من منا لا يعرف «سُمعا»؟!

                                               

                           د.منار الشوربجي

في مثل هذا الأسبوع من شهر مايو عام 1972، توفي الفنان المصري الشهير إسماعيل ياسين. لست متخصصة في النقد الفني، لكن فناناً بحجم الرجل وقيمته يستحق أن يتذكره غير المتخصصين قبل المتخصصين.

فهو يظل علامة فريدة من علامات السينما المصرية. ولا أخفي على القارئ الكريم أنني من محبي إسماعيل ياسين منذ طفولتي، ولم يتغير رأيي فيه حتى اليوم. لكنني اليوم أجده يمثل، من وجهة نظري المتواضعة، مجموعة من القيم المهمة التي نحن أحوج ما نكون إليها اليوم. والفنون بمختلف أنواعها لها قيمتها العظيمة في تهذيب النفوس. ولكن لكل لون من ألوان الفن سياقه وجمهوره، وإسماعيل ياسين، في تقديري، يأتي على رأس ذلك النوع من الفنانين الذين يمكن أن يطلق عليهم اسم «فنان العائلة».

فاسمه وحده بمثابة علامة كافية تعلمك بأنه بإمكانك أن تشاهد فيلمه مع أطفالك الصغار فلا تفاجأ بما يسوؤهم أو يسبب لك حرجاً.

فأفلامه لا تحتاج لتلك الإشارات التي تسبق الكثير من الأفلام المعاصرة والتي تنبه لضرورة الإشراف العائلي أو أنها غير مناسبة للمشاهدين الصغار لوجود عبارات خادشة أو عنف مفرط. ولأفلام إسماعيل ياسين وقع ترفيهي ملطف بعد أجواء التوتر اليومي التي صارت عليها الحياة المعاصرة. فحتى يومنا هذا أبحث بين الفضائيات عن فيلم له لأشاهده بعد يوم طويل شاق من العمل. وقد فوجئت بأن الكثير من الصديقات والأصدقاء يميلون لمثل ما أميل إليه في أيام العمل الشاقة.

فأنت بعد يوم مليء بضغوط العمل، تحتاج إلى لمسة باسمة دون إسفاف. والعلاقة بين إسماعيل ياسين الإنسان وإسماعيل ياسين الفنان تمثل قيمة هي الأخرى.

فمن يشاهد أفلام الفنان الراحل التي أدخلت البهجة على نفوس الملايين، لا يمكنه أن يتخيل أنه عاش طفولة بائسة حزينة.

فقد ولد بمدينة السويس عام 1912، وعاش فيها طفولته المبكرة الحزينة بعد وفاة والدته وزواج والده بأخرى، لم تكن تحسن القول والفعل للطفل الصغير الذي تعرض للقسوة من والده الصائغ الذي أفلس، فلم يكمل الفتى «سمعا» تعليمه، وخرج للعمل في سن مبكرة، بل طرده من بيته فعاش فترة مع جدته ولم يشعر معها هي الأخرى بالراحة.

وكانت حياته حتى بعد أن ذاع صيته سلسلة من المشكلات والمآسي، إلى أن مات فقيراً.

وكان إسماعيل ياسين، كما يقول عنه من عرفوه، سريع البكاء.

وتلك هي قيمة ذلك المبدع الذي لم يشعر عشاقه أبداً بأوجاعه.

وتلك هي عظمة الله في خلقه، حيث بإمكان النفس البشرية المعقدة أن تبدع رغم ألمها وحزنها. ومن يشاهد أفلامه لا يمكنه أن يتخيل أن ذلك الكوميديان المبدع كان حلمه أن يصبح مطرباً عاطفياً لا ممثلاً.

فحين رحل إلى القاهرة كان يسعى وراء ذلك الحلم. وفعلاً، تنقل بين الملاهي دون أن يحالفه الحظ، إلى أن بدأ يقدم فن المونولوج الضاحك الذي كان بداية شهرته ودخوله لعالمي السينما والمسرح، ممثلاً كوميدياً من طراز فريد. وإسماعيل ياسين من النجوم القلائل الذين سخروا من أنفسهم علناً في أفلامهم.

فهو استطاع أن يحول ما قيل إنه كان نقطة ضعفه التي حرمته من أن يصبح مطرباً عاطفياً، أي هيئته، إلى نقطة لصالحه. فكم من مرات سخر فيها إسماعيل ياسين من كبر حجم فمه أو أذنيه! أعرف أن هناك الكثيرين ممن ينتقدون إسماعيل ياسين حتى يومنا هذا، وأعرف نوع الانتقادات التي وجهت إليه، وبعضها صحيح بالمناسبة، مثل توقفه في لحظة بعينها عن التجديد في موضوعات أفلامه. لكن يظل ياسين فناناً أثرى السينما، ولوناً فنياً مبدعاً.

ولا دليل على ذلك أفضل من أن فنه عاش لعقود طويلة بعد وفاته، ولا تزال أفلامه تعرض على كل الشاشات. وإسماعيل ياسين الذي كانت تلقائيته سر نجاحه من الصعب تكراره كظاهرة، رغم بعض المحاولات التي بذلت لصناعة إسماعيل ياسين جديد.

ياسين أحد اثنين فقط من نجوم الفن، إلى جانب العظيمة ليلى مراد، اللذين حملت بعض أفلامهما السينمائية اسميهما، وإن كان عدد الأفلام التي حملت اسم «ليلى» أقل بكثير من تلك التي حملت اسم الفنان إسماعيل ياسين. فالأفلام التي حملت اسمه لم تقتصر على سلسلة الجندي البسيط في الطيران والجيش والبوليس والمباحث، وإنما امتدت لتشمل شتى الموضوعات من «حديقة الحيوانات» و«المغامرات» و«السجن» وزيارة إلى «دمشق» ومروراً «بريا وسكينة» و«طرزان» و«مستشفى المجانين» حتى وصلت لبيع الفنان الراحل نفسه في فيلم «إسماعيل ياسين للبيع».

رحم الله «سُمعا» الذي عشقه الملايين من المصريين والعرب، بما في ذلك أجيال كاملة ولدت بعد وفاته بعقود طويلة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

899 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع