار العفو وهذه المجموعة كانوا يتعاطون الحبوب المخدرة كما تسمى بالمصطلح العام(كبسلة) وجرى توزيعهم على السرايا , التحق إلى سريتي أحدهم يدعى (ماجد الملقب بماجد موس) كان إنساناً سيئ السلوك والتصرف وكثير المشاكل لايحترم زملائه ولا يحترم الأوامر كثير المجادلة مع ضباط الصف .يرفض القيام بأي عمل ولا يخرج للإشغال وفي حالة الضغط عليه يقوم بضرب صدره وبطنه بموس الحلاقة ليسيل الدم على جسمه. كان جميع المنتسبين مستاءين منه ومن تصرفاته.طالبت آمر الفوج مراراً بنقله من سريتي إلى سريه أخرى رفض ذلك وقال يوجد في السرايا أسوء منه .كان دائما يتجاوز على عريف فصيله مما حدا بعريف الفصيل ترك الفصيل والتوجه إلى مقر السرية  خوفا منه.حاولت بشتى الطرق والوسائل توجيهه وإصلاحه  إلا إني وصلت معه إلى طريق مسدود وكل محاولاتي ذهبت أدراج الرياح وفي احد الأيام ارتفع منسوب مياه شط العرب واغرق قاطع السرية بالكامل وانهارت معظم الملاجئ والمواضع وخنادق النار فقام المنتسبين بإعادة ترتيب الملاجئ وإعادة بنائها  وعندما طلب عريف الفصيل الرابع من (ماجد) المشاركة مع زملائه في إنشاء الملاجئ رفض المشاركة معهم, ويقول( قابل أني زوج اشتغل بالطين) جاءني عريف الفصيل وشرح لي تصرفات(ماجد)وكنت بحالة غضب شديد بسبب الظروف وأغمار القاطع مما أثار حفيظتي فطلبت حضور (ماجد) أمامي وأبلغته بالبقاء في مقر السرية. توجهت إلى الفصيل الرابع  وشكرتهم على عملهم وانجازهم بإعادة ترتيب الملاجئ وشاركتهم في العمل ومن خلال الحديث معهم سألتهم ( من منكم عندَه الغيره والحميه) جميعهم رفعوا أياديهم وصاحوا بصوت واحد نحن بأمرك يا سيدي وكان مجموع الحضور (24) مقاتل قلت لهم سأعيد إليكم (ماجد موس)أطلبوا منه بأن يساعدكم وفي حالة رفضه اطلب من الجميع أن تنهالون عليه بالضرب دون تردد ولا يتخلف منكم احد. أريد أن تضربوه ضربة رجل واحد  الجميع أجابوا (عد عيناك سيدي) عدتُ إلى مقر السرية استدعيت( ماجد) وأبلغته بالالتحاق إلى فصيله ومشاركة أخوانه المقاتلين وقلت له (عيب عليك إخوانك يشتغلون وأنت كاعد  روح اعتذر منهم  وشاركهم في العمل.أجابني تأمر سيدي. وعاد إلى فصيله  وأنا أراقب من داخل (المرصد) قاطع السرية مضى على وصوله حوالي ربع ساعة ولم يحصل أي شيء قلت مع نفسي( يبدو قدهداهُ الله )ولم تمضي إلا دقائق سمعت صوت صراخ وعويل من الفصيل الرابع تجاهلت الموقف وكأني لا أعلم اتصل معي عامل ألبداله وأخبرني بحصول شجار بين الجنود في الفصيل الرابع.وفي نفس اللحظة اتصل معي آمر الفوج مستفسرا عن أسباب الشجار في الفصيل  أخبرته أنا في مقر السرية لا اعلم سأتوجه إليهم حالا توجهت إلى الفصيل وجدت آمر الفوج قد وصل قبلي إلى مكان الشجار, لقرب الفصيل من مقر الفوج  وجدت(ماجد) مطروحا على ألارض فاقد الوعي وملطخ بالدم وعليه أثار الضرب بالمجارف ,غضب آمر الفوج وهدد الفصيل بإحالتهم إلى المحاكم  جراء تمردهم. رد أحد المقاتلين (سيدي شرفنا أغلى من كل شيء أنت تقبل إحنا نشتغل من الصبح لحد ألان ماجد يرفض الشغل ويتهجم علينا بعبارات بذيئة وغير مؤدبه, السجن أحسن من هذا التعب). قام آمر الفوج وحمايته بحمل (ماجد) ووضعه في سيارة آمر الفوج وذهبوا به إلى وحدة الميدان الطبية لمعالجته ومن ذلك الحادث لم يلتحق ماجد إلى السرية .اصدر آمر الفوج كتاب بنقله إلى سرية مقر الفوج. ومن جراء ذلك الحادث قام آمر الفوج بتهديد أي مخالف من بقية  السرايا ويقول راح أنقلك إلى السرية الثانية حتى تتأدب. أصبحت السرية الثانية مصدر مخاوف للجنود السيئين والغير منضبطين لأن افراد السرية تربوا على القيم والأخلاق العسكرية الجيدة والتزموا بتوجيهات امر سريتهم وينفذوها, لذلك أصبحوا محض احترام المراجع العليا ,ولم يزور زائرالسريه إلا وكرم عدد من المقاتلين أو وجه كتاب شكر وتقدير إلى السرية وضباطها .نستخلص من هذه القصة الحقيقية أهمية الضبط العسكري المبني على أسس وتقاليد عسكريه رصينة والدور القيادي الذي يجب أن يتحلى به الضباط لقيادة وتوجيه جنودهم وزرع الروح الوطنية في نفوسهم بعيدا عن الولاءات الطائفية  والمذهبية ,فالولاء التام يجب أن يكون للوطن الذي يستحق من أبناءه التضحية والدفاع عنه بكل شجاعة واقتدار.

العقيد نجم الدين الصميدعي

                   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

622 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع