د. ضرغام الدباغ *
الرمادي بيد داعش، قوات الحكومة تنهزم، قوات الحكومة تتقدم، قوات داعش تنهزم ... ما هو المغزى الحقيقي لهذه اللافتات والهتافات ..!
الحقيقة الكاملة، هي مفهوم عميق وشامل وأكبر مما يدور على أرض الواقع في هذه اللحظة أو اللقطة في عراق اليوم، أو الآونة. لسبب بسيط جداً، أن الموقف الحالي ما هو إلا إفراز ونتيجة موضوعية لتراكم تاريخي يدور منذ أن تعرض الوطن للأحتلال.
ــ فالحكومة التي تدعي أنها عراقية هي ليست بحكومة كل العراق بحكم تصرفاتها وأعمالها، وأخيراً غيابها الكلي عن الساحة والأحداث والقرارات المهمة الحاسمة بأعتبارها واقعة كلياً تحت تسلط وهيمنة دولة أو دول أخرى، بحيث من الخطأ الشديد توجيه الاتهام لها كحكومة دولة مستقلة، ربما كأفراد، ولكن ليس كنظام.
ــ وداعش بدورها لا تمثل الثورة العراقية، لأنها لا تنظر إلى عموم الخارطة العراقية، وإلى العراقيين ككل، فهي كيان غريب تحوم حوله وحول تصرفاته، عشرات الأسئلة وعلامات التعجب والاستفهام، والكثير منها غير مفهومة وغير مبررة. والقاسم المشترك الأعظم بينهما، شهوة القتل والانتقام، وتدمير العراق تاريخاً وحاضراً، ومحاولاتهما تنصب في جعل أستعادة العراق لوحدته أمراً مستحيلاً. وهي ردة فعل غير موضوعية على تطرف وطائفية هي في جوهرها معادية لوحدة الوطن والشعب.
ــ (الجيش العراقي) ليس بجيش دولة، جيش يتعرض قادته للإهانة والبهدلة يومياً (من اللي يسوى واللي ما يسوى على قول المثل الشعبي)، وبالتالي عندما لا يطلق الجيش النار على المواطنيين هذه ليست مثلبة، لأنك عندما تقول جيش العراق، بمعنى أنه جيش الوطن، فكيف يطلق جيش الشعب النار على الشعب ؟
ــ أما الحشد الشعبي، فهو ليس سوى أكذوبة كبيرة لا علاقة لها بالشعب العراقي، فمالها وسلاحها وشعاراتها ومعظم عناصرها، وأحياناً حتى لهجتها مستوردة، وأغلب الظن أن رئيس الحكومة قبل بها مرغماً، دون قناعته، بل أني أرجح أن حتى قادة الكتل الدينية والطائفية من يريد أن ينأى ويسمو بنفسه فوق هذه المهزلة التي تدار وتحاك من الخارج حتى تفاصيلها الصغيرة، وأن سمعت يوماً أحدهم يداهن الحشد، فأعلم أنه يريد أن ينقذ رأسه من الحصاد الذي طال الكبير والصغير. أما اللاعبون خلف الكواليس والمخرج الذي فيجازف أحياناً بالبروز فوق المسرح علناً، بعد أن باتوا مكشوفين معروفين، وهذه الألعاب البهلوانية والاكروبات لم تعد تنطلي على أحد، إلا فئات من البسطاء والسذج والجهلة وممن تسهل شراء ذمتهم بالقليل من المال، وأحياناً بما يسد الرمق فحسب.
ـ الولايات المتحدة تريد فرض واقع جديد يقوم في مفرداته على جعل العراق (كياناً) سياسياً يلائم خططها واستراتيجيتها في الشرق الأوسط.
ـ إيران الصفوية تنشد التوسع لا يهم أقلية أو أكثرية، فهنا بأسم الأكثرية ، وهناك بأسم الممانعة، المهم أن يتحقق التوسع تحت أي شعار.
وقد اتفقت الأطراف المتحالفة أن عدد الضحايا والخسائر البشرية والاقتصادية هي غير مهمة البتة، لذلك جاء الاحتلال مشروعاً فاشلاَ في نتائجه الشاملة، تقسيم العراق عملية جراحية ستودي بمن يقوم بها، هذه هي الحقيقة الناصعة المغيبة والتي تقضي المصالح الدولية بتغييبها وطمس هذه الحقيقة الحقيقية، الحقيقة الكاملة كمفهوم عميق وشامل، ولا ينبغي اعتبار ما يطرحه طرف واحد يمثل الحقيقة كلها، والحقيقة الرئيسية اليوم هي : أن الشعب يقتل، ويشرد، ويفقد ممتلكاته، ويفقد ثقته بالنظام، وتبلغ معاناته درجة من الصعب تصورها، مئات الألوف تهيم على وجهها في البراري، المدفعية الثقيلة والصواريخ وسلاح الطيران، وكل فوهة يخرج منها النار مسلطة على البيوت والنساء والأطفال قبل الرجال المقاتلين، ويطلقون على هذه العملية بؤساً وزوراً وتجنياً على الحقيقة وعلى أنفسهم قبل كل شيئ بالتحرير ..! بل ويطلبون من الناس على اختلاف مستوياتهم العقلية القبول بها، من عقلاء الشعب وحكماءه، ومثقفيه وكتابه، وجماهيره الكادحة التي لا ناقة لها ولا جمل بهذا الصراع الدموي الكاسر، إلى سفهاءه ومجانينه، ومتطرفيه ممن يبلغون درجة العمى في التطرف والغباء السياسي المطبق، وإلا فوهة البندقية المسلطة عليك تسلب منك حياتك، أو تقبل بهذا التخريف السخيف.
هذا سيناريو مفروض على الممثلين التافهين الذي يحملون السلاح ضجراً، أو لقاء حفنة تافهة من الدولارات، فقد علمنا أن مقاتلي ما يسمى بالحشد الشعبي يقبضون ما يعادل 1200 دولاراً شهرياً، ومثلهم تقريباً الجنود والشرطة، وهؤلاء المسلحين المأجورين ويزيد عددهم على المليون، يقبضون على تخريبهم رواتباً، فلتذهب خطط التنمية مع الريح، فيحق فيهم قول شاعرنا الجواهري الكبير :
مستأجرين يخربون ديارهم ويكافئون على التخريب رواتباً
شاهدت فلم هزيمة ما يسمى بالجيش من الرمادي، وغداً سنشاهد ونسمع قرع الطبول لتحرير بيجي، ثم الرمادي، والفلوجة، ثم تعود تكريت بيد داعش من جديد، لتحرر مرة أخرى .. مأساة ستطول وتستطيل وتستدير وتدور حتى يمتلأ وادي الرافدين بالدماء وأشلاء الضحايا لعشرة سنوات أخرى، لنكتشف بعدها، أن لم تكن هناك أسلحة دمار شامل، وأن بوسع الناس أن تعيش مع بعضها، ولم لا .... ألم يعيشوا آلاف السنوات معاً جيرة وأحباب ورفاق في أحزاب، وشهداء في قضايا واحدة، وتصاهروا وصاروا أبناء عمومة وخؤلة، ثم لنتساءل ذات يوم لماذا جرى كل هذا السخف ...؟ أليمكث (س) أو (ص) وهو لا يساوي ثمن ثيابه التي يرتديها في الحكم عاماً آخر ..... ؟ أهكذا تبتذل الشعارات والقيم والمفاهيم ؟
لا يمكن أختصار المشكلة كلها بما حصل في هذه البناية أو المحلة، أو البلدة، فهذا تسطيح للأزمة، والأمر بحاجة إلى مراجعة شاملة، ومن لا يقتنع فليتفضل ويشحذ سيوفه، هكذا يصبح الحال عندما يستولي على قيادة هذه الباخرة الضخمة المعقدة، وعلى سدة السياسة والقرار من يجهل قيادة دراجة هوائية.
هذا سيناريو ليس بعراقي مطلقاً ..... أنه من إخراج وإنتاج وسيناريو الحلف الذي صار واضحاً كالشمس في رابعة النهار ... المشروع الإمبريالي / الطائفي فشل فشلاً ذريعاً، لم ينجحوا في جر الشعب للأقتتال، فأخترعوا قصة داعش والحشد، وستفشل هذه بقليل أو كثير من التضحيات، وليس صحيحاً البتة أن عفريت الطائفية ركب العراقيين، فالمؤتمرات الوطنية، ومنها مؤتمرات المجلس السياسي العام ترفض الطرح الطائفي رفضاً باتاً، ونحن ندرك تمام الإدراك أن الطائفية هي طلقة الموت على جبين القضية الوطنية والقومية، ولهذا سعى إليها الإمبرياليون والمستعمرون، والصهاينة والصفويون، وكل أعداء العراق والأمة العربية، ولذلك لا عجب إن تحالفوا واتفقوا ... ساء ما تحالفوا من أجله واتفقوا عليه وما فعلوا.
سينتصر العراق الواحد الموحد بشعبه، وسنرمم البيت، عالياً شامخاً يستحق تضحياتنا العزيزة.
إنهم يحاولون منذ أكثر من 12 عام أن يفعلوا المستحيل، وسوف يفشلون هنا في العراق وفي كل مكان تمارس فيه سياسات القتل والاغتيال والعزل، والإبعاد، والإبادة، سوف يحاسبهم التاريخ حساباً عسيراً نرى مقدماته تلوح في الأفق ...!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الأمين العام للمجلس السياسي العام لثوار العراق
هذه المقالة جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى الفضائيات العربية بتاريخ 18 / أيار / 2015
2130 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع