صخب التصريحات وعبثيتها أسقطت هيبة الجيش العراقي (سقوط الانبار نموذجا)

                                                     

                              د.عبدالقادر القيسي

تطرقت في مقال سابق عن كثرة التصريحات وتناقضاتها وضررها، ولان واقعة سقوط الرمادي بأيدي تنظيم داعش الإرهابي افرزت لنا واقع مأساوي بجميع المجالات

وقد بدا واضح للجميع، والمؤسف اننا لازلنا لا نمتلك مقومات دولة مؤسساتية لها جهازها الإعلامي الذي يحفظ كيان الدولة وهيبة جيشها، بل ان التصريحات الإعلامية التي رافقت عملية سقوط الانبار كانت كارثية على الدولة عموما والجيش خاصة، حيث اسقطنا الأعلام كأحد آليات السلطة السياسية في عالمنا العربي وانتجنا اعلام خاص مضاد للدولة والجيش، وامسا الأعلام العراقي سجين رغبات الدول أو الأحزاب أو الطوائف -التي تحاول تبرير هيمنتها السياسية وتعزيزها مما جعل الدولة مجرد هيكل فارغ.
نحن فى مجتمع تحكمه ليست النظرة الوطنية البعيدة المجردة من الشخصنة إنما النظرة المحدودة تحت الأقدام المتمازجة مع الحسابات الشخصية.
أعرف أن يدا واحده لا تكفى لمحو هذه السلبيات وان د.العبادي يستطيع أن يمحو هذه السلبيات ويعيد للدولة رونقها وقدسيتها ويلملم ماتناثر من هذه القدسية، ان كانت هناك نيات صادقة، للعمل كفريق واحد.
اننا امام بعض من السياسيين والقيادات الحكومية والبرلمانيين يمتلكون بنينٌ وحفَدة ويقاتلون للمحافظة على القُصورٌ والسيَّاراتٍ الفارِهة ومنتجعاتٍهم السياحيةٍ وأرصدة بنوكٍهم الخياليَة وحب الظهور بهِندامٌ مُزخرَف وقِنِّيناتَ عِطرٍ شذيَّة، انهم رجال يدعو عليهم الشعب العراقي، ولا تراهم إلا حجارة على صدرها توشك أن تهشمه.
فالقضايا السياسية الوطنية التي تحافظ على ثوابت الأمة وأساس المجتمع وتمسكه هي قضايا غالباً ما تكون محل ومجال لاتفاق أبناء المجتمع، وليس هناك قضية وطنية أثمن من المحافظة على هيبة الجيش وعدم اضعافه من خلال التصريحات العبثية او اظهار قوى شبه عسكرية بانها اقوى من ولاء الجيش للعراق وأنها اقوى عقيدة  وانها ستعيد محافظاتنا من داعش، انها والله وسائل تهشيم لأي عقيدة عسكرية وطنية وتؤسس لجيش خاوي ضعيف لا ينطبق عليه مبدأ الجيش سور للوطن وانما ينطبق عليه مبدأ( الجيش ضياع للوطن).
وسأنقل لكم بعض التصريحات المهمة لقيادات حكومية بعيدا عن التصريحات البرلمانية لأنها كارثية، مراعاة لضوابط المقالة ومنها:
)صرح الدكتور العبادي عدة تصريحات تشير الى ان هناك انسحاب خاطئ ويجب محاسبة المقصرين واخرها، تصريحه لدى زيارته روسيا نقلته قناة الشرقية 22/5/2015( ان ما حصل في الرمادي انسحاب من دون أوامر وسنحاسب المقصرين..)
تصريح وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي الذي عرضته قناة البغدادية ليوم 22/5 بان (انسحاب الجيش كان تكتيكيا ...)  وتصريح عادل بروري لقناة السومرية نيوز ليوم 21 /5 (بان انسحاب قواته كان تكتيكيا...)
 تصريح رئيس مجلس النواب سليم الجبوري في لقاء في منتدى دافوس ليوم 22/5 بان(.. المهاجمين كانوا اقل من مائة واحد وان هناك انسحابات خاطئة ويجب محاسبة المقصرين)
وقال السيد صالح المطلك للصحافيين على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في الاردن انه “لا يمكن ان نتخيل ان قوات مدربة لأكثر من عشر سنوات وهي قوات النخبة الذهبية بالنسبة للجيش العراقي تنسحب بهذه الطريقة المخجلة وتترك ابناء المنطقة العزل يواجهون الارهاب الذي قتل المئات منهم”. واضاف ان “الجيش يتحمل المسؤولية الكبرى في هذا الموضوع، والحكومة يفترض ان تحاسب القادة العسكريين الذين تخاذلوا في هذه اللحظات الصعبة”.
أعلن عضو مجلس الانبار فرحان محمد، الخميس، عن موافقة القائد العام للقوات المسلحة على طلب حكومة الانبار بفتح تحقيق في أسباب سقوط مدينة الرمادي، مبيناً أن العبادي أمر بفتح التحقيق وإحالة المتسببين بالسقوط الى المحاكم العسكرية.
عد باراك أوباما، في حديث إلى مجلة (اتلانتك) الأميركية، اليوم الجمعة 22/4، إن “سقوط مدينة الرمادي بيد تنظيم الدولة الاسلامية انتكاسة وليست هزيمة للولايات المتحدة أمام التنظيم”، مبيناً أن “تراجعاً تكتيكياً قد حصل والسبب يعود إلى أن القوات الموجودة في المدينة ليست من القوات التي دربناها وعززنا قوتها”.
قال ديمبسي: ( إن قوات الجيش العراقي التي كانت متواجدة في مدينة الرمادي كبرى مدن محافظة الأنبار اختارت الانسحاب من المدينة، ولم يجبرها على ذلك ..بـ"داعش)(
ان تضارب التصريحات في كيفية سقوط الرمادي كانت مخجلة حيث ان السيد رئيس الوزراء يصرح بان الانسحابات كانت خاطئة ومن دون أوامر ووزير الدفاع يقول ان الانسحاب تكتيكي وقائد الفرقة الذهبية يقول أيضا تكتيكيا، وهذا الامر خطير يشير الى ضعف بائن وتقاطع كبير بين السيد قائد العام للقوات المسلحة ووزير دفاعه الذين من المفترض ان يكونوا جسد واحد في هكذا معارك لا ان يكون السيد القائد العام للقوات المسلحة في وادي ووزيره وقائد الفرقة الذهبية في وادي اخر، والشعب والدول تصدق من؟ وزير الدفاع ام القائد العام للقوات المسلحة؟ وهذا يؤكد ما صرح به السيد أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية مؤخرا عندما قال ان وزير الدفاع لا يمتلك أي صلاحيات لوجستية او ميدانية في تحريك القطعات العسكرية وتلك طامة كبرى، قائد عمليات وقائد فرقة او لواء له صلاحية تحريك قطعاته ووزير دفاع ليس له أي صلاحية؛؛؛؛
ان هذه التصريحات المتناقضة يرافقها تصريحات برلمانيين وسياسيين شوهت الخطاب الإعلامي للدولة وبات لا يعبر عن توجهات ومواقف لا بد من السير في اطارها فيما يخص سياسة الدولة، ان هذه التصريحات أفقدت العراق دوره القيادي في محيطه العربي والإقليمي.
وتصريح السيد رئيس مجلس النواب والسيد صالح المطلك يضعنا امام عدة تساؤلات؛ منها؛ كيف تنسحب فرقة عسكرية سوات(ذهبية) بكامل عدّتها وعديدها وتترك مواقعها المهمّة التي كُلّفت بالدفاع عنها والحفاظ عليها أمام عدوٍ خارجي أكد رئيس مجلس النواب ان عددهم لا يتجاوز المائة إرهابي؟  وبحدود هذا الوصف؛ لا مكان هنا للانسحاب التكتيكي؛ الذي ادعى به وزير الدفاع وقائد الفرقة الذهبية.
بتلك التصريحات غير المنضبطة كمن قبل أكل الميتة وهو مضطراً، حيثُ قامر الجميع بواجبه الوطني، وأضعف جيشه وجعله اسير لشبح الهزيمة التي مُني بها في الموصل، وكان وأصبح ضحيّة المؤامرات والمناكفات السياسية والاجندات الخارجية؛ وواجهة للاتهامات المتبادلة وتخوين بعضهم البعض الآخر، مع تبادل التهم والتقصير بين الحكومة المحلية والحكومة المركزية.
لقد رأيت في أوروبا وأمريكا دولا شتى تشرع قوانين دقيقة لضبط سياسة الحكم والاعلام.
ان تلك التصريحات العبثية؛ كانت حماسية إعلامية مضرة، وكان ممكن الاكتفاء ببيان صادر عن مكتب القائد العام للقوات المسلحة يتم به شرح ما حدث بالأنبار بأسلوب شفاف وبدون تحريف للوقائع او قفز على الحقائق؛ وبطريقة يتم بها الحفاظ على قدسية الجيش العراقي ومحاسبة شديدة وفورية للمقصرين وفق القانون العسكري.
والمؤسف والذي يضع اكثر من علامة استفهام؛ هو تعرض العراق الى نكسة عسكرية كبرى صاحبها فاجعة ازمة النازحين من الانبار؛ والتي تحتاج الى تظافر الجهود لحلها؛ لا ان  يتم تطبيق نظام الكفيل الجائر والمخالف لكافة القوانين والقواعد الدستورية على أبناء الوطن، مع كل هذه المصائب وما صرح به وزير المالية بان العراق يمر بأزمة مالية صعبة، تذهب الى الأردن ستة وفود للمشاركة بمؤتمر اقتصادي؛ لا نعتقد ان العراق بحاجة ماسة له حاليا في ظل الأوضاع الأمنية المتأزمة(وفد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، وفد نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي، وفد السيد رئيس إقليم كوردستان، وفد نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، وفد نائب رئيس الوزراء روز نوري شاويس، وفد نائب رئيس الوزراء بهاء الاعرجي)    
ولا أدرى كيف لبلد يمر بأزمة اقتصادية حادة يقوم بتغطية زيارة هذه الوفود الكبيرة، كان من المفترض الاكتفاء بمشاركة وزير المالية فقط، والمعيب ان يتم انسحاب نائب رئيس الوزراء بهاء الاعرجي بسبب وجود شخصية إسرائيلية وبقاء بقية الوفود العراقية؛ هل هذه سياسة خارجية رصينة ولماذا المزايدات الفارغة يتم استعراضها خارج العراق وفي المحافل الرسمية؟ وإذا كانت هناك نية للانسحاب فكان من الأفضل انسحاب الوفود العراقية جميعا؟ هل ان الامر يتطلب تمثيل الأحزاب والكتل والتيارات السياسية حتى خارج العراق؟ علي الوفود العراقية ممارسة السياسة الوطنية بعيدا عن ممارسة السياسة الحزبية؛ وان يبتعدوا عن ممارسة العهر السياسي والإعلامي.
ان تقاطر هذه الوفود يؤكد بان هناك عدة دويلات داخل دولة العراق، واني اسال السيد رئيس مجلس الوزراء: كيف يذهب نوابك الثلاث لتمثيل العراق بمؤتمر دولي ؟ هل كان الامر بعلمك؟ وكيف سمحت لهم ؟ وكيف لدولة لها سياسة خارجية رصينة تنتهج هذه الطريقة بالتمثيل؟ ما بالنا هل ان دول اقل شانا من العراق بكثير أصبح لها خط سياسي واضح وأفضل دبلوماسيا من العراق؟
ان نصرة الجيش العراقي من القضايا السياسية الوطنية وليست سياسة حزبية، ومن ثم فهي قطعا يجب ان تكون محل أتفاق كافة فئات المجتمع، وان الخطاب الرسمي للدولة يجب ان ينبع من مفاهيم واطر دستورنا النافذ، من خلال حصر التصريحات والبيانات ودراستها من قبل هيئة قانونية سياسية، تعمل بأشراف الرئاسات الثلاث مضاف اليها السلطة القضائية.
لقد تبلورت لدينا جماعات من محترفى اكلام (افاقين) لهم القدرة على تلوين الاشياء وفقا لحاجات احزابهم وكتلهم وارتباطاتهم الخارجية وعلى قاعدة العقلاء: (البعرة تدل على البعير، وألآثر يدل على المسير، وهذا الخلق يدل على القادر القدير) وبات مفهوم الدولة خارج قوس.
وكم كان كلام أوباما مؤثر لي عندما قال “إذا كان العراقيون أنفسهم غير قادرين أو غير راغبين بالتوصل إلى توافق سياسي ولم يكونوا راغبين بالقتال من اجل أمن بلادهم فنحن غير قادرين على فعل ذلك بالنيابة عنهم، ولكن باستطاعتنا أن نكون حلفاء فعالين”.
ان القانون هو ركيزة الدولة الحديثة، هو سلوكها، وخطابها في الآن نفسه، وعلى الناطقين بلسان المؤسسات العسكرية ان يعملوا على صهر شخصيتهم المهنية بشخصيتهم الوطنية وأن يدافعوا عن وطنهم واستقلاله ويعملوا على رفع شأنه وأن يقدموا مصالح الوطن والمجتمع على مصالحهم الشخصية. 
ولا اعرف كيف لا يكون لوزارة الدفاع ناطق يمثلها، ناطق رسمي يكون ضابط ذو مهارة وفطنة وعلمية وصاحب مفردة رصينة، كما شاهدناه في(احمد العسيري) الذي كان بارعا في مؤتمراته الصحفية وفي اجاباته وكان يجيد ثلاث لغات ومتخرج من عدة دورات عسكرية تخصصية من اكاديميات عسكرية رصينة غربية، لا ان يكون لنا ناطقين(اختزلوا فترات الترقية العسكرية الحقيقية وسنين التمتع بالشهادات العليا؛ لما يتمتعون به من مهارات حفظيه وقدرات استيعابية هائلة ولما بذلوه من جهد وتعب وسهر الليالي؛؛؛؛؛؛) يأتيك  بمعلومات مغايرة للأولى وبطريقة غير احترافية وبعيدة عن الأطر الإعلامية وتحت شعار( كلام الليل يمحوه النهار) والتصريحات هذه تفقد عمل الدولة من أي مضمون حقيقي، وتجعلها ساحة للمواجهات أو المجاملات.
من أجمل الاقوال وابلغها قول الامام علي عليه السلام:
((من ينصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه))
وايضا في حادثة حصلت مع الامام علي عندما ولي بعض اعماله لاحدهم الذي خان فيه, فيقول عنه: (اما بعد, فان صلاح ابيك غرَّني منك, وظننت انك تتبع هديه وتسلك سبيله, فاذا انت فيما رقي اليَّ عنك لا تدع لهواك انقيادا, ولا تبقي لاخرتك عتادا, اتعمر دنياك بخراب اخرتك? وتصل عشيرتك بقطيعة دينك? ولئن كان ما بلغني عنك حقا لجمل اهلك وشسع نعلك خير منك, من كان بصفتك فليس باهل ان يُسدَّ به ثغر او ينفذ به امر او يُعلى له قدر او يُشرك في امانة او يؤمن على جباية…".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

864 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع